الزجل ينعي رئيس رابطته محمد البهنساوي… ترك مشواراً من الذكريات الطيبة المنيرة
النشرة الدولية –
“لا أحتاج شيئاً من الدنيا” بهذه الكلمات اختتم الشاعر محمد البهنساوي مكالمته مع د. علاء عبدالهادى – رئيس النقابة العامة لاتحاد كُتاب مصر – عندما اتصل به الأخير للإطمئنان عليه فى مرض ألم به لأيامٍ قليلة، رحل بعدها إلى جوار ربّه راضياً مرضيا، فى صباح السبت السادس من يونيو/حزيران 2020، تاركاً لنا مشواراً من الذكريات الطيبة المنيرة التي تَشْهد له بحُسن الخُلق وسِعة الصدر وصدْق الإبداع الأدبي، فضلاً عن الإلتزام بالمبادىء السامية والوفاء بالعهود والعمل على إسْعاد كل مِنْ يعرفه.
وُلد محمد محمود البهنساوي في محافظة المنوفية في السادس والعشرين من مارس عام 1949، وانتقل إلى القاهرة واستقر بها حتى لقى ربه، وتخرج في كلية التجارة بعد حصوله على بكالوريوس التجارة قسم المحاسبة.
وكان لعضويته برابطة الزجالين وكُتاب الأغانى بالقاهرة أثر بالغ فى ذيوع اسمه وانتشار أعماله الشِعرية والزجلية، فقد تدَّرج فى مناصبها من عضو إلى أمين للصندوق ووصولاً إلى رئاستها حتى وفاته، وهو الموقع الذي تبوأه زجال مصر الكبير الراحل أبوبثينة مؤسس الرابطة وأول رئيس لها.
كما جمع البهنساوي بين منصبه هذا وعضوية مجلس إدارة النقابة العامة لاتحاد كُتاب مصر منذ عام 2017 وفي عام 2018 أصبح مقرراً لشعبة شعر العامة بالاتحاد، مما سمح له بتنظيم لقاءين للزجالين وكُتاب الأغانى شهرياً بمقر الاتحاد بالزمالك، فضلاً عن تنظيمه لمؤتمر اليوم الواحد السنوى لشعبة شعر العامية، وفيه قام بتكريم عدد من الرموز المبدعة فى هذا المجال.
ويتمتع البهنساوي بسمات شخصية وفنية أهلته إلى التقدم في كل ما أُسند إليه من مهام ومنها:
– حُسن مظهره وأناقته الملحوظة، وإجادته للمحاسبة وشئونها، وسعة معرفته وقدرته على كتابة الدراسات الأدبية والنقدية، بجانب موهبته فى كتابة الأزجال والأغانى، و – أيضاً- قصائد الشعر بالفصحى.
وتَشهد له مواقفه الجريئة في نصرة أصحاب الحق، ومساندة أرباب المطالب، سواء في اتحاد كُتاب مصر أو رابطة الزجالين وكتُاب الأغاني.
وقد عرفته في عام 2013 من خلال دراسة أدبية في فن الزجل شارك بها في مؤتمر شرفت بأن أكون أمينا عاما له باتحاد كُتاب مصر حول سمات الزجل المصري المعاصر، وعقد باتحاد كُتاب مصر بالزمالك برئاسة الشاعر الكبير فؤاد حجاج، وبرعاية الكاتب الكبير محمد سلماوي رئيس مجلس إدارة الاتحاد – وقتها -، وقد لمست فيه جدية المعاملة والثقة بالنفس والخُلق الرفيع، مما جعلنا في رباط وصداقة أساسها الاحترام والتقدير والحُب حتى يوم رحيله، وقد كتبت نعيه بكلمات تتخللها الدموع على صفحتي الإلكترونية ممثلاً للجنة الفروع بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر.
وتتميز تجربته الشعرية والزجلية بسمات فنية ملموسة، تطل علينا من خلال عشرة دواوين وبعض الدراسات النقدية ومنها: فيروز عينيك، جفون لا تنام، قصائد بطعم الحُب، همس العيون ، يا من أنتِ ملهمتى، وحشتيني، أحاسيسي، وغيرها.
ويؤكد البهنساوي ميله الفني ونزعته الشخصية إلى كتابة القصائد والأزجال الإنسانية، والأعمال الرومانسية التي تساعد الإنسان على الخروج من براثن المادية ودوائر الصراع الدامي والامتلاك الدنيوي الزائل. وقد جاء ذلك في تقديمه لديوانه “أحاسيسي” الصادر في عام 2010 عن دار الإسلام للطباعة والنشر بالمنصورة – ومنه “لقد أفتقدنا الرومانسية وسيطرت علينا النزعات المادية وصار الحوار بين الخاصة والعامة من الناس يدور حول المال والممتلكات الأخرى. لذا أقدم المجموعة الشعرية لكي أصحبكم معى إلى شاطىء الحب، لنسعد بالحياة في محبة واطمئنان دون إخلال بالقيم والمبادىء”.
ولقارىء قصائده وأزجاله أن يلمس حرصه الشديد على كتابة القصائد والأزجال الدينية والتأكيد على القيم التربوية والتعاليم الإنسانية، ويتجلى ذلك في زجله “ساعة في قرب الحبيب” الذي كتبه بعد أدائه للعمرة.
لما نداني الحبيب ∴ من فوق سحاب عديت
ونزلت يثرب وانا ∴ فرحان بقلبى نديت
مشتاق ياسيدنا النبى ∴ للصحبة وأهل البيت
فى الروضة نلت المنى ∴ نلت القبول صليت
ومشيت لقبر النبى ∴ ووقفت عنده بكيت
نزلت دموع الفرح ∴ بالوقت ماحسيت
وننتقل معه من هذه الكلمات الروحانية إلى المداعبات الإنسانية، فى صور متباينة ومنها يا معلني الحُب، ويقول فيها:
يا معلنى الحب وحشنى ** فات شهرين وانا باستناك
عامل إيه أرجوك طمَّني ** قلبى وروحى وعقلى معاك
يا معلمنى الحب سامحنى ** غصْبن عنى القلب نداك
قاللى حبيبى وليه يخاصمنى ** أجمل شىء من عند الله
إنت البسمة بتسعد قلبى ** وأنت الجنة اللى فى دنياه
ويعبّر – أيضا – عن المرأة فى تقلبها بين الشك والظن فيقول:
الله يسامحك ياللى جبارة ف ظنونك
ياللى ظالمه القلب والشك ف عيونك
مهما كان الظُلم بيّن مش ح اخونك
أو أعاند قلبى وأرفض يوم أصونك
وفى زجله “حياتى” يقدم لنا ميثاق حياته بقوله:
حياتى كلها بسمة ** باحب الخير واحب الكل
وقلبى بالرضا عامر ** وأبيض من بياض الفل
يساع الكل ويسامح ** ولا يعرف ف يوم الغل
بطبعى هادى مطمّن ** ولا أرضى لعزيز الذل
أخد منى قوتى واديله ** وبإديا أجيب الحل
وعطفى ع اليتيم أكتر ** دا إبنى والحبيب والخِل
وأبويا فى بيته علمنى ** وقالى من كريم الوصل
تسامح قد ما تقدر ** ولا تصاحب قليل الأصل
وحافظ ع الصلاة تسلم ** دى رسمالك فى يوم الفصل
وناس ف الدنيا حاربونى ** حاولوا ف الجبل يختل
وباعوا العشرة وتأمروا ** وأفعالهم تفوق التل
عدالة ربى كات أكبر ** وباتوا فى العراء والطل
رحل البهنساوى بعد أن أتم عامه الحادى والسبعين، مورثاً لنا تجربة شعرية، وسيرة إنسانية عطرة، وقد جاءت تجربته مؤكدة لسيرته وعامرةَ بآياتِ الصدق والنبل والإبداع.