الاقتصاد اللبناني-السوري في مرمى “قيصر”: الحصار المطبق* عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
دخل قانون العقوبات الأميركي “قيصر”، الثلاثاء، حيز التنفيذ، وسط تصاعد المخاوف من حجم الآثار السلبية التي سيتركها على الإقتصاد اللبناني، وإن لم يكن لبنان معنياً بشكل مباشر بالعقوبات الأميركية، إلا أنه يقبع في عين عاصفة “قيصر” الأميركية.
مخاطر الترابط
تختلف التحليلات والتأويلات فيما يتعلّق بأثر قانون قيصر على الاقتصاد اللبناني. لكن يبقى من الثابت تلازم الاقتصادين اللبناني والسوري، وترابطهما على مختلف الصعد، خصوصاً بعد العام 2011 مع بداية الحرب السورية. وخير دليل على ترابط الاقتصادين بشكل وثيق تطرق التقارير الدولية، ومنها ما يعود إلى الأمم المتحدة والبنك الدولي، إلى انعكاس تراجع الناتج المحلي للاقتصاد السوري بشكل مباشرة على الناتج المحلي اللبناني. إذ أن تراجع الناتج السوري بنسبة 1 في المئة ينعكس تلقائياً تراجعاً بنسبة 0.20 في المئة في الناتج اللبناني.
وانطلاقاً من ترابط اقتصادَي البلدين، بات لزاماً على السلطات في لبنان من جهة وعلى مؤسسات القطاع الخاص من جهة أخرى، البحث وإعادة النظر بالكثير من العلاقات والتبادلات التي قد تشملها العقوبات الأميركية.
يستهدف قانون قيصر قطع أي إمدادات للنظام السوري، سواء كان من حكومات أو شركات أو أفراد. ويطال كل من ينخرط في معاملات مع النظام السوري ويوفر له الدعم المالي أو التقني أو التعاقد معه أو مع الحكومة السورية أو أي من المؤسسات الرسمية أو الكيانات السورية. ويطال كل شخص أو مؤسسة تبيع أو توفر سلعاً أو خدمات أو أي نوع من أنواع الدعم الاقتصادي والمالي للسلطة السورية. ويتوجه قانون العقوبات الأميركي بشكل مباشر وحاسم للبنك المركزي السوري، ولكل من يتعاون أو يرتبط بعلاقة ما مع المصرف المركزي.
الكهرباء والمقاولات
يرى البعض من خلال قراءته مفاعيل قانون العقوبات الأميركي على الاقتصاد اللبناني أن الأخير لن يتأثر بشكل كبير بقانون قيصر، وفق مصدر متابع للملف، خصوصاً أن القانون لا يطال المعاملات التجارية بين لبنان وسوريا ولا عبور الترانزيت، مستبعداً أن يتأثر لبنان سلباً بالعقوبات، باستثناء ملف الكهرباء. فمن المتوقع أن تضطر الحكومة اللبنانية إلى وقف استيراد الكهرباء من سوريا، نظراً لكون العلاقة تتركز مع مؤسسة الكهرباء الرسمية التابعة للحكومة السورية. في حين يحذّر البعض الآخر من مفاعيل القانون على الاقتصاد اللبناني، ما لم يتم تدارك الأمور ورسم آلية وحدود معينة للتعامل اقتصادياً بين البلدين. وقد صدق من وصف لبنان بـ”الخاصرة الرخوة لسوريا”. فالأخيرة تتخذ من لبنان ممراّ لمستورداتها منذ العام 2011 مع فرض حصار عليها، كما أن سوريا تشكّل في المقابل متنفّساً للبنان لجهة التصدير براً.
ويكاد يكون أسوأ مفاعيل قانون العقوبات الأميركي على لبنان، هو قطع الطريق أمام الشركات اللبنانية لدخول السوق السورية، للمشاركة في إعادة الإعمار وعقد شراكات استثمارية، وعرقلة تحضير الأرضية اللبنانية لاستقبال شركات أجنبية تنوي المشاركة في إعادة إعمار سوريا.
النظام المصرفي
أما الملفات الأكثر حساسية في الوقت الراهن والأكثر عرضة للتأثر بالعقوبات الأميركية، هو ملف القطاع المصرفي اللبناني ومساهماته في المصارف المتواجدة في سوريا، أي بنك عودة سوريا BASY، بنك بيبلوس سوريا BBS، بنك سوريا والمهجر BSO، فرنسبنك سوريا FSBS، بنك الشرق (تابع للبنك اللبناني الفرنسي) SHRQ وبنك سوريا والخليج SGB. وعلى الرغم من أن المصارف المذكورة لم تعد مصارف لبنانية منذ العام 2011، حين انفصلت عن مصارفها الأم في لبنان، وباتت سيولتها وميزانياتها ورساميلها غير مندمجة مع ميزانيات المصارف في لبنان، وباتت تُدار من قبل شركات خاصة ومجالس إدارة مستقلة، لكن مملوكة من عدد من المساهمين، بينهم المصارف اللبنانية، غير أنه لا بد للمصارف اللبنانية والسلطات النقدية أن تتعامل بحذر مع تلك المتواجدة في سوريا، لاسيما لجهة علاقتها بالبنك المركزي السوري المستهدف مباشرة من قبل قانون قيصر.
وبات على القطاع المصرفي اتخاذ أقصى الاحتياطات لجهة التعامل مع أموال المودعين السوريين في لبنان، والتدقيق في مدى ارتباطهم بعمليات تمويل أو دعم للسلطات السورية. كما بات من الملح على الشركات اللبنانية التي كانت تأمل العبور إلى السوق السورية من خلال مشاريع إعادة الإعمار، إعادة النظر في خططها المستقبلية تجنباً لوقوعها فريسة العقوبات الأميركية.