فضيحة في معهد الشرق للتعليم المهني اللبناني: هل تغلقه الوزارة؟

النشرة الدولية –

المدن –

فضيحة تربوية أكاديمية في أحد المعاهد الفنية الخاصة في منطقة البقاع الأوسط. تكشف الفضيحة عمق الإهمال الذي يتعرّض له طلاب وعموم سكان منطقة البقاع، وتجاهل حقوقهم البديهية المتمثّلة بالحصول على التعليم والطبابة.

وبعد أكثر من فضيحة طالت مستشفيات ومدارس في البقاع، جرى طمسها مراعاة لعائلات وأحزاب ومحسوبيات، يأتي الدور اليوم على طلاب معهد “الشرق” الكائن في زحلة، حيث تكشّفت فضيحة من العيار الثقيل، تمثّلت بعملية “احتيال” وغش قام بها المعهد ووقع ضحيتها عشرات الطلاب الذين حرموا من التقدّم للامتحانات الرسمية، وتالياً ضاع من أعمارهم عام كامل، والسبب “جهل وجشع” إدارة المعهد أولاً، وإهمال مسألة المراقبة والمتابعة من قبل المعنيين بالدرجة الثانية.

فضيحة في معهد الشرق للتعليم المهني: هل تغلقه الوزارة؟

معهد الشرق والإهمال

لطالما كان معهد “الشرق” مهملاً بحق طلابه لجهة عدم إتمام تدريسهم المناهج التعليمية، غير أنه في العام الدراسي الأخير 2021-2022 تجاوز كافة الخطوط الحمر مع طلابه، ففتح فروعاً وسجّل فيها طلاباً من دون أن يعيّن أساتذة، وعمد إلى تأجيل العام الدراسي أسبوعاً تلو الآخر حتى انتهى من دون أن يتلقى غالبية طلابه أي منهج في العديد من الاختصاصات. وأكثر من ذلك، فإن بعض الاختصاصات المهنية لم يفتحها على الإطلاق على الرغم من قبول عدد من الطلاب فيها. فاختصاص التربية المختصة على سبيل المثال لم يتلق طلابه أي محاضرة أو درس في معهد الشرق. كما لم يتم إطلاعهم على مواد الاختصاص. والسبب ببساطة أن لا اساتذة مختصين في المعهد.

وعند مطالبة الطلاب بفتح صفوفهم بداية العام الدراسي، وتصاعد المخاوف لديهم من رسوبهم في الامتحانات الرسمية، كان جواب مدير المعهد أن “لا خوف”، فكل شيء مؤمن والدروس سيتم تعويضها، عازياً سبب التأخير في إعطاء الدروس إلى استقدام معلّمين مختصين جدد إلى المعهد. وقد زوّدنا طلاب بتسجيلات للمدير يبرّر فيها تأخر الدروس بالسعي إلى إحضار المناهج من الدكوانة. وهو ما لم يحصل حتى اليوم. وادعاء المدير لم يكن صادقاً، فلا معلّمين ولا حتى اختصاصات في المعهد. أما طلاب اختصاص التربية المختصة وسواهم من الاختصاصات غير المتوفرة في المعهد، فكانت اسماؤهم تُرسل من دون علمهم إلى أحد معاهد جبل لبنان واسمه سيدر كرست أكاديمي CCA فيتم تسجيلهم فيه شكلياً.

مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية، وبعد تأخر وصول بطاقات الامتحانات لطلاب الشهادات في المعهد، علت صرخة الأهالي الذين تواصل بعضهم مع مدير معهد “الشرق”، محمود المولى، فلم يحصلوا على أجوبة مقنعة. وتذرّع المولى بأن البعض تقدموا بطلبات بوقت متأخر والبعض الآخر لم تصل اسماؤهم، نتيجة خطأ أو نقص بالأوراق وغير ذلك من الذرائع والحجج الواهية. أما حقيقة الأمر فهي أن الإدارة لم ترسل طلبات الطلاب إلى مديرية التعليم المهني ووزارة التربية، ولم يُصرّح عن الطلاب. وبالتالي، لم يعد بإمكانهم التقدّم للامتحانات الرسمية للدورة الحالية.

معهد على شاكلة “دكان”

مدير معهد “الشرق” محمود المولى لم يخيّب ظن طلاب المعهد فقط ويطيح بعامهم الدراسي، وإنما أطاح ايضاً بسمعة المعهد الذي يستثمر فيه شريك آخر، مغترب خارج البلد.

وحسب معلومات “المدن” فإن أكثر من طالب يتجه للادعاء أمام القضاء على مدير المعهد وشريكه، بتهمة غش الطلاب وإضاعة عامهم الدراسي، واختلاس أموال. فالطلاب سددوا أقساطهم للمعهد الخاص الذي تتراوح فيه الأقساط بين مليون و200 ألف ليرة للطلاب المنتسبين من دون حضور ومليونين و400 ألف ليرة للطلاب الحاضرين في الصفوف.

غش إدارة المعهد للطلاب لا يقتصر على عدم تعليمهم وتنسيبهم وعدم إرسال طلباتهم للوزارة، بل أيضاً غشهم بإعلانات المعهد “الوقحة” المنشورة على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعلن فيها عن توفر كافة الاختصاصات منها تربية حضانية، محاسبة، تمريض، علوم تربوية، إدارة وتسويق، كمبيوتر، لغات أجنبية، حلاقة وتزيين، مكياج وتجميل، حجز تذاكر سفر وغيرها للصفوف BP-BT-TS-TDS وليس هذا فحسب، بل يعلن أيضاً عن منح مادية ومساعدات مالية لكل طالب يتم تسجيله في المعهد.

يستغل المعهدُ الطلابَ وأهاليهم الراغبين في تعليم أولادهم في المنطقة، من دون أن يتكلّفوا مبالغ طائلة في المعاهد الخاصة، فمعهد الشرق بنظرهم ذات الأقساط المتواضعة يفي بالطلب، كما تستغل إدارة المعهد غياب عدد من الاختصاصات عن المعهد الفني الرسمي الكائن في المنطقة (في بدنايل). أما عن سبب غياب عدد من الاختصاصات عن معهد بدنايل الرسمي فليس سوى إهمال من قبل المراجع التربوية الرسمية، التي جعلت بشكل أو بآخر طلاب المنطقة ضحية احتيال معهد الشرق وربما سواه من المعاهد الخاصة التي تُدار على شاكلة “الدكاكين”.

شهادات طلاب

تقول والدة إحدى الطالبات في حديث لـ”المدن” أن ابنتها لا تعرف أسماء المواد باختصاصها، كما أن هناك مواداً ادعى المعهد أنها مطلوبة، تبيّن لاحقاً أنها غير مطلوبة ولا وجود لها على الإطلاق.

طالبة أخرى أكدت في حديث لـ”المدن” أنها قامت بالتسجيل في المعهد بداية العام الدراسي، قبل أن تضطر لنقل طلبها إلى معهد آخر، لتُفاجأ بأنها لم تكن منتسبة لمعهد الشرق إنما لمعهد آخر في ضاحية بيروت الجنوبية من دون علمها.

وغير هؤلاء العديد من الطلاب الذين عبّر أهاليهم عن امتعاضهم من طريقة تعامل معهد الشرق معهم على مدار العام الدراسي، ومن اختتام العام بعدم ترشيح أبنائهم للامتحانات الرسمية.

الملف بين أيدي الوزارة

بعد وصول عدد من الشكاوى إلى مكتب المديرة العامة للتعليم المهني والتقني هنادي برّي، عمدت إلى التحقق منها وتحويلها مرفقة بكتاب وتسجيلات من الطلاب إلى مكتب وزير التربية، مؤكدة في حديث لـ”المدن” متابعتها قضية طلاب معهد الشرق، الذين لا وجود لأسمائهم على الإطلاق في جداول الامتحانات. وعن مصير امتحانات عدد من طلاب المعهد قالت برّي “لا يمكننا ترشيح طلاب غير مسجلين على الإطلاق، فطلبات الترشيح واللوائح الإسمية نأخذها من المعهد نفسه وطلاب هذا المعهد غير مسجلين”، لافتة إلى أن القضية قد تفضي إلى إقالة المدير أو ربما إلى إغلاق المعهد كلياً وفقاً لمجرى التحقيقات التي ستتم بالقضية.

مدير المعهد “مسؤول”!

مدير المعهد محمود المولى يبقى المسؤول الأول والأخير عن عدم ترشّح الطلاب مهما كانت الاسباب المرتبطة بهم. لكنه وحسب ما ادعى في حديثه إلى “المدن” فهناك أسباب عديدة لعدم حصولهم على طلبات ترشيح، منها ما هو مرتبط بنقص المستندات ومنها مرتبط بتأخر تقديمهم طلباتهم وأسباب أخرى. ولا نبرئ المولى من المسؤولية. فمهما كانت الاسباب يبقى على المعهد متابعة التقدم بطلبات الترشح.

أما عن الاتهامات التي وجّهها له الطلاب، لجهة عدم تلقيهم أي حصص دراسية في بعض الاختصاصات فأنكرها، مدّعياً تفاني المعهد بتعليم الطلاب وتطويرهم. الأمر الذي أثار حفيظة إحدى الموظفات التي سبق لها أن عملت في المعهد، وتتحفظ عن ذكر اسمها، فناشدت عبر “المدن” مديرية التعليم المهني والتقني بالقول “افتحوا تحقيقاً بكيفية إدارة معهد الشرق وأغلقوا هذا الدكان”.

زر الذهاب إلى الأعلى