المسيطرون على اقتصاد العالم يضيعون فرصة وقف وباء كورونا* مصطفى البرغوثي

النشرة الدولية –

يشهد العالم، وخصوصا بلدان كالولايات المتحدة والبرازيل وبعض دول أميركا اللاتينية، وأخيرا فلسطين، تصاعدا حادا في عدد الإصابات بوباء كورونا، وقد كان التسرع غير المنظم في إنهاء الإغلاق، دون إقناع الناس بضرورة اتباع سبل الوقاية السبب الرئيس لهذا التصاعد الحاد.

وظن الكثيرون أن الوباء انتهى، وظن بعضهم أن كل قصة كورونا مجرد مؤامرة دون أن يلتفتوا إلى حقيقة أن ما يقرب من نصف مليون إنسان فقدوا حياتهم بسببه، وأن عدد الإصابات يقترب بسرعة من رقم تسعة ملايين إنسان، وفعليا فقد بدأت الموجة الثانية للوباء أبكر بكثير من الموعد الذي افترضه الخبراء في سبتمبر أو أكتوبر القادم.

فشلت حكومات العالم والمسيطرون على اقتصاده مرة ثانية في اتباع الخطوات التي كان بإمكانها محاصرة الوباء، وهي إجراء الفحص لكل السكان دون استثناء وعزل المصابين، والاستثمار المكثف لإيجاد تطعيم مضاد وآمن للفيروس، والتعاون فيما بينها من خلال إطار عالمي موحد يقاوم الوباء على مستوى الكرة الأرضية وليس بشكل منفرد في كل بلد.

وإذا كانت صدمة المفاجأة وعدم استعداد العالم وفشله في الاستثمار الكافي في الصحة والبحث العلمي، تبرر عدم اتخاذ هذه الإجراءات في مارس الماضي، فلم يعد هناك مبرر للتقاعس عن القيام بها بعد أربعة شهور على انفلات هذه الكارثة العالمية.

لقد جعل الاقتصاد الرأسمالي والعولمة الكرة الأرضية قرية واحدة، متصلة، ولكن يسودها تمييز صارخ بين الأغنياء والفقراء، وبين من يملكون ومن لا يملكون.

جائحة الكورونا ضربت الجميع دون استثناء، وإن كانت معاناة المهمشين والمحرومين أكبر، والفشل العالمي الحالي في مواجهة الوباء يؤكد أن الحكومات والبشر لا يستطيعون أن يقرروا انتقائيا متى يكونوا عالما واحدا، ومتى يتعاملون كدول ودويلات منفصلة لكل دولة سياستها الخاصة في التعامل مع الوباء.

ولا يمكن أن يكون العالم مفتوحا على مصراعيه لحركة رأس المال والتجارة العالمية والاستثمار والتصدير، ولكنه يصبح محكوما بالنزعات القومية والمحلية عند مواجهة وباء عالمي خطير كالكورونا، ولا يمكن تنفيذ الخطوات الثلاث بنجاح، تقديم الفحص لكل الناس دون تمييز، وإيجاد تطعيم فعال وآمن بشكل سريع، وإدارة مكافحة الوباء على مستوى العالم بأكمله، إن لم يتم التخطيط والتنفيذ بشكل جماعي وفي إطار عالمي مشترك كمنظمة الصحة العالمية.

في فلسطين كنا، وما زلنا، ضحية الاحتلال الإسرائيلي، وما إن تصاعدت الإصابات في إسرائيل، مع فتح الأبواب على مصراعيها لتنقل العمال الذين تستغلهم إسرائيل، حتى تصاعدت الإصابات لدينا يوميا بصورة لم يسبق لها مثيل منذ بدء جائحة كورونا، ورغم أن فلسطين تميزت بين كل دول العالم بسيطرتها الناجحة على الوباء في المرحلة الأولى، وما زالت الأفضل من حيث نسبة الوفيات، فإنه لم يسبق أن وصلت الإصابات عندنا إلى أكثر من سبعين حالة في يوم واحد، وساعد في ذلك عدم اتباع إجراءات الوقاية كارتداء الكمامات والتباعد الجسدي بعد إنهاء الإغلاق، بل ساد شعور خاطئ بأن الوباء انتهى، وربما زاد حدته عدم إجراء فحوصات كافية لاكتشاف الحالات الكامنة.

نحن لا نحتمل أن تواصل الإصابات الارتفاع، ولا نحتمل أن يكون لدينا عدد كبير ممن يحتاجون العناية المكثفة في المستشفيات، ولذلك يجب إيقاظ وعي الجمهور بأهمية الوقاية، ولا بد من فرض الالتزام بارتداء الكمامات والتباعد الجسدي، وإغلاق قاعات وصالات الاحتفالات، وإعادة فرض الرقابة على الاحتكاك بالجانب الإسرائيلي، ولا بد من استخدام سبل الوقاية، حتى نستطيع أن نواجه بكل قوتنا مخطط الضم والتهويد الإسرائيلي، الذي يحاول أن يستغل أزمة كورونا لتمرير أخطر مؤامرة تعرض لها الشعب الفلسطيني.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button