تحليل.. كابوس أسعار النفط المنخفضة يطارد المنتجين

النشرة الدولية –

عاش مراقبو أسعار النفط أيام حافلة مؤخراً، حيث كانت شاهدة على إعلان تطورات عديدة بشأن التوقعات المستقبلية.

 

وفي البداية، خفضت شركة “بي.بي” توقعاتها لأسعار النفط على المدى الطويل إلى 55 دولاراً للبرميل من خام برنت.

 

وبعد ذلك، توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يبلغ سعر خام برنت في المتوسط 37 دولاراً للبرميل في النصف الثاني من هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 48 دولاراً للبرميل في عام 2021.

 

ويُعد ما سبق بمثابة أنباء سيئة على المدى الطويل وكذلك سلبية على الجانب قصير المدى، وفقاً لتقرير نشره موقع “أويل برايس” للكاتبة المتخصصة في النفط والطاقة “إيرينا سلاف”.

 

ومن الجدير بالملاحظة أن نوضح حقيقة أن كل توقع بشأن أسعار النفط لا يخرج عن نطاق التكهنات.

 

ومن غير المعروف بالنسبة لأيّ شخص إلى أين ستصل أسعار النفط في غضون عام ناهيك عن ثلاثة عقود.

 

كما أن الرئيس التنفيذي لشركة “بي.بي” أوضح بنفسه هذه الملاحظة في العديد من المقابلات الصحفية.

 

ومع ذلك، تظل توقعات أسعار النفط قائمة على النماذج الحالية للطلب والمعروض، وعلى التنبؤات حول كيف ستتغير هذه الأنماط بمرور فترة زمنية معينة.

 

وإذا تحققت هذه التوقعات الأخيرة، فإن المنتجين ذوي التكاليف المرتفعة أمامهم الكثير من العمل.

 

ولم يكن نموذج المعروض والطلب بالنسبة للنفط في عام 2019 يتسم بالتفاؤل بشكل خاص، طبقاً لشركة “بي.بي”.

 

وكان هذا التصور قبل اندلاع حرب أسعار النفط في مارس/آذار الماضي وقبل تفشي وباء “كوفيد-19″، مما أدى إلى انهيار الطلب على الخام.

 

وفي العام الماضي نما استهلاك النفط عالمياً بنحو 900 ألف برميل يومياً فقط، كما قالت “بي.بي”.

 

ومن جهة أخرى، تراجعت إمدادات النفط بوتيرة معتدلة بلغت 60 ألف برميل يومياً، بسبب – وهذا تفسير هام – أن النمو القوي في إنتاج الولايات المتحدة عوض انخفاض يتجاوز مليوني برميل يومياً في إنتاج الدول الأعضاء في أوبك.

 

وفي الحقيقة، فإن هذا النفط الصخري في الولايات المتحدة أضر بأعمال منظمة الدول المصدرة للخام، بالنظر إلى هيمنته على الكثير من الطلب المرتفع في غضون الأعوام القليلة الماضية على حساب أعضاء أوبك الذين يعتمد أغلبهم على إيراداتهم من النفط لتحقيق التوازن المالي.

 

وفي واقع الأمر، فإنه طبقاً للبيانات التي نشرها كبير محللي السلع والطاقة في وكالة رويترز “جون كيمب”، استحوذ المنتجين الأمريكيين على معظم هذا الطلب الجديد.

 

وذكر “كيمب” أن إنتاج النفط الأمريكي كان ينمو بوتيرة أسرع كثيراً من الاستهلاك.

 

وتابع: “نتيجة لذلك، استحوذ المنتجين الأمريكيين للخام على ما بين ثلثي إلى ثلاثة أرباع إجمالي نمو استهلاك النفط العالمي على مدى السنوات العشر الماضية، مما يترك قليلاً من المساحة أمام الدول الأخرى”.

 

لكن النفط الصخري الأمريكي يشهد الآن حالة من الفوضى؛ بسبب الصدمة المزدوجة من حرب الأسعار بين السعودية وروسيا ومن وباء كورونا.

 

وبشكل متزايد، أصبحت البنوك غير راغبة في الإقراض على أساس مدعوم من الاحتياطي النفطي كونها تخشى الخسائر، وبدلاً من ذلك تقلص إمكانية وصول منتجي الخام الصخري للسيولة النقدية المطلوبة بشدة، بحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” هذا الأسبوع.

 

وتتزايد حالات الإفلاس، مع حقيقة أن الضحية الأخيرة للأزمة كانت “تشيسابيك”، وهي أحد كبار منتجي النفط الصخري وأكبر اللاعبين المستقلين في هذا المجال.

 

وباختصار، يواجه النفط الصخري الأمريكي مأزقاً، وهو ما يعتبر خبراً جيداً بالنسبة للمنتجين ذوي التكلفة المنخفضة في منطقة الخليج.

 

وفي العادة، يكون الخفض الإجباري في إنتاج النفط الصخري الأمريكي كافياً لتعافي الأسعار إلى مستويات من شأنها السماح لاقتصادات دول الخليج بتحقيق التوازن في موازناتها.

 

ويمثل هذا التعادل قضية هامة بالنسبة لاقتصادات الخليج، وليس تكاليف الإنتاج والتي تكون منخفضة بشكل ملحوظ في السعودية.

 

وبالنسبة تكاليف الإنتاج المنخفضة تلك، تحتاج الرياض أن يكون سعر برميل خام برنت يقف عند 78.30 دولار لتحقيق التوازن في الموازنة وأن يسجل 58.10 دولار لموازنة حسابها الجاري.

 

ولا تختلف الأمور كثيراً بالنسبة إلى جيرانها في الخليج.

 

بيد أن هذه الأسعار والتكاليف تنطبق على الحالة العادية، وفي الحقيقة فإن سوق النفط في الوقت الحالي قد يكون أيّ شيء آخر سوى أن يكون بمثل هذه النمطية.

 

والآن، تعاني شركات النفط الوطنية – ومنتجي النفط الصخري الأمريكي – من ركود غير مسبوق في الطلب على الخام.

 

وقاد هذا الركود في الطلب توقعات أن تظل أسعار النفط منخفضة لفترة أطول، وتوقعات أن الطلب قد لا يتعافى أبداً إلى مستويات ما قبل الأزمة.

 

ويوجد كذلك شيئاً آخر، كما أشار إليه “كيمب” في التقرير المنشور خلال هذا الأسبوع.

 

وقال: “الإنتاج الأمريكي نما بشكل أسرع من الإمدادات التي تم ضخها في بقية دول العالم ومن الاستهلاك العالمي في كل عام منذ 2009 باستثناء عام 2016”.

 

وتابع: “لقد نما بوتيرة أسرع كلما بلغت أسعار خام برنت في المتوسط 64 دولاراً أو أكثر بالقيمة الحقيقة (مع استبعاد أثر التضخم)، مع استثناء وحيد مجدداً وهو عام 2016، عندما بلغ متوسط السعر 47 دولاراً فقط وتراجع إنتاج النفط الأمريكي”.

 

ومرة أخرى، يقف المنتجون ذوي التكلفة المرتفعة بين مطرقة الحاجة لأسعار أعلى من أجل تحقيق التوازن في موازناتهم، وبين سندان السماح لشركات التنقيب الأمريكية الخاصة ذو التكلفة المنخفضة بسرقة المزيد من حصة السوق التي اعتبروها بمثابة أمر مسلم به لعقود نتيجة هذه الأسعار المرتفعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى