” النورس الساحر” غادر الخلان وتركهم للأحزان ..!!
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
ندرة من اللاعبين يسكنون الذاكرة ولا يغادرونها، ويستقرون في أعماقها مدى الدهر ، إنهم من يصنعون الفرح ويزرعون البسمة على الشفاة وفي القلوب، فنعشق رؤيتهم ونتسابق لمشاهدتهم فتسعدنا سعادتهم ونتألم لحزنهم وتتناثر الدموع لفراقهم، هؤلاء من يشاركونا في القلب فتصبح لهم مساحة واسعة في العقل، هم قلة لكنهم يملؤون الكون بالفرح، هذا هو أحمد راضي نجم الكرة العراقية وصانع الأمجاد العربية واللاعب الفنان صديق الشباك ونجم الشُباك، الذي رحل وترك في قلوب عشاقه ألف لوعة ولوعة.
ودوماً يحظى هؤلاء أصحاب الخُلق الرفيع بالمحبة والاحترام سواءً أكانوا في الملاعب أو غادروها، ونجد في مقدمتهم نجم العراق الخلوق أحمد راضي الذي انتقل إلى جوار ربة في شهر الحزن بسبب وفاة العديد من رموز الملاعب والإعلام، لكن وللحق الحزن على صانع المطر نورس العراق الطائر صوب القلوب كان كبيرا وعظيماً بحجم ما قدم من متعة لعشاق العراق والعرب، وجاءت مغادرته دون موعد وبلا وداع فلم يكن الوقت كافياً لأحبابه لوداعة وإلقاء النظرة الأخيرة على ذاك الوجه المشرق ضياءً المبتسم دوماً.
أحمد راضي غادر وسط حزن عارم لكن نجمه لم يختفي بل تحول إلى نجم أكبر في قلوب محبيه عشاق اللعب الأنيق، كيف لا وراضي سيد الأناقة في الملاعب العراقية والعربية وخارجها، فكان أكثرهم تواضعاً فصفق له العرب كلاعباً متألق من المحيط للخليج، وكان قوميا عربياً متفوق وتلميذ نجيب في مدرسة الكرامة العراقية، ليغادرنا بجسده ولتبقى ذكراه العطرة تجوب الأفاق.
صديق الشباك والحراس
جمعت الصداقة الحميمة بين أحمد راضي رحمه الله وشباك المرمى التي طربت لأهدافه الجميلة، كما ارتقت صداقته مع الحراس والمدافعين فكرة القدم عند راضي كانت طريق الحب والصداقة، ولم يقوى أعظم المدافعين عن إيقافه في الملاعب فهد الشباك بغزارة حتى وصلت أهدافه إلى “٤٥٩” هدفاً ، ولم يقوى معارضوه سياسياً في وقف طموحه ليصبح عضواً في مجلس الشعب العراقي، وكان صاحب هدف العراق في نهائيات كأس العالم، كما حصد العديد من البطولات بعد أن لعب لأندية الزوراء والكرخ العراقيين والوكرة القطري، فنال لقب بطولة الدوري العراقي “٥” وكأس العراق في “٧” مناسبات، وتأهل لنهائيات كاس العالم مرة واحدة وإلى الأولمبياد مرتين وظفر بكأس الخليج مرتين.
راضي وحد الأمة ..!!
دروس الحياة لا تتوقف وعلى الأحياء أن يُكثروا من التعلم والمعرفة، فصدق الشاعر فخري البارودي حين قال :
بلادُ العُربِ أوطـــــــــــــــاني مــــنَ الشّـــــــــــــامِ لبغدان
ومن نجدٍ إلى يَمَــــــــــــــــنٍ إلى مِصــــــــــــــرَ فتطوانِ
نعم فكل البلاد بلادنا وكل العرب إخواننا، وفرحنا واحد وحزننا واحد وألمنا ذات الوجع، فقد أفشل راضي الإستعمار وجعل أحلامه في معب الريح بعد أن ترحم على راضي فدعا له بالحرمة كثر من ربع مليار عربي، ليثبت للجميع ان الحال العربي واحد حتى إن إختلفت الحكومات، فترحمت الأمة على العراقي أحمد راضي ذاك الرجل التقي الأنيق الذي كان نبراساً في المحبة والأخوة العربية.
برحيله كما في حياته نهض الجميع على أقدامهم ليودعوه اليوم بالدعاء بدلا من الوقوف للتصفيق لإبداعاته حياً، فأحمد راضي وحد الأمة العربية وأثبت للقاصي والداني بأن وجعنا وألمنا واحد ، فكما أحبه العرب حياً ترحموا عليه ميتاً ولم تخلو دولة عربية من الحزن على فراقه، وهذا دليل على أن أمتنا واحدة تُعاني ذات الألم والحزن فتحزن القاهرة على جرح بغداد وتُسارع عمان لتضميد جرحها وتتكأ دمشق على جراحها لتقول لها “ننزف ذات الدم ونعيش ذات الحزن”، فتنادي تونس من بعيد “جرحنا واحد”، فتهتف الرباط “عظم الله أجركم”، فتجيب الرياض “شكر الله سعيكم”، فترد الكويت “همنا واحد ” لتقبل المنامة وبيروت والدوحة والجزائر وطرابلس جبين بغداد، فيأتي ضوء من الغرب حيث القدس فيعانق بيوت العراق وثراها هامساً في قلبها قبل أذنها “كلنا في الهم شرق”.
لقد أسقطت أيها النورس الطائر برسائل القومية حلم الإستعمار بتقسيم الأمة التي ترحمت على إبن من أبنائها، وأثبت للعالم أن البيت العربي واحد لا يسقط عموده بل يرتقي صوب السماء لأن وحدتنا وأخوتنا جاءت بوحي من السماء، فكما توجعت الأمة يوم جرح بغداد تتوجع اليوم لفراق إبنها صانع الإبتسامات.