أعداء ترامب الجدد… منظمات الأمم المتحدة* حمزة عليان

النشرة الدولية –

أحدث “عدو” لإدارة ترامب في حروبه المدمرة ضد منظمات الأمم المتحدة، المحكمة الجنائية الدولية، فقد أضاف إلى سجله التاريخي إنجازات لم يسبقه إليها رئيس أميركي من قبل، وهو تكسير وتحطيم هيئات دولية لمجرد أنها خرجت عن طوعه، يخوض معها معارك من نوع آخر: نحن نمولكم وعليكم الاستجابة لشروطنا ومصالحنا وإلا سنحرمكم من هذا التمويل الذي يفوق تمويل أي دولة أخرى في العالم!

 

“الجريمة” كما صورتها عقلية هذا “الجمهوري” أنها تجرأت على فتح تحقيق في “جرائم حرب محتملة” ارتكبها الجنود الأميركيون في أفغانستان، وبالتالي سارع إلى إصدار قرار بفرض عقوبات على مجموعة من قضاة المحكمة وعائلاتهم بهدف ترهيبهم. جملة واحدة تختصر المرافعة من وجهة نظر واشنطن: “ممنوع المساس بكرامة جنودنا والاقتراب منهم، فهؤلاء فوق القانون الدولي”.

 

قد يتفهم المراقب أن العقوبات التي تلجأ إليها واشنطن في عهد ترامب عندما تتعلق بدولة عظمى أو صغرى تشكل تهديداً لمصالحها، فهذا النوع من الحروب والعقوبات بات شائعاً، لكن هذه الخطوة تأتي استمراراً لنهج اختطه المستر ترامب وتطبع بعقلية الاستئثار “قرار” نحن أو لا أحد! وسبق ذلك سيل من التراجعات عن اتفاقيات دولية، سحبت أميركا اعترافها بها أو أوقفت مساهماتها المالية لها.

 

في باريس أسقطت اتفاقية المناخ الدولية، وكان من شأن ذلك تعطيل العمل بتخفيف نسبة التلوث التي تسببت بها المصانع الأميركية! صار ينظر إليه باعتباره منتهك الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما حصل عندما تراجع ونسف اتفاق “نافتا” للتجارة الحرة في أميركا الشمالية.

 

المفارقة أن المحكمة الجنائية الدولية ولدت في مناخ دولي غداة انهيار الاتحاد السوفياتي بهدف الاقتصاص من مجرمي الحرب ضد الإنسانية في البلدان التي تتهرب عادة من إجراء المحاكمات فيها، كما تفعل إسرائيل ويوغسلافيا وغيرها من الدول “المارقة”.

 

رؤية ترامب تقوم على أن بلاده تُستغل وتتحمل العبء الأكبر نيابة عن دول عظمى أخرى بتمويل منظمات الأمم المتحدة، وانسحب الأمر على حلف شمال الأطلسي وأحدث قراراته سحب قوات أميركية من ألمانيا بحجة أنها ودولا أوروبية وآسيوية لا تدفع ما يجب عليها من نفقات مالية.

 

ترامب، المعجب بالحكام المستبدين! لديه تصور أن شراكته مع حلفائه تسير باتجاه واحد، وعليه قلب الطاولة على رأس الجميع، ادفعوا ما يجب عليكم أولاً ثم اطلبوا منا الحماية، وإلا سيسقط المعبد على رؤوس أصحابه! يريد أن يقول للعالم: إذا سحبت أميركا يدها من هذا الحلف أو تلك المنظمة فلن يكون بمقدورهما الاستمرار.

 

لنرَ ماذا فعل بمنظمة الصحة العالمية التي “خسف” بها الأرض في وقت الشدة وهي تواجه أخطر وباء عالمي، قال إنها صارت دمية بيد الصين وعليه سنقاطعها وننهي علاقتنا بها! سبعة آلاف موظف في العالم يعتاشون من ورائها ويعملون فيها، يعيشون على التبرعات، تحول وضعهم إلى مأزق كبير لا يدرون ماذا يفعلون.

 

قد يكون “قرارا مجنونا” لكنه مضى به إلى الآخر بحجة أنها “انحازت” إلى الصين وضللت العالم بشأن انتشار الفيروس! قائمة المنظمات التي تعرضت للعقاب على يد ترامب تطول ولا تنتهي، تبدأ من معركته ضد “اليونيسكو” ثم “الأونروا” و”قوات حفظ السلام”.

 

يبدو أن الصراع على الفائز الأول بقيادة العالم ينسحب على حرب ترامب ضد منظمات الأمم المتحدة، بل على من يقود تلك المنظمات التي تتصارع فيها الصين والأوروبيين على مقاعدها، بعدما استحوذت بكين على قيادة خمس وكالات دولية من أصل 15 وكالة!

 

البعض يعتقد أنه إذا انسحبت أميركا من تلك المنظمات أو من الأمم المتحدة فقد تتعرض للانهيار، وهو ما يستدعي “التوافق” بين رأس التنين ورأس ترامب، بكيفية تأمين استمرارية وحماية الهيئة الدولية بكل منظماتها، وجعلها خارج إطار التجاذب القاتل الذي يوصلها إلى اتخاذ قرارات وتوصيات بلا أنياب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى