لماذا تخشى أوروبا عمليات الاستحواذ الصينية بعد أن تسببت أزمة كورونا بانخفاض أسعار الأسهم؟
النشرة الدولية –
في الشهور التالية للأزمة المالية العالمية الأخيرة والتي اندلعت في الولايات المتحدة على إثر انهيار القطاع العقاري في عام 2008، قامت الشركات الصينية بتنفيذ سلسلة من عمليات الاستحواذ على كثير من الشركات الغربية العاملة في قطاعات حيوية، وهو السيناريو الذي ترغب في تجنبه الآن كل من الولايات المتحدة وأوروبا مع استعدادهما للدخول في حالة الركود الناتجة عن فيروس كورونا.
فمنذ ظهوره قبل ستة أشهر في الصين، تسبب فيروس كورونا المستجد في حالة من حالات الشلل لكل أشكال النشاط الاقتصادي في كثير من دول العالم، وهو ما أدى إلى انهيار أسعار الأصول العالمية، وخوفًا من الصين، بدأت المؤسسات الأوروبية في تحذير أعضائها من خطر التهاون في تعزيز دفاعات الشركات في مواجهة عمليات الاستيلاء والاستحواذ المحتملة من قبل بكين.
ففي اجتماع عقده في أبريل الماضي مع وزراء الدفاع قال نائب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ميرتشا جيوانا” إن بعض البلدان الأوروبية مُعرّضة لخطر فقدان ما أسماها “جوهرة التاج” في إشارة إلى الصناعات الاستراتيجية والحساسة. وأضاف “جيوانا” أن على الأوروبيين المسارعة لتحديد الصناعات الحيوية واتخاذ ما يلزم للحيلولة دون فقدانها.
أما رئيسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي “مارجريت فيستاجر” فكانت تحذيراتها أكثر وضوحًا، حيث أشارت في حديثها لـ”فاينانشيال تايمز” إلى أنه يتعين على الحكومات الأوروبية شراء حصص في شركاتها العاملة بالقطاعات الاستراتيجية المهمة لقطع الطريق أمام عمليات الاستحواذ الصينية.
والأوروبيون ليسوا وحدهم مَن يخشون عمليات الاستحواذ الصينية المحتملة، فقبل ما يقرب من شهرين أعلنت وزارة التجارة الهندية أن أي استثمار أجنبي مباشر من قبل الدول التي تشترك في حدود برية مع الهند – بما في ذلك الصين – لن يمر قبل موافقة الحكومة عليه.
وجاءت هذه الخطوة على خلفية قيام بنك الشعب الصيني بزيادة حصته في بنك “إتش دي إف سي” الهندي إلى أكثر من 1% (ما يعادل 17.5 مليون سهم) خلال الربع الأول من العام الحالي. وفي الوقت ذاته، شددت أستراليا القيود المفروضة على عمليات الاستحواذ على الشركات المحلية من قبل الأجانب من أجل حماية “مصلحة أستراليا الوطنية”.
في أعقاب أزمة ديون منطقة اليورو التي اندلعت في عام 2010 قامت الشركات الصينية بالاستحواذ على حصص مسيطرة في عدد من مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية وشركات التعدين في الدول الأوروبية وخاصة في تلك التي تضررت بشدة من أزمة 2008 كالبرتغال وإسبانيا واليونان.
أغلب هذه المشاريع والشركات تم شراؤها بثمن بخس؛ بسبب المصاعب الاقتصادية التي كانت تعاني منها أوروبا في ذلك الوقت والتي أثرت سلبًا على أسعار الأصول، وفي محاولة للوقوف على قدميها اضطرت بعض الدول للتخلي عن أصول استراتيجية لمشترين أجانب كان في مقدمتهم الصينيون.
على سبيل المثال، في عام 2016 استحوذت “كوسكو شيبينج بورتس” المملوكة للحكومة الصينية على حصة مسيطرة في ميناء بيرايوس والذي يعد أكبر موانئ اليونان، ومنذ ذلك الحين سيطرت “كوسكو” على 3 موانئ في بلجيكا وإسبانيا، بالإضافة إلى استحواذها على حصص كبيرة في 10 موانئ أخرى في جميع أنحاء أوروبا.
وفي خلال السنوات الثماني الممتدة بين عامي 2008 و2016 ازداد الاستثمار المباشر من قبل الصين في أوروبا بنحو 50 مرة، ليرتفع من 840 مليون دولار فقط إلى أكثر من 42 مليار دولار، وذلك وفقًا لبيانات شركة الأبحاث الأمريكية “روديوم جروب”.
ولطالما كانت الشركات الأوروبية هدفًا للمنافسين في الصين، لكن الانكماش الاقتصادي الحاد الناتج عن أزمة كورونا الحالية تسبب في انخفاض أسعار الأسهم في جميع أنحاء القارة وهو ما يزيد من جاذبية هذه الشركات بالنسبة للصينيين الذي يتحينون الفرص من أجل وضع أيديهم على الصناعات الأوروبية الاستراتيجية.
توقع كثير من الخبراء أن تؤدي المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد الصيني مؤخرًا إثر تفشي فيروس كورونا إلى تقليل شهيته تجاه عمليات الاستحواذ على الأصول الأجنبية لفترة من الوقت، غير أن البيانات تشير إلى العكس.
فوفقًا لبيانات شركة “جلوبال داتا” قامت الشركات الصينية بنحو 57 صفقة اندماج واستحواذ خارجية خلال الفترة ما بين شهري يناير وأبريل من العام الجاري بقيمة إجمالية تقترب من 9.9 مليار دولار. وشملت الوجهات الرئيسية لهذه الصفقات كلاً من هونج كونج والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا والهند.
ومن جانبها، ذكرت “بلومبرج” نقلًا عن مصادر لم تسمها، أن كثيرًا من البنوك الاستثمارية شهدت مؤخرًا ارتفاعًا في عدد الطلبات المقدمة من قبل الشركات والصناديق الصينية بشأن عمليات استحواذ محتملة على شركات محددة في أوروبا، وأوضحت أن أغلب هذه الشركات والصناديق مملوك للحكومة الصينية.
هذه التحركات هي ما دفعت دولاً مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا إلى تشديد القواعد التنظيمية في الشهور الأخيرة بغرض حماية شركاتها المحلية من عمليات الاستحواذ الأجنبية، وبالأخص الصينية منها، وذلك نظرًا لأن غالبية الشركات الكبرى في الصين مملوكة للدولة، وهو ما يجعل استثماراتها تشكل تهديدًا محتملًا وخطوة ذات دوافع سياسية.
وفي هذا الإطار، قال زعيم أكبر تحالف سياسي في الاتحاد الأوروبي “مانفريد ويبر” إنه يتعين على دول الاتحاد فرض حظر مؤقت على عمليات الاستحواذ الصينية على الشركات الأوروبية التي انخفضت قيمتها بسبب ما تعانيه من مشاكل حاليًا على خلفية أزمة كورونا.
وما يزيد من خوف الأوروبيين هو حقيقة أن الصينيين لا يركزون سوى على الشركات التي تعمل بالقطاعات الاستراتيجية كالسيارات والطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، فعلى سبيل المثال، يقوم حاليًا صندوق الاستثمار التابع للحكومة الصينية “سي إن آي سي كروب” بدراسة إمكانية الاستحواذ على 10% من أسهم شركة “جرينكو جروب”، وهي واحدة من أكبر شركات الطاقة المتجددة في الهند.
يبلغ حاليًا إجمالي الاستثمارات الصينية في أوروبا نحو 350 مليار دولار، وهو المبلغ الذي تمكنت من خلاله الصين الاستحواذ على أكثر من 350 شركة أوروبية على مدار السنوات العشر الماضية، وتبقى هذه الأرقام مرشحة للزيادة بشدة خلال الفترة المقبلة إذا ما اختار الصينيون تعزيز قبضتهم على الصناعات الاستراتيجية مستفيدين من الانخفاض الحالي لأسعار الأصول، وذلك بشرط عدم قيام الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات استثنائية تحول دون تحقيق الصين لمساعيها.