الجدالات المتضاربة حول التدخين…من الخاسر ومن الرابح؟* الاميرة دينا مرعد

النشرة الدولية –

الكثير منا لا يعرف كيف ومتى دخلت السيجارة في حياتنا، ولكن عند التساؤل والقليل من التفكير نكتشف انها باتت موجودة في حياتنا بشكل دائم، تدور حولنا بصمت مثل الثعلب الماكر منتظرة الوقت المناسب لتصطاد فريسة جديدة. فمنذ الطفولة رأينا السجائر معززة ومكرمة على الصواني الفضية جاهزة للتقديم، ورأينا أحب وأعز من هم علينا يجلسون وينفثون الدخان كل يوم، من الجدة مرورا بالأهل وثم الأقارب والأصدقاء. ووجدنا السيجارة في كل مكان أينما التفتنا وتواجدنا، من السوبرماركت الى الدكانة الصغيرة خارج مدرستنا. ُفبدون قول أي كلمة، تعزز لدينا أن التدخين شيء طبيعي ومقبول. ومرت الأيام وكبرنا وباتت الرجولة تعلن عند تدخين أول سيجارة وبذلك نشأ جيل كامل تحت غيوم سوداء مدمن على الدخان.

ومع كل سيجارة كبرت أيضا شركات التدخين وظهرت أخرى جديدة في سوق مفرق يتنافس فيه المال على حساب الصحة وتضخمت ميزانياتها بشكل فاق ميزانيات دول بأكملها. وإذا عملت بحثاً بسيطاً على محرك البحث الإلكتروني «غوغل»، تجد أن راتب المدير العام لهذه الشركات العالمية يفوق الخمسة ملايين دولار. وهذا الراتب المعلن، ناهيك عن المكافآت المالية الأخرى.

أنا على قناعة أن هذا المقال سيزعج بعض الناس، وسيطلق عنان الحوار وسيرفع حدة الجدل والانقسام في الآراء ما بين الذين «مع» أو «ضد» التدخين. فجماعة ال «مع» سيرفعون راية «الحرية الشخصية» أو «الخوف على الاقتصاد الأردني “أو يناشدون ب»اتركوا لنا شيئاً ننفس من خلاله همومنا». بينما جماعة «الضد» يطالبون حقهم في حماية أنفسهم وأطفالهم وحقهم الأسمى في «تنفس هواء نقي».

ويشتد الجدل ويحتد النقاش وتتعالى الأصوات وكأن المعركة هي بيننا نحن! بينما الخصم الصحيح والمعني خارج كليا من الحلبة؛ بل وربما يتواجد في أفخم فندق في إحدى الجزر السياحية الجميلة، مستلقياً تحت الشمس، يتذوق طعاما شهيا وربما يلعب الرياضة للحفاظ على صحته وإطلالته. نعم، هذا الخصم الحقيقي؛ فهو ينوي ألا يدخن، ولكن ينوي ويسعى بعزم بأن تظل السيجارة مشتعلة من فم لآخر دون توقف، وكأنها الشعلة الأولمبية المقدسة؛ الى أن تكتسح العدد الأكبر من الرئات وتبصمهم بالحبر الأسود كعلامة انتصار ملوثة بالشحار وبتحدي «ها أنا هنا وهذه رئتي لأبد الآبدين»… وإلا، من سيدفع فاتورة الفندق والقصر الجميل والطائرة الخاصة و و و…!

نعم، فالموضوع، أولا وآخرا، هو عبارة عن تجارة ضخمة لشركات التدخين العالمية. وهذه التجارة مربحة وسهلة جدا، فليس لها الا هدف واحد، وهو أن تصطاد الشباب من الطفولة الى عمر ال ٢٦ سنة، وإلا نجوا من الشرك. وهذا الهدف الواحد ممول ببلايين الدولارات ومبني على دراسات دقيقة وأسس علمية. وبهذا، فقد فهمت هذه الشركات سايكولوجيا كيفية التحوّل من تدخين السيجارة الأولى إلى مدخّن مدمن ومن ثم إلى استهلاك علبة كاملة يومياً، حتى أنها أطلقت أسماء على المراحل المختلفة التي يمر بها مدمنو التدخين، فالبداية تكون بالمرحلة التمهيدية، ثم مرحلة المحاولة، تليها المرحلة التجريبية، ثم مرحلة الاستهلاك المنتظم، وتُختتم الجولة بالإدمان. ومن ثم يبقى الزبون لمدى الحياة دون الحاجة للتسويق الإضافي.

وكأي تجارة يوجد ربح أو خسارة. ولكن هذه التجارة فريدة من نوعها، حيث أن الخسارة لا تمس بمساهميها كما هو العادة، ولكن تمس بزبائنها الذين هم مستهلكوها ومصدر رزقها في آن واحد! فهي التجارة الوحيدة من نوعها التي تزمع علنا بقتل زبونها ولكن ببطىء، بالطبع بعد أن تكون قد خنقت رئتيه وحرقت جيوبه وامتصت دمائه. فلنفتح أعيننا ونعترف ولو لأنفسنا، من «الخاسر» ومن «الرابح» في هذه المعركة…وهل أنت «مع» أو «ضد» التدخين؟ والأهم من ذلك أنت «ضد من» بالضبط ؟!

رئيسة الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى