تجميد الاستيطان الإسرائيلي وضم الأراضي الفلسطينية* تاج الدين عبدالحق
انلشرة الدولية –
يذكّر الجدل الحاصل حاليًا، بشأن نية إسرائيل ضم 30% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وما يتردد عن جهود أمريكية لثني حكومة نتنياهو عن تنفيذ هذه الخطوة حاليًا، وتأجيلها لإغراء الفلسطينيين وتشجيعهم على القبول بمشروع التسوية الأمريكي المعروف بـ“صفقة القرن“، يذكّر هذا الجدل بما حدث خلال العقد الماضي، بشأن قضية تجميد الاستيطان، وتوسيع المستوطنات.
وقتها تعثرت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي كانت تتم برعاية أمريكية خالصة، بسبب التغول الاستيطاني الإسرائيلي. وبدل أن تتخذ الإدارة الأمريكية موقفًا ينسجم مع القانون الدولي ونصوص الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية في أوسلو، اتخذت واشنطن موقفًا ملتبسًا، يدعو إسرائيل إلى تجميد الاستيطان ”مؤقتًا“، والاكتفاء بما عُرف وقتها بالتوسع الطبيعي للمستوطنات القائمة، لتلبية ما اعتبر أنه احتياجات الزيادة الطبيعية للسكان في تلك المستوطنات.
وتم تصوير الموافقة الإسرائيلية حينها على تجميد الاستيطان بصفة مؤقتة، على أنها تنازل كبير، يستحق تشجيعًا ودعمًا من الولايات المتحدة ترجم وقتها إلى ضمانات قروض أمريكية زادت على 10 مليارات دولار، فضلًا عن دعم دبلوماسي وسياسي أمريكي تمثل بضغوط على الفلسطينيين والدول العربية لتقديم تنازلات مقابل ما قيل آنذاك إنه تنازل إسرائيلي يستحق الثناء و التقدير.
وكانت أصوات الذين اعتبروا تلك القسمة بأنها ”ضيزى“ خافتة، رغم أن الموقف الأمريكي أضفى على ذلك الاستيطان شرعية ضمنية، ومسحة قانونية، خلافًا للموقف الرسمي لواشنطن الذي كان حتى آنذاك، يعتبر الاستيطان غير شرعي، والضفة الغربية والقدس أراضي محتلة.
واليوم، يتكرر الموقف الأمريكي من جديد بمفردات جديدة ولأهداف مختلفة. فأمريكا تحاول هذه المرة تسويق الدعوة إلى تريث إسرائيل بضم أراضي غور الأردن، والتجمعات الاستيطانية في الضفة وحول القدس، على أن ذلك مثابة تنازل إسرائيلي يستحق أن يقابله الفلسطينيون بالتجاوب مع مشروع ”صفقة القرن“ الذي قدمته واشنطن على أنه وصفة إستراتيجية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، رغم أنه لا يتضمن في جوهره أي معطيات تجعله أساسًا لأي بحث أو تفاوض.
وبين الموقفين الأمريكي الجديد والقديم ”حبل متين“، وقصة مكررة بحبكة واحدة حتى لو اختلفت التفاصيل، وهذه الحبكة تقوم على محاولة استدراج المفاوض الفلسطيني، وتطويع الموقف العربي، لتقديم تنازلات من جانب واحد مقابل ما تقدمه الإدارة الأمريكية على أنه تنازل إسرائيلي.
وبحسب السيناريو الموضوع، فإن الإدارة الأمريكية ستسعى إلى تسويق ما تعتبره نجاحًا في إقناع تل أبيب بتأجيل قرارها بضم المستوطنات وغور الأردن، والذي يعلن نتنياهو أنه سيتم في يوليو المقبل، باعتباره تنازلًا إسرائيليًا، رغم أنه لا يلغي مشروع الضم ولا يتضمن أي تعهد بالتراجع عنه.
وفي العادة، فإن هذا السيناريو سيكون متبوعًا أو متزامنًا مع تعهدات اقتصادية أمريكية أو التزامات سياسية، من شأنها تعقيد الموقف التفاوضي للطرف الفلسطيني، وزيادة الضغوط على الموقف العربي الذي سيجد نفسه أمام التزام أمريكي بتأييد الضم من حيث المبدأ، حتى لو كان التنفيذ مؤجلًا إلى حين توافر الظروف لتمريره بهدوء، ودون ردود فعل إقليمية أو دولية، أو عندما تنجح الإدارة الأمريكية بتسويق التأجيل على أنه فرصة أخرى يضيعها الفلسطينيون، ولا يحسنون استغلالها واستثمارها، وهو ما بدأت به واشنطن فعلًا عندما وصفت إدارة ترامب ”صفقة القرن“ بأنها فرصة، وأن الفلسطينين يخطئون إن هم أضاعوها، رغم علمها الأكيد أن الخطة الأمريكية لا تتضمن أي عناصر إغراء حقيقية،اللهم إلا المليارات التي تعهدت واشنطن بتدبيرها كثمن للقبول الفلسطيني بخطة سيدفعون مقابلها 30% من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى مدينة القدس وما حولها من أراضٍ فلسطينية احتُلت العام 1967، فضلًا عن حقوق تتصل باللاجئين وحقهم بالعودة.
المناقشات التي تُجرى حاليًا، بشأن نية إسرائيل ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة رسميًا لإسرائيل، والتي شاركت فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر من خلال السفير الأمريكي في تل أبيب، ليست أكثر من توزيع أدوار بشأن موضوع متفق عليه سلفًا، لا كإطار عمل فقط، بل كخطة مفصلة ومشفوعة بخرائط كاملة، أما الاختلافات بين واشنطن وتل أبيب فهي في التوقيت والإخراج اللذين لا يقدّمان في الواقع ولا يؤخّران، لاسيما أن الضم قائم فعليًا، وبناء المستوطنات مستمر دون كلل أو توقف.