دمج المحادثات حول شمال شرق سوريا مع نهج يشمل جميع أنحاء البلاد* جمانة قدور و كانسو كامليبل

النشرة الدولية –

منذ عام 2019، عقدت الولايات المتحدة عدة جولات من المحادثات لتخفيف التوترات بين أصحاب المصلحة في شمال شرق سوريا، مع التركيز على المناقشات الكردية -العربية والمناقشات الداخلية بين الأكراد نحو الهدف النهائي المتمثل في التيسير نحو الانخراط في محادثات بين تركيا والأكراد. وقد أحرزت هذه الدبلوماسية تقدماً ملحوظاً خلال وقف إطلاق النار المستمر الذي فرضه تفشي فيروس كورونا – وكان آخر [هذه التطورات] عقد اجتماع الأسبوع الماضي بين ممثلي جماعتين كرديتين رئيسيتين هما «وحدات حماية الشعب» و«المجلس الوطني الكردستاني»، وسار الاجتماع على ما يرام وفقاً لبعض التقارير. وجاءت المحادثات بعد وساطة مثمرة قام بها نائب المبعوث الأمريكي الخاص ويليام روباك والزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني، الذي يتمتع بعلاقات حميمة مع كل من الأكراد السوريين والحكومة التركية.

ومع ذلك، غالباً ما تكون التسريبات المتعلقة بالجهود الأمريكية في هذا المجال محرجة لأنقرة. ولطالما كان الملف الكردي حساساً بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان وأعداد كبيرة من الجمهور التركي، لذا فإن الكشف عن أخبار إجراء مثل هذه المحادثات هو أمر حساس. وفي الوقت نفسه، يجب أن تجري المفاوضات المستقبلية بتنسيق أكثر شمولاً مع تركيا، سراً وعلانية، من أجل مواجهة سلسلة من القضايا الشائكة. وتشمل هذه فصل «قوات سوريا الديمقراطية» التي تقودها «وحدات حماية الشعب» عن «حزب العمال الكردستاني» – العدو الداخلي لتركيا – بشكل فعلي؛ إنشاء هيكلية حكم أكثر شمولاً من الناحية العرقية والدينية في شمال شرق سوريا؛ وسحب الأسلحة الثقيلة التي زودتها الولايات المتحدة من «وحدات حماية الشعب»، مع اتفاقات واضحة حول ما إذا كان بالإمكان أن تبقى هذه الأسلحة قيد الاستعمال خلال عملية الانتقال السياسي.

وحتى الأهم من ذلك، يجب أن تُجرى المفاوضات مع الجهات الفاعلة في شمال شرق البلاد مع الأخذ في الحسبان المصالح الأمريكية والتركية الأوسع نطاقاً، بدءً من تحديد علاقة نظام الأسد بسوريا ككل وإلى استمرار القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»). وعلى الرغم من أن بعض جوانب السياسة السورية لا تزال موضع خلاف بين واشنطن وأنقرة، إلا أن الدولتين الحليفتين ضمن “منظمة شمال الأطلسي” متحدتان في رفضهما لوضع بشار الأسد الراهن المزعزع للاستقرار ورغبتهما في الحفاظ على وقف إطلاق النار الحالي في محافظة إدلب، حيث يلوح في الأفق خطر وقوع كارثة إنسانية محتملة أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي أفضل السبل لمراعاة هذه المصالح المشتركة مع تجنب المزيد من الغارات العسكرية التركية ومواصلة إجراء محادثات حساسة إلى حدّ كبير مع أكراد سوريا.

لماذا بقي اردوغان خارج المحادثات؟

من وجهة نظر تركيا، يرتبط أي تعاون مع «وحدات حماية الشعب» بالضرورة بصراع أنقرة المستمر منذ عقود مع «حزب العمال الكردستاني» («الحزب»). فمنذ أواخر 2012 إلى 2015، أجرت الحكومة التركية محادثات سلام محلياً مع «الحزب»، الذي لا يزال مدرجاً على قائمة المنظمات الإرهابية بموجب القانون الأمريكي. وقد انهار وقف إطلاق النار الناتج عن هذه المحادثات في صيف عام 2015 لأسباب متعددة، هي: تجدد هجمات «حزب العمال الكردستاني»؛ عدم وجود دعم كردي لخطة أردوغان لتحويل تركيا دستورياً من نظام برلماني إلى نظام رئاسي؛ وواقع اتجاه «وحدات حماية الشعب» – التي تدور في فلك «حزب العمال الكردستاني» المسلح – نحو كسب اليد العليا من الناحية العسكرية في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.

وبالفعل، عندما أصبحت «وحدات حماية الشعب» الشريك المحلي الرئيسي للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» في ذلك العام، أثار ذلك مخاوف أردوغان من قيام منطقة حكم ذاتي كردي بقيادة «حزب العمال الكردستاني» عبر الحدود الجنوبية لتركيا. وأدى التوتر الناتج عن ذلك إلى ضغوط في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا – على الرغم من أنه مع مرور الوقت، برزت انقسامات داخلية في واشنطن بشأن ما إذا كان [يجب] اعتبار «وحدات حماية الشعب» منظمة تدور في فلك الجماعات الإرهابية أم لا (على سبيل المثال، توصلت “وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية” و”القيادة المركزية الأمريكية” إلى استنتاجات خاصة بهما بشأن هذه المسألة).

هل سيستمر التوقف العسكري التركي؟

على الرغم من أن هذه العوامل السياسية لعبت دوراً في تردد أنقرة في الانضمام إلى المحادثات الأخيرة مع «وحدات حماية الشعب»، إلا أن العامل الحاسم قد يكون عسكرياً في طبيعته. فقد أدّت حملتان تركيتان عبر الحدود – “عملية غصن الزيتون” في منطقة عفرين شمال غرب سوريا في كانون الثاني/يناير 2018، و”عملية ربيع السلام” في شمال شرق سوريا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي – إلى منع «وحدات حماية الشعب» من السيطرة على مساحة كبيرة، متجاورة، تمتد على قطعة أرض شبيهة بالدولة على طول الحدود بأكملها. والآن بعد ضمان هذه الضرورة الأمنية الوطنية الأساسية، ربما لا يرى أردوغان حاجة كبيرة للمشاركة في المحادثات في الوقت الحالي.

كما أنه من غير المحتمل أن يشن حملة عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا، على الأقل في المدى القريب. فالحكومة التركية لا ترغب في مواجهة ردود فعل عنيفة محلية بسبب سقوط ضحايا في صفوف القوات العسكرية، خاصة بعد مقتل 33 جندياً في إدلب في شباط/فبراير الأخير. وقد يكون للقيود المتعلقة بـ “كوفيد-19” على تحركات القوات التي تم الإعلان عنها في نيسان/أبريل تأثير تقييدي. وستؤثر القضايا الاقتصادية في عملية صنع القرار العسكري أيضاً – فقد أدى الوباء إلى زيادة الضغط على العملة التركية، مما دفع الليرة إلى أدنى مستوياتها القياسية التي كانت عليها خلال أزمة عام 2018، الأمر الذي يثير توقعات بحصول كساد قد يستمر لمدة عام أو أكثر.

على المسؤولين الأمريكيين ألا يفترضوا أن هذا التردد سيستمر إلى أجل غير مسمى. فقد أظهر أردوغان ميلاً كبيراً نحو سحب “ورقة التدخل في سوريا” عند الضرورة لتعزيز قاعدة ناخبيه في الداخل، ويبدو أن الكثير من الأتراك يؤيدون هذه التحركات. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن الدعم الشعبي التركي لـ “عملية ربيع السلام” وصل إلى 79 في المائة، حيث رأى العديد من المجيبين أن التوغل هو قضية تتعلق بالأمن القومي. وإذا دعا المسؤولون الأتراك لإجراء انتخابات مبكرة في صيف عام 2021، فقد يحاول أردوغان إبقاء شركائه في الائتلاف من «حزب الحركة القومية» سعداء من خلال زيادة تشديد سياسته تجاه «حزب العمال الكردستاني» – بما في ذلك من خلال شن عملية جديدة في جزء آخر من الأراضي التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية».

موازنة المحادثات الكردية مع “عملية جنيف”

أوضح كبار المسؤولين الأتراك أنهم لا يعتزمون تقرير مصير شمال شرق سوريا بشكل منفصل عن سياسة أنقرة الأوسع نطاقاً تجاه سوريا. إن القيام بذلك من شأنه المخاطرة بسيناريو يشبه ما حدث في العراق: تشكيل منطقة ذات أغلبية كردية تتمتع بحكم ذاتي وعلاقة غير واضحة بالدولة المركزية وتطلعات انفصالية محتملة. بالإضافة إلى ذلك، ستتطرق المحادثات بين تركيا و«قوات سوريا الديمقراطية»/«وحدات حماية الشعب» بالضرورة إلى نقاشات أوسع نطاقاً، تشمل: جواز أن يكون للأكراد السوريين قوات أمن خاصة بهم منفصلة عن تلك التابعة للحكومة المركزية (سواء كانت قوات الشرطة أو كيان يشبه الجيش)؛ مدى اللامركزية في سوريا وهياكل السلطة المحلية؛ ومسألة من سيدير ​​أثمن الموارد الطبيعية في البلاد، والتي لا يزال الكثير منها تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية». وترتبط كل واحدة من هذه القضايا ارتباطاً وثيقاً بمسارات السلام والمسارات الدستورية لعملية جنيف المستمرة برعاية الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب في سوريا مرة واحدة وإلى الأبد وبدء عملية انتقال سياسي عن طريق المفاوضات. وبناءً على ذلك، يجب أن يشارك جميع السوريين في القرارات المتعلقة بهذه القضايا، مع مراعاة الاستقرار والسلام العام في البلاد.

وفي وقت تدرس فيه الولايات المتحدة خطواتها المقبلة في شمال شرق سوريا، عليها أن تركز بالتالي على الإجراءات التالية:

الحفاظ على النفوذ العسكري. بعد تسع سنوات [على اندلاع الأعمال القتالية]، لا تزال الحرب تثبت أن الأطراف التي تملك قوة عسكرية على الأرض أو في الجو هي التي ستكون صانعة القرار النهائي بشأن مصير سوريا. فالوجود العسكري الأمريكي المحدود بل المدمر في شمال شرق البلاد وجنوبها منح واشنطن نفوذاً قوياً لضمان الالتزام بأولوياتها المعادية لإيران والمناهضة لتنظيم «الدولة الإسلامية». وعلى المدى القريب، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في مساعدة «قوات سوريا الديمقراطية» على القيام بما يلزم لاحتواء تنظيم «داعش»:

  • التأكد من أن البنية التحتية النفطية في سوريا لا تسقط في أيدي تنظيم «الدولة الإسلامية»
  • منع المقاتلين من إعادة التجمع وسط تزايد هجمات تنظيم «داعش» في دير الزور والحسكة
  • الحفاظ على الأمن في مراكز الاعتقال التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، التي لا تزال تحتجز ما يصل إلى 10,000 مقاتل
  • إدخال تحسينات على قضايا الحكم المحلي، على النحو المفصل في تقرير أخير قُدِّم من قبل المفتش العام الرئيسي لـ “عملية العزم الصلب”/»عملية الحل المتأصل« إلى الكونغرس الأمريكي.

وسوف يفشل نظام الأسد وروسيا والمفسدون الآخرون إذا بقيت واشنطن ملتزمة بوجودها العسكري شمال شرق سوريا، بينما تُكثف في الوقت نفسه جهودها الدبلوماسية في جنيف وتُهمّش الجهود الموازية غير المفيدة مثل “عملية أستانا”. ويمنح الوجود الأمريكي لـ «قوات سوريا الديمقراطية» خياراً أفضل من مجرد الموافقة على أي صفقة قد تعرضها موسكو ودمشق على المدى القصير. وقد أثبت الوباء مدى قلة ما يمكن أن تتوقعه «قوات سوريا الديمقراطية» من أي من هذه الجهات الفاعلة، التي لديها اليد في حجب الإمدادات الطبية الحيوية عمداً من السكان في شمال شرق البلاد.

الضغط على تركيا لإجراء محادثات مع الأكراد السوريين. يجب تشجيع أردوغان على متابعة هذه المبادرة على أعلى المستويات، لأنه الوحيد القادر على إقناع الشعب التركي باستئناف المحادثات مع جماعة تابعة لـ «حزب العمال الكردستاني» المكروه إلى حدّ كبير. بإمكان الرئيس ترامب أن يطلب منه شخصياً القيام بذلك، وربما حتى السماح لأنقرة باستضافة المحادثات. وفي غضون ذلك، ينبغي أن تواصل واشنطن جهودها الخاصة للمصالحة بين مختلف أصحاب المصلحة السوريين.

إعادة التركيز على “عملية جنيف”. بغض النظر عن شدة الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن أي أمل في حدوث استقرار على المدى الطويل سيتطلب من واشنطن مواصلة “عملية جنيف” حتى بإصرار أكبر. وترتبط العديد من المشاكل الأساسية في الصراع بين «وحدات حماية الشعب» وتركيا بأسئلة تتطلب إجماعاً وطنياً سورياً أوسع للإجابة عنها، وحتى أن حل أجزاء من هذا الصراع العابر للحدود سيترك الأكراد في موقف ضعيف مع دمشق. وبناءً على ذلك، على الولايات المتحدة أن تبقى ملتزمة بمقاربة “سوريا بأكملها” التي تمثلها “عملية جنيف”، مع الإقرار بأنه سيتعين على السوريين في النهاية التفاوض بأنفسهم بشأن حلول قابلة للتطبيق لمعظم هذه القضايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button