التأصيل في المسرح اللبناني: قضايا ومهمات

النشرة الدولية –

لعلّه من نافلة القول أننا بحاجة إلى ثقافة مسرحية تأخذ بنا إلى تبنّي ريادةِ مفهوم التأصيل في المسرح اللبناني كمنهجٍ نظريّ واضح ومتماسك، يستند إلى أصل ثابت. وأنَّ تجاهل هذه الثقافة سيجعلنا متخلفين في كتابتنا للمسرح وفي تذوّقنا وإدراكنا له. فكرةُ التأصيل تحرّرنا من التبعية الفكرية للحواضر المسرحية غرباً وشرقاً، وهي حاجة تتناغم مع الانتقال من حالة الاستهلاك والتقليد إلى حالة الخلق والاسهام الابداعي في الحضارة العربية والعالمية.

فالمسرح اللبناني، بما هو وقد أصبح في وجهٍ من وجوهه تراثاً روحياً وجمالياً فنياً، وليس دَعِيّاً مُستورداً بكُلّيته، يُشكّل بلا شك مادةً رئيسية وحاضرة دائماً لدى الكثيرين ممن تناولوه بالنقد والتأريخ أو التقعيد لتنفيذ المهمات التي تواجهه في حركيتي الديمومة والإبداع. ويحتاج التأصيل لبلوغ غاية مهماته المسرحية تلك إلى مستويين من الجهد الذهني والعملي: الأول هو التنظير والثاني هو التحقيق أو التطبيق. ففي عملٍ كبير وشاقّ، تقتضي العودة في المستوى الأول الى عشرات بل مئات الآراء النقدية التي انتشرت على صفحات الجرائد والمجلات وبعض كتب النَّقَدَة هنا وهناك منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم بهدف الوقوف على تلك الآراء وفرزها وغربلتها وتنوّعها بل وجِدّيتها في الوصول إلى عمارة نقدية فاعلة، تحدّد الدور الطّليعي المطلوب للمسرح راهناً ومستقبلاً كظاهرة رؤيوية أدبية وفنية مُستقرّة. وعليه يأتي المستوى الثاني الذي هو ربط الفن المسرحي بالمجتمع والتعبير عنه، وتعميق معرفة الأخير بالمسرح المحلي والوعي به وعياً لافتاً بالامكانيات المتاحة، وأخذه إلى المدى الابداعي الذي يصبح فيه هذا الفن بؤرةً قاعدية لها سماتها المحلية وهويتها الفنية النهائية، والمطواعة في مجاراة كل ما هو تثاقفي وجديد مع المدنيات المسرحية العالمية الأخرى. ولا يفترق التأصيل في مهماته عن قضاياه التي يقتضي الانصراف إليها بدءاً من النصّ وانتهاءً بالعرض، والتي من أُوائل تحدّياتها التفاعل مع تحوّلات المجتمع المحلي ومواكبة تحدّياته وتجاربه الحيّة ومعاناة أبنائه اليومية، بوصفه أداة تثقيف جماهيرية وعاملَ تكوين رأيٍ عام اتجاه القضايا الكبرى أو الصغرى المرتبطة بهم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً والتي يشكّل الابتعاد عنها مقتلاً للفكرة المسرحية وحضورها الإنساني المباشر والعفوي. إلى تلك المهمات والقضايا فإن للتّأصيل منطلقاتٍ أخرى نظرية مهمّة جداً لا ينسرحُ المقام لذكرها تتعلق باختلاف النص الموضوع محلياً عن المُترجم (اقتباساً وإعداداً)، وبأسئلة المدرسة/ الأنموذج التي يجب الانطلاق منها مسرحياً نحو التأصيل: كالكلاسيكية أو الاليزابيتية، أو البريشتية أو غيرها؟ بل وهل يمكن أن نطمح إلى الخروج عن تلك القوالب العالمية للدراما وتحقيق شكل مسرحي خاص بنا يصلح لكي يكون وعاءً لمسرحياتنا؟ تعلُّقاً بكل ذلك يجب ألّا يتجافى مفهوم التأصيل مع فكرة الخصوصية الوطنية أي علاقة المحلي بالقومي، فلا ننفلت من الهوية القومية إلى الهوية القطرية أو الاقليمية، ولا العكس أيضاً بالنهوض على أبعاد فكرية قومية تستلبُ الانتماء الوطني المُتنوّع على امتداد الوطن العربي.

نقلاً عن جريدة “اللواء” اللبنانية

الحسام محيي الدين

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى