التوجه إلى أي “شرق” والعالم كله صار “غربا”؟* رفيق خوري
النشرة الدولية –
ليس غريباً ضمن منطق حزب الله أن يكرر الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله الدعوة إلى التوجه نحو الشرق. ولا بالطبع أن تتحمس أطراف عدة لتلك الدعوة من دون نقاش في جدواها. الغريب هو الرهان على إقناع اللبنانيين بالاستدارة 180 درجة، والتصور أن الشرق كنز مفتوح والذهاب إليه يبقى الرد الوحيد العملي على “قانون قيصر” والعقوبات الأميركية على “حزب الله” و”العزلة” العربية والدولية للسلطة اللبنانية. والأغرب هو تجاهل أن الطريق مفتوح أمام لبنان للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي وأميركا وأوروبا والسعودية، إذا أقدمنا على “إصلاحات حقيقية” توقف الفساد وسرقة المال، ومارسنا سياسة سيادية تحول دون “السطو الجيوسياسي” على لبنان وأخذه إلى محور لن يقدم له سوى مزيد من الفقر والأزمات.
خوف من الإصلاحات
هذا ما قاله ولا يزال الفرنسيون الذين كانوا وراء مؤتمر “سيدر” الذي صدر عنه وعد بتقديم 11 مليار دولار للاستثمار في لبنان. وهذا ما سمعناه من مسؤولين في السعودية والإمارات. حتى مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، أعلنت “وضع أنسب الأشخاص لدينا للعمل مع لبنان، لكننا لم نصل إلى أي تقدم” بسبب التردد اللبناني في توحيد الهدف، ثم قالت بطريقة عاطفية إن لبنان “يفطر قلبي”. فالمشكلة عندنا لا عند العرب والغرب، لأننا نخاف من الإصلاحات على مصالح النافذين. وليس حديث التوجه نحو الشرق سوى هرب من الباب الطبيعي أمام لبنان: العرب والغرب.
أما عداء “حزب الله”، ومن خلفه إيران، لأميركا ودول عربية، فهو مزيج من عداء ايديولوجي وعداء سياسي. وأما ممارسة العداء، فإن فيها مكاناً لطموح طهران إلى رفع العقوبات الأميركية وما سماه الرئيس حسن روحاني “الانفتاح الاقتصادي والتجاري” على الغرب.
والسؤال البسيط هو: أي “شرق” يُراد لنا التوجه إليه؟ في خمسينيات القرن الماضي كان الشرق بلغة اليسار تعبيراً إيديولوجياً لا جغرافياً. والمقصود بالطبع الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي والصين قبل خلافها مع موسكو “التحريفية” كما وصفتها. وهو يعني أيضاً “التحرر الوطني” من الإمبريالية حتى بالنسبة إلى دول عدم الانحياز وشعار “لا شرقية ولا غربية”. فالدنيا تغيّرت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي وصعود الصين إلى مرتبة الاقتصاد العالمي الثاني بعد أميركا من خلال “اقتصاد السوق الاشتراكي”. روسيا تُصنّف اليوم “غرباً”، بحيث يصف جوزف ستغليتز الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين الذين يديرون الاقتصاد الروسي بأنهم “بلاشفة السوق”. والصين “غرب” بحيث يصل التبادل التجاري بينها وبين أميركا إلى 600 مليار دولار سنوياً. كذلك اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والهند وبقية “نمور آسيا”.
باب لا بديل
الصين باب واسع مفتوح عبر “طريق الحرير”، لكنها ليست البديل عن أميركا في “القوة الناعمة”. وروسيا صارت جارة لبنان من خلال وجودها في سوريا، لكن اقتصادها ضعيف ودخلها القومي 1.3 تريليون دولار أي نحو 40 في المئة فقط من الدخل القومي لألمانيا. فما الذي بقي للتوجه “شرقاً”؟ إيران وسوريا. لكن إيران في أزمة اقتصادية عميقة وخاضعة للعقوبات الأميركية ضمن سياسة “الضغط الأقصى”، ولا تستطيع حتى تصدير نفطها كالعادة. وسوريا في حرب دخلت سنتها العاشرة، اقتصادها يحتاج بحسب الخبراء إلى 30 سنة للعودة إلى ما كان عليه عام 2011 قبل الحرب. إعادة الإعمار فيها تحتاج إلى أكثر من 400 مليار دولار. 80 في المئة من شعبها تحت خط الفقر، والبطالة في حدود 60 في المئة. التعامل مع إيران يضعنا تحت العقوبات الأميركية. والتعامل مع سوريا يضعنا تحت مقصلة “قانون قيصر”، فكيف نختار نحن الذهاب إلى الحصار معهما وهما في حصار مفروض عليهما وليس خياراً لهما؟ وهل هذا هو المطلوب للوصول إلى اسوأ أنواع البؤس بما يجعل تغيير لبنان، لا تطويره وإصلاحه، ممكناً من دون عراقيل؟
قصيدة الشاعر روديارد كيبلينغ “الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا” صارت من التاريخ لأنهما التقيا في النهاية.