ضوء جارا وصارخة سيبوروكال* د. أفراح ملا علي

النشرة الدولية –

تتميز لؤلؤة الكاريبي «الجمهورية الكوبية» بأنها النتاج الجميل للانصهار التاريخي والثقافي والعرقي بين شعوب مغايرة، وهذا التنوع يخلق كوبا الحــــديثة.

ففي حقبة الاستكشافات الاسبانية يتــــخالط الإســــبان ويتزاوجون مع الهنود الحمر وأيضا مع الزنوج الأفارقة الذين ولدوا في كوبا فينتج جيل جديد يسمى «كري يويو» وهم اليوم الغالبية العظمى من أهل كوبا.

ويعد ذلك أحد أهم أسباب التنوع الفلسفي الاقتصادي الفكري وصولا إلى الروحي، فلا يعد تقديس السيدة العذراء بالفكر المسيحي مع عادات قبائل وجماعات «اوريشا» و«جوروبا» أمرا غريبا في كوبا، بل إن منطقة الكاريبي تميزت «بالسانتيريا» وهي توفيق بين الديانة الكاثوليكية المسيحية وخليط من المعتقدات الافريقية القديمة، والتي تتميز بالقرابين الحيوانية ورقصات على قرع الطبول، حيث تشير كتب التاريخ الى ان التجمع بدأ في كوبا سنة ١٥١٥ وفي سنة ١٩٥٩ ساهمت الثورة الكوبية في انتشار «السانتيرية» خارج نطاق حدود الدول المتحدثة للإسبانية في الكاريبي وصولا الى الولايات المتحدة الأميركية في ١٩٧٤، وتم تشييد أول كنيسة «سانتيريا» بشكل رسمي.

هناك نظريات عدة عن أصل تسمية «كوبا» بهذا الاسم حتى تم تسليط الضوء على نظريتين، فالأولى تشير إلى أن التسمية هي من أصل كلمة «كوباناكان» وهم سكان كوبا الأصليون من قبائل الهنود الحمر، حيث عثر على هذا الاسم في مذكرات كريستوفال كولون والذي اشتهر عالميا باسم كريستوفر كولومبوس، ولكن هذه النظرية لاقت هجوما كبيرا كون المذكرات الأصلية غير موجودة والمعلومات تم أخذها من نسخة من المذكرات الملخصة لكولومبوس.

أما النظرية الثانية، فهي أن أصل التسمية عربي بحت وتأتي من كلمة «قبة»، وذلك لأن جبال الجزيرة تحديدا في منطقة «باراي» كانت تشبه قبب المساجد الإسلامية، وتم الاعتراض على هذه التسمية وقيل إنها من أصل الكلمة اللاتينية «كوبولا» والتي تحمل نفس المعنى «قبب الكنائس». فالتنوع الفكري منعكس أيضا على أصل التسمية.

فكل هذا التنوع والتميز الذي ينصهر بالمكنونية الكوبية ينعكس على قصصها وإرثها الحضاري. وقصة ضوء جارا لها أساس تاريخي تحديدا في سنة ١٥٠٥، في منطقة «باراكوا».

تقول الحكاية ان أحد المحاربين الهنود الحمر والذي اتسم بالشجاعة والدفاع عن ارضه ضد الإسبان الذين يسرقون ذهب أبناء عرقه، يحكم عليه بالموت حرقا أمام الملأ.

فكانت صرخاته المؤلمة لهذا الموت البطيء الشنيع سبب تضحية هندية حمراء احتضنته بقوة لتخفيف آلامه والاحتراق معه.

وفي تلك اللحظة خرج ضوء قوي جدا من أجسامهم وارتفع للسماء. يقول أهل كوبا إنهم يرون هذا الضوء الغريب كثيرا، ومن لم يره حتى الآن يؤكد أن أحد أصدقائه او أفراد عائلته رأى هذا الضوء.

أما القصة الأخرى التي يرويها أهل كوبا منذ العصر الثاني عشر وتتناقلها الأجيال حتى يومنا هذا حدثت تحديدا في منطقة «سيبوروكال» والتي تعد منطقة مشهورة تاريخيا وبأنها ملعونة ومكان تقطن فيه الأرواح الشريرة، الساحرات والقراصنة والشياطين الذين مازالو يرعبون أهل القرى. وبالرغم من أعمال السحر الأسود والفودو والقرصنة إلا أنه لا شيء يرعب أهل «سيبوروكال» كالصارخة.

ففي ١٦٥٨ يغير القرصان «فرانسيسكو ناو» المشهور بالقرصان «ال اولونيس» على أهل القرية، يقتلهم ويحرق المنازل. وبينما كان يسرق أحد المنازل تستغل فتاة شابة شديدة الجمال ذات شعر اسود طويل، انشغاله وتلوذ بالهرب ولكن بعد فترة طويلة من البحث المستمر يجدها القرصان ويحاول الاعتداء عليها بكل وحشية أمام الملأ، فما كان منها إلا مقاومة هذا الوحش الآدمي حتى ذاق ذعرا بها وقطع رأسها بخنجر كان بيده! فحصل أمر أرعب الجميع بما فيهم القرصان.. وقفت الجثة بدون رأس وأخذت رأسها بيدها وحاولت إعادته إلى مكانه الطبيعي بدون فائدة وبدأت بالسير والرأس بيدها وبدأت تصرخ بشكل مخيف.

وبالرغم من مرور قرون على الحادثة إلا أن أهل المنطقة يقسمون انهم مازالوا يرون فتاة تحمل رأسها المقطوع وتصرخ بشكل مفزع في منتصف الليل.

دمتم بإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى