مع إلقاء القبض على غيلين ماكسويل الهموم تقض مضجع الأمير أندرو
النشرة الدولية –
سواءٌ كنت ملكياً أم لا، ففي سن الرابعة والتسعين تستحقّ ملكة بريطانيا بعض التعاطف هذا الأسبوع. فلربما كانت تنعم ببعضٍ من السكينة والهدوء في معزلها بقلعة ويندسور حيث لم تتمكّن من لقاء أفراد عائلتها، وذلك بعد عمر من الدردشة والمكوث في الواجهة العامّة.
لكن التطوّرات التي حصلت في الأيام القليلة الأخيرة، أظهرت أن المسائل اليومية مستمرّة على وتيرتها بالنسبة إلى عائلة ويندسور المتخبّطة في مسائل عدة. فحفيد الملكة هاري، وزوجته ميغان يقاضيان الصحافة، في حين أن أحد أبنائها متورّطٌ في فضيحةٍ جنسية على مستوى دولي.
خلال هذا الأسبوع، غصّت صفحات جرائد التابلويد بتفاصيل الإجراءات القانونية التي قامت بها “دوقة ساسيكس” في ما يتعلّق بنشر رسالةٍ خاصّة كانت قد بعثت بها إلى والدها قبل زفافها. وبحسب الرسالة، شعرت ميغان بأنها ” تُركت ترزح وحدها تحت وطأةٍ من الانتقادات” من جانب القصر الملكي، عندما كانت حاملاً، فيما كان التركيز منصبّاً على التعليقات النقدية، لا سيما منها العنصرية في بعض الأحيان.
وبعدما ضاق هاري وميغان ذرعاً بما يعتبرانه انتقاماً إعلامياً، انتقل الزوجان إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، لكنهما واصلا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وفريقاً رفيع المستوى من المحامين والوكلاء ومديري وسائل الإعلام، لنشر أفكارهما، وحماية مصالحهما في السعي إلى تأسيس “علامة تجارية”، من شأنها أن تؤمّن لهما دخلاً للمستقبل. وفي حين أنه ليس من المفترض أن يكونا “ملكيَّين”، فإن كل ما يفعلانه، أو ما يقولانه يكتسب أهميةً أكبر بسبب سلالة الدم التي ينتمي إليها هاري.
قد لا أجد نفسي متفاجئةً كما كثيرون منّا، إذا اعتبرت ملكة بريطانيا أن المواقف، والاعتذارات المستمرّة للزوجين مزعجة، وأحياناً عديمة الجدوى، لكنها على الأقل حسنة النيّة وغير ضارة.
أما موضوع ابنها الثاني فهو مسألة أخرى. إن “مشكلة أندرو” جاثمة بكلّ ثقلها. فقد تمّ القبض على صديقته غيلين ماكسويل (ابنة قطب الإعلام البريطاني الشهير الراحل روبرت ماكسويل) في ولاية نيو هامشر الأميركية، ووُجّهت إليها تهمٌ عدّة ليس أقلّها استدراج، واستمالة فتياتٍ قاصرات (بعضهن في سن 14 عاماً)، لإجراء لقاءاتٍ جنسية مع صديقها السابق جيفري إبستين (رجل الأعمال الأميركي المليونير الراحل، والمُؤثَّم بارتكاب جرائم جنسية)، وكذلك ارتكاب جريمة الحنث باليمين وشهادة الزور. ويزعم محامو الأمير أندرو أنه عرض “مساعدة المسؤولين الأميركيّين في التحقيق” في ثلاث مناسبات على الأقل هذه السنة”، في حين يقول المدّعون العامّون في الولايات المتّحدة إن أندرو “رفض” التحدّث معهم.
في غمرة حرب الكلمات هذه، فإن أندرو هو الخاسر بالتأكيد. إذ إن مقابلته التلفزيونية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع إيميلي ميتليس المذيعة، معدّة البرامج الوثائقية، كانت كارثة موصوفة لأنه لم يقم بشيء لتبديد التكهّنات التي تدور حول علاقته المباشرة مع جيفري إبستين، أو لشرح مدى ما يعرفه (إذا كان هناك شيء) عن الأنشطة الجنسية غير المشروعة التي يبدو أنها حدثت فعلاً في القصور الفاخرة للمليونير الأميركي في كلٍّ من فلوريدا، ونيويورك ونيو مكسيكو، وفيرجين آيلاندز.
كانت خدمة “نتفليكس” قد سلّطت الضوء في الآونة الأخيرة على ضحايا الهوس الجامح لإبستين من خلال مسلسل Jeffrey Epstein: Filthy Rich (المبني على كتاب ألّفه جيمس باترسون في العام 2016). يتألف هؤلاء الضحايا من مجموعة شابّاتٍ يافعات ينتمين في غالبيّتهن إلى الطبقة العاملة، وقد نشأ معظمهن في أوضاع فقيرة نسبياً، وأتين من خلفيّاتٍ اجتماعية مضطربة. وقامت هؤلاء الشابات برواية كيف استُدرِجن إلى قصر إبستين لتقديم خدمة “التدليك” له. وزُعم – مراراً عدّة – أن غيلين ماكسويل كانت قناة الاتّصال والتدبير والرعاية التي لم تتوانَ عن القيام بخلع ملابسها، والانضمام إلى تلك الجلسات لجعل الأمر يبدو كأنه طبيعي تماماً.
قد يكون من الصعب الجمع بين ذلك الشخص الذي تتحدّث عنه الضحايا، والوجيهة المبتسمة التي كان يظهر بها في الصور خلال كثيرٍ من المناسبات البارزة على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، كالحدث الخيري مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وعارضة الأزياء السابقة ناعومي كامبل، وكذلك في حفل زفاف تشيلسي ابنة الرئيس السابق بيل كلينتون، وأثناء الدردشة التي أجريت بينه وبين الأمير أندرو في الردهة الملكية خلال مهرجان “رويال أسكوت” لسباق الخيول.
وكان قد تمّ تقديم غيلين ماكسويل إلى الأمير أندرو من خلال سارة فيرغوسون في تسعينيّات القرن الماضي، وسرعان ما حوّل الأمير هذا التعارف إلى صداقة ولقاءاتٍ منتظمة. ومن ثمّ توالت دعواته لها إلى قلعة بالمورال، وللمشاركة في حفلٍ للرماية في ساندرينام، وإلى حفلة عيد ميلاد الأميرة بياتريس الثامن عشرة في العام 2006، وكذلك إلى حفلة “رقصة العقود” في قلعة ويندسور احتفاءً بالذكرى الأربعين لمولد الأمير أندرو، والعيد الخمسين لميلاد الأميرة آن في العام 2000. وأقرّ الأمير أندرو بحرية خلال المقابلة مع ميتليس بأن غيلين كانت صديقة له، مؤكّداً بأنه التقاها في لندن في العام 2019، بعد اعتقال إبستين.
وفي تبريرٍ لسبب الزيارة التي قام بها لمدينة نيويورك، بعدما أمضى جيفري إبستين فترةً في السجن بسبب ارتكابه أنشطةً جنسية غير قانونية، قال الأمير أندرو للمقدّمة ميتليس إنه “وفيّ” لأصدقائه. وكان قد تمّ تصوير الأمير البريطاني برفقة إبستين وهما يسيران ويتحدثان معاً في متنزّه “سنترال بارك”. لكن السؤال يبقى إلى أي مدى وصلت إليه العلاقة بين كلٍّ من الأمير وغيلين؟
التقت ماكسويل بإبستين بعد وقتٍ قصير من انتقالها إلى مدينة نيويورك، في أعقاب وفاة والدها في العام 1991. وبعد بضعة أعوام، تحوّلت علاقتهما الجنسية إلى صداقةٍ متينة. لكن هل تمرست غيلين نفسها على يد إبستين؟
طفولة غيلين ماكسويل كانت صعبة على ما يبدو. فوالدها اتّسم بطابع مهيمن جداً، ولم يكن يتورّع عن ضرب أطفاله. ومن المعروف بشكلٍ موثّق جدّاً أنهم كانوا يخافون منه، وقد أخبرت غيلين أحد الذين أجروا المقابلة معها أن والدها استخدم السوط الذي تُضرب به الخيول لمعاقبتها، وإخوتها بسبب ارتكابهم مخالفات. وقبل وفاة الكابتن بوب ماكسويل في العام 1991 التقيتُ في مناسباتٍ عدّة (خارج المركب الذي أطلق عليه اسم ابنته المفضّلة Ghislaine) ولديْه كيفن وإيان، لأن أحد أصدقائي كان ينشىء شبكة تلفزيونية لعائلة ماكسويل. ويمكن القول إن من الصحيح أن والدهم قد أفسد حياتهم بطباعه المسيطرة وانفعالاته المتطرّفة.
كيف كانت علاقة غيلين بوالدها؟ لوحظ عليها الاضطراب والذهول عندما وافته المنية. فقد كانت تتوق إلى أن يُردّ الاعتبار إلى العائلة بعدما جلب إلى اسمها الخزي والعار بسلوكه الاحتيالي، وبخداعه لمتقاعدين وسلبهم الملايين من الأموال.
أما في نيويورك، فتحوّلت غيلين إلى امرأة ذات شبكة علاقاتٍ واسعة، وكان كتابها الأسود ( الذي يحتوي على أرقام هواتف الأغنياء والمشاهير، من آل كلينتون إلى آل ترمب، وصولاً طبعاً إلى الأمير أندرو) هو الذي عثر عليه “مكتب التحقيقات الفيدرالي” FBI عندما دهم عناصره منازل إيبستين.
هل ستكشف غيلين ماكسويل عن أسماء تعرفها في سبيل تخفيض أي عقوبة محتملة بسجنها؟ أتصوّر أن الأمير أندرو سيكون شديد القلق. فنظراً إلى أن منازل إبستين كانت مليئةً بأعمال فنّية إباحية، وصور فتيات عاريات لم يبلغن بعد السنّ القانونية، وألواح الصابون المصنوعة على شكل أعضاء ذكرية داخل الحمّامات، هل يمكن للأمير الاستمرار في ادّعاء الجهل؟
في المقابل، تواصل فيرجينيا روبرتس غيفر الزعم بأنها مارست الجنس في ثلاث مناسباتٍ مع الأمير البريطاني عندما كانت في سن السابعة عشرة، وقد تمّ تسريب صورةٍ شهيرة لها تظهر فيها وذراع الأمير تلفّ وسطها.
قبل أن يضع جيفري إبستين حدّاً لحياته في السجن في أغسطس (آب) الماضي، حاول نقل جميع ممتلكاته إلى صندوق ائتمان محمي في فيرجين آيلاندز، لضمان عدم تمكّن ضحاياه من الوصول إلى ثروته. لعل الأمير أندرو يقوم بتقديم المساعدة للسلطات المعنية لضمان وصول ضحايا إبستين إلى تلك الأموال. ربما لن يشكّل ذلك تكفيراً وتعويضاً عن اختياره السيئ للأصدقاء، لكنه قد يقدّم لوالدته الملكة بعضاً من العزاء من خلال إثبات أن ابنها لديه ضمير.