من رفيق الحريري إلى هشام الهاشمي: القاتل واحد* حسين عبدالحسين

النشرة الدولية –

أطلق مجهولون النار على الخبير العراقي الصديق هشام الهاشمي، فأردوه قتيلا. المجرمون لن يعلنوا مسؤوليتهم، والقضاء العراقي لن يعثر عليهم، على الأرجح، وهو ما يجعل الجريمة مطابقة لعشرات الجرائم في لبنان ولمئات منها في العراق، وهي جرائم تطال دائما معارضي نظام إيران وميليشياتها في المنطقة.

لكل هذه الجرائم نمط واحد يبدأ بتحريض عملاء إيران ضد سياسي، مثل رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري، أو صحفي، مثل اللبناني سمير قصير والعراقي هشام الهاشمي. يلي التحريض عملية اغتيال لا يعلن أحد مسؤوليته عنها، وإذا حدث أن أثارت الجريمة ردة فعل شعبية أكثر مما يتوقعه المجرمون، تنبري إيران وأزلامها في السياسة والإعلام على تعميم نظريات مؤامرة رثّة ومفضوحة، في طليعتها أن قتلة الحريري أو قصير أو الهاشمي هم إما إسرائيل أو “القاعدة” و”داعش”.

طيب لماذا تتخصص إسرائيل، عدوة ملالي إيران، باغتيال كلّ من يرفعون صوتهم بوجه استبداد إيران؟ يجيب أزلام طهران أن إسرائيل تسعى لإلصاق تهمة القتل بإيران للنيل من سمعة “الجمهورية الإسلامية”. ويقول أزلام إيران إن اسرائيل تسعى كذلك لإثارة القلاقل، وبث بذور الفتنة والتفرقة لإشعال حروب أهلية في لبنان والعراق وغيرها، لأن الحروب الأهلية تؤدي إلى إضعاف “المقاومة” بإشغالها بصراعات داخلية. تبريرات إيران وأزلامها للجرائم هي مجرد ثرثرة.

  ميليشيات المرشد الإيراني تمارس التضليل نفسه، في العراق ولبنان كما في سوريا واليمن

اللبناني أنيس النقاش كان في صفوف مجموعة الفلسطيني الراحل خليل الوزير “أبو جهاد”، وذاع صيته أبان مشاركته مع كارلوس في اختطاف وزراء دول أوبك في فيينا في العام 1975. ويعزو النقاش إلى نفسه تجنيد القائد العسكري الراحل في “حزب الله” عماد مغنية، كما يعزو لنفسه اقترح تشكيل “الحرس الثوري” لحماية الثورة الإيرانية من إمكانية انقلاب عسكري ضدها. ولقربه من ملالي إيران، قام النقاش بمحاولة اغتيال شهبور بختيار، آخر رئيس حكومة ايراني في زمن الشاه، في باريس في 1980، وأمضى عقدا من الزمن في سجن فرنسي.

بعد 12 يوما على اغتيال الحريري في بيروت، في شتاء 2005، أطلّ النقاش في مقابلة عبر قناة الجزيرة القطرية، وقال إنه قبل شهرين من الاغتيال، قام بعقد لقاء مع أحد مستشاري الحريري لتحذير رئيس الحكومة المغدور من مغبة استمراره في سياسة تأييده السعودية. وقال النقاش إن السعودية كانت تساعد الولايات المتحدة في تثبيت الوضع في العراق، وإن تلك كانت خطوة خاطئة لأن الأميركيين كانوا في طريقتهم للهزيمة. وقدم النقاش دليلا: لأن السعوديين لم يغيروا سياستهم، تعرّض مكتب “قناة العربية” في بغداد لتفجير. النقاش نقل التحذير إلى الحريري بمشاركة “أخ إيراني شاهد في هذه الجلسة يتحدث العربية بطلاقة وشاركنا في الحديث”.

بعد تصريحات النقاش بسنوات، توصل الادعاء في محكمة دولية تابعة للأمم المتحدة أن قتلة الحريري هم من قادة “حزب الله”. لكن الحزب، بعيدا عن تصريحات النقاش المبطنة، لم يعلن مسؤوليته يوما عن الاغتيال، بل هو مارس عمليات تضليل إعلامي، أولها فيديو ظهر فيه إرهابي لبناني مزعوم من “القاعدة”، اسمه أحمد أبو عدس، وتبنى مسؤولية التفجير. ووجد الفيديو طريقه إلى أيدي إعلامي يدير اليوم إحدى أبرز القنوات الفضائية الإيرانية في بيروت، التي تبث بالعربية.

ثم لما بدى أن قصة أبو عدس ضعيفة، أطلّ نصرالله في خطاب وأطلق الاتهام الجاهز دائما: إسرائيل قتلت الحريري. وبث نصرالله فيديو قال إن مقاتليه استولوا عليه من طائرة مراقبة إسرائيلية، فيه تصوير للبنان من الجو. وقامت دعاية “حزب الله” برسم دائرة حمراء لإظهار موقع اغتيال الحريري، وتاليا اعتبار أن إسرائيل كانت تستطلع مكان الاغتيال قبل تنفيذه. أما المشكلة، فكانت تكمن في أن الدائرة الحمراء بالكاد ظهرت في الفيديو، وعندما ظهرت، لم تكن ولا مرة في وسط الصورة.

وهكذا دواليك، راح اللبنانيون المعارضون لحكم نصرالله وإيران للبنان يتساقطون واحدا تلو الآخر، في اغتيال عقب اغتيال. في كل جريمة، كان مؤيدو “حزب الله” يشنون حملة تحريض، ثم بعد عملية الاغتيال، يتهمون إسرائيل، ويسيرون في جنازة القتيل، ويتظاهرون أن المغدور كان من أصدقاء “المقاومة”.

 ميليشيات المرشد لا تحمي الناس، بل تقتلهم، وبجبن. على الأقل المجموعات الإرهابية الباقية تعلن مسؤوليتها عن جرائمها، أما ميليشيات المرشد، فتحرّض قبل الجرائم، وتكذب بعدها

هو نمط واحد: القاتل مجهول، والقتيل دائما من معارض ملالي إيران وميليشياتهم. العزيز هشام في بغداد تلقى تهديدات من أحد قادة “كتائب حزب الله” يدعى أبو علي. بعد الاغتيال، ستردد ميليشيا المرشد، على الأرجح، مقولة أن الرجل كان خبيرا في شؤون “داعش” والإرهاب، وأن المجرم هو “داعش”.

ميليشيات المرشد الإيراني تمارس التضليل نفسه، في العراق ولبنان كما في سوريا واليمن. تتظاهر أن سلاحها هو لحماية ناسها من إسرائيل أو من “داعش”، ولكن الواقع هو أن السلاح هو الذي يقتل العراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين. يغتالهم. يجتاح بيروت وجبل لبنان، وحمص وصنعاء. يحاصر مقر حكومة العراق، كما فعلت “كتائب حزب الله” قبل أسبوع لإجبار حكومة مصطفى الكاظمي على الإفراج عن إرهابيين تم اعتقالهم متلبسين بمحاولة إطلاق صواريخ على مطار بغداد.

ميليشيات المرشد لا تحمي الناس، بل تقتلهم، وبجبن. على الأقل المجموعات الإرهابية الباقية تعلن مسؤوليتها عن جرائمها، أما ميليشيات المرشد، فتحرّض قبل الجرائم، وتكذب بعدها. تستعرض قوتها قبل الجرائم، وتختبئ بعدها. هي ميليشيات ماضية في الكذب، لذا صار في بغداد ميليشيات مجهولة الهوية اسمها “جند سليماني” و”ثوار المهندس”.

ميليشيات إيران بدأت تختبأ من غضب العراقيين. في لبنان، يختبئ “حزب الله” خلف الطائفية للحفاظ على تأييد بعض اللبنانيين الشيعة له. لكن الشيعة يجوعون كغيرهم، وسيأتي اليوم الذي يعون فيها، ويثورون، ويصرخون في بيروت، كما في طهران: “مرك بر (الموت لـ) ديكتاتور”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button