ألا تستحق الكويت أرشيفاً وطنياً جامعاً؟* حمزة عليان
النشرة الدولية –
أهم الأرشيفات الوطنية للوثائق على مستوى منطقة الخليج العربي توجد في وقتنا الحاضر في الدوحة وأبوظبي، فالبلدان يخوضان تجربة في مجال حفظ الوثائق لم يسبقهما أحد من قبل، فعلى مدى السنوات الأخيرة سجلت هاتان العاصمتان قفزات متقدمة في مضمار الحفظ والتوثيق والرقمنة.
لم يعد الباحث يحتاج الذهاب إلى لندن أو أنقرة أو باريس أو غيرها من عواصم الدول ذات الإرث الاستعماري في المنطقة، بل يكفيه الدخول عبر الإنترنت إلى “مكتبة قطر الوطنية” أو “الأرشيف الوطني” في أبوظبي حتى يجد ما يحتاجه من مواد وموضوعات وبالمجان!
في هذين “المركزين” تم نقل كل الوثائق التي تتصل بالمنطقة من أماكن حفظها الأصلية إلى الدوحة وأبوظبي، فالقائل ألا تاريخ بدون وثائق أصاب كبد الحقيقة، فالمسألة تحتاج إلى قرار بالدرجة الأولى، وهذا ما تحقق وخلال السنوات العشر الأخيرة، ظهرت النتائج الملموسة، فباستطاعة الباحث اليوم وبكبسة زر كما يقولون أن يصل إلى مبتغاه وهو جالس في بيته أو مكتبه أو جامعته.
لقد تم صرف الملايين من الدولارات لكن هذه الأموال وظفت في المكان الصح، واستثمرت في المكان الذي يجب أن ينفق فيه، فالمكانة التي تحتلها الوثيقة الوطنية لا يزاحمها أحد عليه، وهناك مبادرات متتالية أقدمت عليها الدولتان، سواء بشراء الوثائق ذات الصلة بكل بلد أو بالمنطقة الخليجية ومحيطها الجغرافي، أتبعت ذلك بإيجاد كوادر بشرية مؤهلة تدير المشروعين، وبمبان عصرية تجمع فيها الحداثة والتراث، وكانت الرسالة واضحة لندع الوثيقة تتكلم وبعدها حلل كما تشاء.
المركزان اختصرا الوقت والجهد والمال على الباحثين بالدرجة الأولى، وأصبحا اليوم من الدول الرائدة في عالم الأرشيفات الوطنية،
فمكتبة قطر الوطنية فتحت أبوابها للجمهور عام 2017، وهي تحتوي على مواد أرشيفية تاريخية مرتبطة بها وبالمنطقة ومتاحة للاستخدام بدون مقابل، ولديها إمكانية البحث بخمس لغات حية تغطي بلاد فارس والخليج العربي، وتتنوع المواد المحفوظة بين الخرائط والمخطوطات والتسجيلات الصوتية والصور (مليون صورة) ووثائق سجلات مكتب الهند (1763– 1951) ووثائق المقيم السياسي في بوشهر والبحرين، والأوراق الخاصة للمقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، لويس بيلي وغيرهما الكثير.
وضعت شراكة مع المكتبة البريطانية لمدة عشر سنوات، وانتقلت إلى التنفيذ على مراحل، وبات أرشيف المنطقة متوافراً على الإنترنت وبدون قيود، كل ذلك لم يكن ليرى النور لولا وجود رؤية وطنية طموحة عند أصحاب القرار.
أما الأرشيف الوطني في أبوظبي فخدماته تتم عبر أنظمة العمل عن بعد، حيث يضم الوثائق الأميركية والبريطانية والفرنسية والهولندية والألمانية واليابانية والعثمانية والبرتغالية، ويجمع وثائق ذات قيمة تاريخية خاصة بدول الخليج العربي، ويقدم نسخاً إلكترونية للوثائق الأصلية إضافة إلى أدوات للبحث، ويعتبر من أقدم المراكز الأرشيفية في الخليج، وفيه ملايين الوثائق التاريخية.
لم نتحدث في هذا المقال عن هيئة الشارقة للوثائق والأرشيف في إمارة الشارقة أو مركز الوثائق التاريخية في دبي، والذي يجمع أكثر من مئة ألف وثيقة، وهو من النوافذ التراثية المهمة في تاريخ دبي، مكتفين الآن بفتح نافذة على المركزين الأولين في الدوحة وأبوظبي.
محتويات المركزين طبقت فيهما أعلى معايير التصنيف والفهرسة، بحيث يسهل على الباحث الوصول إلى المعلومة، والمسألة تعدت قصة الحفظ والتخزين والملكية بل أصبحت الفهرسة الرقمية والخدمات الرقمية هي السائدة وسط تسهيلات تستحق التقدير، وهناك حملات وطنية تبنتها بجمع الوثائق الأهلية من المواطنين، آلاف الوثائق جمعت من الخارج وتم نقلها وحفظها وفهرستها.
في قطر مرجعية واحدة، وأرشيف وطني جامع، وفي أبوظبي أرشيف وطني شامل وفي كلتا الحالتين هناك “مركزية”، ولن نبخس جهود أولئك الذين يعملون ويجتهدون على مستوى الكويت في جمع الوثائق، فلهم منا كل التقدير، لكن ألا تستحق الكويت أن يكون لديها أرشيف وطني على غرار ما أنجزته كل من الدوحة وأبوظبي؟