هل أخطأ الحزب الديمقراطي بترشيح بايدن؟* د. عماد بوظو

النشرة الدولية –

وضعت قيادة الحزب الديمقراطي أمامها هدفا وحيدا وهو أن لا يفوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية، وفي سبيل ذلك اختارت ألا تخاطر بدعم ترشيح امرأة أو شخص من الأقليات لمنصب الرئاسة لأنها ترى أن الوضع لا يحتمل المجازفة، كما عملت على إخفاء جنوح الحزب نحو اليسار لقناعتها بأن نسبة غير قليلة من الأميركيين لديها مخاوف من “الاشتراكيين”، وحتى لا تتكرر في أميركا هزيمة حزب العمال في الانتخابات البريطانية الأخيرة نهاية العام الماضي حين حصل على أسوأ نتيجة له منذ عام 1935 نتيجة توجهه نحو اليسار تحت رئاسة جيرمي كوربين، واعتقدت هذه القيادة أن رجلا أبيض صاحب خبرة في العمل السياسي ومن التيار المعتدل في الحزب سيكون أكثر قدرة على هزيمة ترامب، ووجدت هذه المواصفات في جو بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما.

 

ولكن المناظرات التي سبقت الانتخابات الحزبية أظهرت أن بايدن في كثير من الأحيان يفقد التركيز ويعجز عن بناء جملة بشكل صحيح أو لا يستطيع التعبير عن وجهة نظره بنجاح، وفي إحدى المناظرات اتهمه المرشح جوليان كاسترو بأنه يكرر نفسه دون أن ينتبه وخاطبه ساخرا: “هل نسيت ما قلته قبل دقيقتين؟”، وأصبحت هذه العبارة بعد المناظرة أكثر التغريدات انتشارا على تويتر واعتبرت تشكيكا بالحالة العقلية لبايدن، وتكرّرت فيما بعد هفواته إلى أن أنقذته تعليمات البقاء في المنزل بعد كورونا من أغلب المقابلات واللقاءات العامة التي كان من المرجّح أن يرتكب فيها المزيد من الأخطاء، وربما لهذا السبب وليس بسبب الخوف على الجمهور من كورونا ألغى بايدن مؤخرا كافة تجمعاته الانتخابية، مع أن تجنّب النشاطات والفعاليات إلى هذه الدرجة قد يترك انطباعا بأن صحته ليست على ما يرام نتيجة تقدمه في السن، خصوصا إذا تمّت مقارنته مع ترامب النشيط رغم أنه لا يصغر بايدن سوى بأربع سنوات.

 

بعد حصول بايدن على ترشيح الحزب الديمقراطي برزت تساؤلات مشروعة حول قدرته على خوض مناظرات مع ترامب

 

ورغم أداء بايدن المتواضع في المناظرات بقيت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه صاحب الشعبية الأكبر ضمن الحزب الديمقراطي وأنه الأكثر قدرة على هزيمة ترامب، ولكن عندما بدأت الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا احتل بايدن المركز الثالث خلف بوتيدجيدج وساندرز، وبعدها في ولاية نيوهامشير حل في المركز الخامس ولم يحصل سوى على 8 في المئة من الأصوات، ثم في نيفادا حصل ساندرز على 46 في المئة من الأصوات مقابل 23 في المئة لبايدن، ثم حقق بايدن نتائج كبيرة في ولاية ساوث كارولينا. تخوّف قادة الحزب الديمقراطي من أن تؤدي متابعة العملية الانتخابية إلى فوز ساندرز، ويبدو أنهم استخدموا نفوذهم لإقناع المرشحين المعتدلين بالانسحاب وإعلان تأييد بايدن، بما يعني التضحية بالآليات الديمقراطية داخل الحزب من أجل الفوز في انتخابات الرئاسة.

 

وبعد حصول بايدن على ترشيح الحزب الديمقراطي برزت تساؤلات مشروعة حول قدرته على خوض مناظرات مع ترامب، خصوصا مع ظهور الكثير من القضايا التي يستطيع ترامب استخدامها في مهاجمته، أولها الاستياء الشعبي من الطبقة السياسية التقليدية في الولايات المتحدة، والتي أثبت الناخبون الأميركيون أكثر من مرة أنهم يصوتون للمرشحين الذين يقولون إنهم ليسوا جزءا منها بل يريدون الوصول إلى واشنطن لتغيير المنظومة السياسية الحاكمة، ومن الطبيعي اعتبار بايدن بعد 47 سنة من العمل السياسي أحد أقدم وجوه هذه الطبقة السياسية التقليدية.

 

كما طالته مؤخرا مجموعة من الاتهامات تناول بعضها ممارسات جنسية غير ملائمة، أهمّها ما قالته موظفة سابقة لديه بأنه اعتدى عليها جنسيا قبل 30 عاما في إحدى قاعات الكونغرس، وذكرت تفاصيل دقيقة للحادثة، وأكّد ثلاثة أشخاص روايتها وقالوا إنها أخبرتهم عنها بعد وقت قصير من وقوعها، وأعربوا عن جاهزيتهم لدعمها إذا تطلّب الأمر، وهو ما نفاه بايدن، وهذه السيدة ليست سوى واحدة من العديد من النساء اللاتي اتّهمن بايدن باللمس أو المعانقة أو التقبيل غير اللائق بالإضافة إلى الولع بشمّ شعر النساء.

 

وهناك قصة ابن بايدن “هانتر” صاحب الحياة الشخصية المتقلّبة والذي طرد من البحرية عام 2014 بعد سنتين من الخدمة الاحتياطية بسبب تحليل أشار إلى تعاطيه الكوكايين، وفي نفس العام وعندما كان والده نائبا للرئيس أعلنت شركة بوريسما الأوكرانية المنتجة للغاز والمقرّبة من روسيا أن المحامي هانتر بايدن سيمثلها لدى المنظمات الدولية، وأعلن هو أنه يريد بعمله تقديم النصح للشركة بشأن الشفافية، وقال مصدر غربي لوكالة فرانس برس إن أوساط الأعمال دهشت من تعيين ابن بايدن في بوريسما نتيجة السمعة السيئة لهذه الشركة، وتابع المصدر أن أجرا يبلغ 50 ألف دولار شهريا هو الثمن الذي يجب دفعه لشراء سمعة جيدة، كما تساءل ترامب: لماذا يتم تعيين شخص بهذا الراتب المرتفع إذا لم يكن يملك أي خبرة سابقة بالغاز أو بهذا النوع من الشركات، ولا يتمتع إلا بميزة واحدة وهي أنه ابن نائب رئيس الولايات المتحدة.

 

ارتباط بايدن بميراث أوباما قد يشكل فرصة أخرى للنيل منه، ففي مجال السياسة الخارجية هناك من يحمّل فترة أوباما مسؤولية تراجع مكانة الولايات المتحدة عالميا

 

وأضيف إلى مشاكل بايدن ما قالته المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس خلال مناظرة انتخابية، بأن بايدن عندما كان نائبا عن ديلاوير في السبعينيات عارض قانونا يسمح بنقل الطلاب السود من أحيائهم إلى مدارس في أحياء البيض في محاولة لإنهاء التمييز العنصري في المدارس، كما قال بايدن في يونيو عام 2019 إن علاقات حضارية جمعته مع نائبين ديمقراطيين راحلين رغم أن هذين النائبين معروفين بدعمهما للفصل العنصري في جنوب الولايات المتحدة، واعتذر بايدن فيما بعد عن ذلك وقال “لم أكن على اتفاق معهما حول الكثير من القضايا لكننا أنجزنا سوية بعض الأمور”، مما قد يعطي لمنتقديه الفرصة لاتهامه بأن مواقفه في الماضي لم تكن قوية بما يكفي في موضوع العنصرية.

 

كما أن ارتباط بايدن بميراث أوباما قد يشكل فرصة أخرى للنيل منه، ففي مجال السياسة الخارجية هناك من يحمّل فترة أوباما مسؤولية تراجع مكانة الولايات المتحدة عالميا، وفي الداخل الأميركي هناك من اتّهم أوباما بالضعف والتردد واقتصار براعته على ارتجال الخطابات، خصوصا أن بايدن لم يكن نائب رئيس على درجة من الاستقلالية أو التميّز بل اكتفى لمدة ثماني سنوات بلعب دور ظل أوباما.

 

ويبدو أن بايدن لم ينجح حتى الآن بإقناع قسم كبير من الأميركيين بمؤهّلاته، فقد صرّح أكثر من 55 في المئة من الذين قالوا إنهم سينتخبونه أن سبب اختيارهم له هو لإظهار معارضتهم لترامب وليس لانتخابه شخصيا، بينما قال 80 في المئة من الذين سينتخبون ترامب إن السبب في ذلك هو تأييدهم له، أي أن الانتخابات المقبلة ستكون بين مؤيدي ترامب ومعارضيه دون أن ينال بايدن الاهتمام المطلوب، وفي هذه الحالة قد لا يكون عند ناخبيه ما يكفي من الحماس للتوجه إلى مراكز الاقتراع والانتظار لساعات طويلة للإدلاء بأصواتهم. وإذا ما حصل ذلك، وفاز ترامب بالانتخابات، فإن استطلاعات الرأي ستتلقى ضربة قاسية لقيمتها وثقة الناس بها، وهي ضربة ستكون أقوى من ضربة 2016، خصوصا أنها تعطي حاليا بايدن تفوقا واضحا على ترامب، ولذلك لا بد من انتظار يوم الانتخابات لمعرفة إن كان جو بايدن سينضم إلى آل غور، وجون كيري وهيلاري كلينتون الذين لم يستطيعوا الفوز على مرشحين جمهوريين أقل خبرة منهم، أم أنه سيتوّج مسيرته السياسية الطويلة بفوزه في أقوى منصب في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى