تأبين الأديب الأردني الراحل “نازك ضمرة”
النشرة الدولية –
أقام «ديوان الهريس الثقافي» حفل تأبين، عن بعد، للأديب الراحل نازك ضمرة، يوم الاثنين الماضي، بمشاركة النقاد والأدباء: د. زياد أبو لبن، ومحمد المشايخ، وهيام ضمرة، وفوزي الخطبا، ومحمد أبو رياش، ود. رائد الحاج، إضافة إلى رئيس الديوان الشاعر نايف الهريس.
أولى المشاركات في الفعالية كانت للناقد الدكتور زياد أبو لبن، من خلال مداخلة قال فيها: «أتحدث عن جانبين في شخصية الراحل نازك ضمرة، الجانب الإنساني والجانب الإبداعي، فالجانب الإنساني محمّل بأحاسيس ومشاعر دفاقة، فقد يبكيه أي موقف إنساني مؤلم، فهو رقيق الحس والشعور، إلى جانب أنه زاهد في الحياة لم يبحث عن شهرة أو مجد يبتغيه، كان متواضعاً محباً لأصدقائه، ويتواصل معهم في مختلف الأقطار في العالم، وعطوفاً على أسرته. أما الجانب الإبداعي فقد كتب في الرواية والقصة القصيرة وأدب الأطفال، وكتب مقالات كثيرة يتوقف عند كتاب قرأه أو عند ظاهرة لفتت انتباهه أو ما يجول في خاطره من أفكار، وقد تأثر في كتاباته السردية بالآداب الغربية، فقراءاته المتعددة في تلك الآداب انعكست على أسلوبه في سرد الأحداث، كما أن شخصياته حالمة بعالم جديد، أكثر اتسعاً مما هو في الواقع المرّ، وقد تجد شخصيته تتماهى مع شخصيات رواياته، فقد قدّم للمكتبة العربية 13 كتاباً ما بين رواية وقصة قصيرة وقصة أو حكاية للأطفال، هذا العالم يمور بالأحداث الشائكة التي تأخذ بُعداً إنسانياً، وأظن أن ما كتبه للأطفال يستحق الوقوف عليه لما يمثله من قيم اجتماعية».
تاليا كانت المشاركة للناقد محمد المشايخ، حيث قال: أضفى نازك ضمرة على روايته المخطوطة(رجال في حياتها) بعدا أسطوريا، وأحدث فيها تداخلا بين عدد من الأجناس الأدبية، ولا سيما المتواليات القصصية، ولطالما أورد فيها قصة داخل قصة، وأدب الاعترافات، لا سيما وأن بطلتها قالت في الرواية ما لم يقله جان جاك روسو في اعترافاته، وأدب المذكرات، وأدب المخيمات،وأحدث أيضا تماسا مع الأقانيم الثلاثة (الدين، والسياسة، والجنس)، وكان قريبا جدا من الرواية السيكولوجية، ومن أسلوب وجهات نظر الشخصيات، عدا عما بثه في الرواية من مونولوجات داخلية، ومن مؤثرات خارجية بدت من خلال تقنية الحوار الصحفي مع البطلة، ومن خلال استضافة تلك البطلة لقارئة الفنجان. هذه رواية أبدت سعة ثقافة الأديب نازك ضمرة، وحجم خبراته وتجاربه في الحياة، عدا عن موهبته الفذة، التي أبدعت هذه الرواية، التي جعلتنا نقضي أوقاتا سعيدة ونحن نطالع كيفية انتصار الخير على الشر».
وشاركت الأديبة هيام ضمرة، رئيسة جمعية سماء الثقافة، بكلمة وجدانية خاطبت فيها الراحل وقالت فيها: «من قرية (بيت سيرا) في فلسطين بدأت رحلة الاغتراب غير هياب ولا متردد، ليحملَك الحلمُ شاباً غضاً نحو المملكة العربية السعودية، لتعمل بكادر التدريس الذي له كنت تهيأت، وتتزوج وتكوِّن أسرتك دون أن تفقد همتك للدراسة الأكاديمية بالمحاسبة، فواظبت بذات الجد، وبذات الجدِّية أخذك قرار الارتقاء إلى الدراسات العليا متجهاً لتحصيلها نحو الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن حصلت على درجة الماجستير في الإدارة العامة، جامعاً بين العمل والدراسة فيما أسرتك بكنفك، كنت كالمجاهد العنيد لا تعترف بنتيجة إلا بالنصر. وعدتَ بعد لأيٍّ من زمن إلى الربوع الأردنية التي تحب، لتعاود مراسم عيشك مع اليراع الأدبي خلال سنيِّ التقاعد، وقد منحك التقاعد الوقت الكافي من التفرغ لمسكوب اليراع، فعكفت على أوراقك تملأها من كل لون أدبي بما تملكه من جودة الاحتراف.. هكذا عرفناك أديباً وفياً لعمان تأتيها لهفة لتنتشل الحنين وشوق السنين..».
من جانبه قدم الناقد فوزي الخطبا إضاءة حول تجربة الراحل الإبداعية، قال فيها: «الحديث عن الأديب الأردني الراحل نازك ضمرة يطول؛ لأنه متعدد المواهب والقدرات، الشاعر والروائي والقاص والمترجم والناقد وكاتب المقالة السياسية والاجتماعية وكاتب أدب الأطفال، وقد فصلت هذا كله في كتابي الموسوم (نازك ضمرة.. الأديب الإنسان)».
وأضاف الخطبا: «لقد كتب نازك ضمرة الرواية وأجاد فيها، وبرزت قدرة الروائي ومهاراته العالية في هذا الفن الروائي الراقي ورسوخه فيه بأبعاده الإنسانية وتشكلاته الفنية الكبيرة. وقد كتب نازك ضمرة القصة القصيرة بذكاء وحرفية ومهارة وإتقان وقدرة فائقة على التغلل في أعماق الشخصية التي يكتب عنها. أما في مجال الترجمة أبدع فيها وكان متمكناً من الإجادة والكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، وترجم روائع من الأدب الإنجليزي في الشعر والقصة والرواية والمقالة النقدية. لقد ترك نازك ضمرة أكثر من عشرين عملا إبداعيا بين مطبوع ومخطوط سنقوم بنشرها».
الأديب محمد أبو رياش شارك بكلمة وجدانية عن علاقته بالراحل، قبل أن يقرأ قصيدة جاء فيها: «يبكي عليك الحرف يا من صغته/ ونظمت منه قلائدا وعقودا/ وجعلت منه لهيب جمر حارق/ يكوي لأعداء السلام جلودا/ هذي فلسطين التي أحببتها/ ترثيك يا أسد الحروف عقودا/ فلكم نقشت حروفكم في عشقها/ وجعلت من درر الكلام وقودا/ كم كنت تحلم أن تعانق تربها/ وعليه تهوي في الصلاة سجودا/ ننعاك يا أسد الحروف وشيخها/ وعليك ننزف أضلعا ووريدا/ يا رب صبرنا على فقدانه/ واجعل له مسك الجنان صعيدا..».
وكان الشاعر نايف عبد الله الهريس، رئيس الديوان، قدم كلمة أكد خلالها مكانة الأديب الراحل في الوجدان الثقافي، وهو الذي كان أحد رواد الديوان، إذ شارك في غير فعالية من الفعاليات التي أقيمت في مقر الديوان في منطقة الهاشمي الشمالي في عمان قبل جائحة (كورونا)، ولافتا النظر إلى أن الأديب ضمرة سيبقى من خلال أعماله حاضرا في الوجدان الثقافي الأردني والعربي.
ضمرة نفسه كان رحل نهاية حزيران الماضي، في الولايات المتحدة الأميركية، عن عمر تجاوز 80 عاما بعد معاناة مع المرض. ويعد الراحل واحدا من الأدباء الذين تميزوا بمشروعهم الإبداعي من خلال مساهمته بإثراء المكتبة العربية بأعمال أدبية في القصة القصيرة والرواية والنقد، والكتابة للأطفال، والترجمة، وثق من خلالها لكثير من الأحداث التي جرت بالعالم العربي.