عن جدوى التعاون اللبناني العراقي: النفط مقابل أوهام؟!* عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
بعيداً من خلفية ومدى صوابية الانفتاح شرقاً، وعما يمكن أن تُخفيه العلاقات اللبنانية العراقية من تعاون اقتصادي لبناني إيراني خلف ستارها، رب سؤال عن الجدوى الحقيقية للتعاون الاقتصادي الثنائي بين لبنان والعراق، البلدين المشوّهَين اقتصادياً، مع الفارق الكبير بحجم وعمق الندوب بين الاقتصادين؟ وهل من مقومات حقيقية يمكن البناء عليها لتعاون اقتصادي ثنائي قريب؟
ما إن أعطت الحكومة اللبنانية الضوء الأخضر للتعاون الاقتصادي مع العراق، حتى حطّ وفد عراقي في بيروت، مادّاً يده للتعاون، على الرغم من الانهيار الحاصل في لبنان على مختلف الصعد. بحث الجانبان في لقاءات معلنة وأخرى سرّية في جوانب التعاون المحتمل، ومن بينها تبادل النفط العراقي بالمواد الزراعية والصناعات الغذائية والطبابة اللبنانية وقطاع التعليم، وهو ما رحّب به الوفد العراقي.
اتفاقات مُبهمة
وفي حين يتحفّظ الناطق باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد عن الخوض في تفاصيل الملفات، التي يتم البحث فيها بين الجانبين اللبناني والعراقي، ويصر في حديثه إلى “المدن” على ترقّب التوصل إلى صيغة نهائية لآلية التعاون، يصف الخبير النفطي العراقي حمزة الجواهري أن ملف التفاوض بين الحكومتين اللبنانية والعراقية على التعاون الاقتصادي خصوصاً النفطي، بالـ”مُبهم والمُحاط بالعديد من علامات الاستفهام”. فالجهات الرسمية العراقية لم تكشف بشكل واضح عن هدف زيارة وفد يمثلها إلى لبنان، ومنحى المفاوضات مع الجانب اللبناني.
ويفنّد الخبير العراقي في حديثه إلى “المدن” مجالات التعاون المحتمل، والتي وُضعت على طاولة البحث بين الجانبين. فيرى أن استيراد العراق للمنتجات الزراعية اللبنانية لا يمكن أن يُحدث أي تقدم في العلاقات، كون العراق حقّق اكتفاء ذاتياً في مجال الإنتاج الزراعي، باستثناء عدد قليل من المنتجات، منها ما يتم استيراده من لبنان كالحامض والتفاح. مستغرباً الحديث عن تصدير النفط العراقي واستيراد منتجات زراعية وغذائية من لبنان.
الفيول مقابل ماذا؟
وبالنسبة إلى المشتقات النفطية، فهي تشكّل حاجة ماسة لدى لبنان كونه بلداً مستورداً للنفط. ومن المنطقي أن يتّجه إلى إحدى الدول المصدّرة للنفط كالعراق، وهذا أمر جيد. لكن العراق الغني بالنفط الأسود (أو الفيول أويل) يعاني نقصاً في المشتقات النفطية، خصوصاً بالجازولين (وقود السيارات) والديزل (المازوت) ويستورد تلك المواد من الخارج لسد النقص لديه.
ويتمتع العراق بفائض من النفط الأسود (أو الفيول أويل) وبالنفثا، وهي مادة تحتاج إلى المعالجة قبل الاستخدام. ولبنان يفتقد للمنشآت المتخصصة بمعالجة مادة النفثا، يقول الجواهري. أما لجهة مساعدة لبنان في عملية انتاج الغاز والنفط “فلا اعتقد أن العراق يمكنه ذلك تقنياً، خصوصاً أنه يفتقد إلى الخبرات اللازمة في هذا الإطار”.
حاجة لبنان للفيول العراقي تستحق البحث في شراكات وتبادل تجاري، غير أن استيراد العراق من لبنان يعد معضلة، في ظل حاجة العراق إلى صناعات وخدمات يصعب على لبنان تأمينها في وضعه الحالي، لاسيما لجهة الطبابة والاستشفاء. وهو أمر تم طرحه بين الجانبين خلال البحث في عملية التبادل اللبناني العراقي.
أزمة استشفاء
ولا شك أن المستشفيات اللبنانية كانت ولا تزال مقصداً للمرضى العراقيين، لكن كيف يمكن أن تقدّم الدولة اللبنانية تسهيلات أو تخفيضات للخدمات الطبية والإستشفائية في مستشفيات تعجز عن سداد ديونها المتراكمة لسنوات، والتي فاقت مستوى 2000 مليار ليرة. هذا لجهة المستشفيات اللبنانية الخاصة، أما المستشفيات الحكومية فوضعها أكثر سوءاً. إذ تعاني إهمالاً وتهميشاً من الدولة على مدى عقود، ولا يمكن التعويل أو المراهنة على خدماتها الاستشفائية.
يبقى الأمل بقطاع التصنيع الغذائي اللبناني، واستثماره في العراق، بحيث يحتاج الأخير إلى تلك الاستثمارات. لكن هل لدى المستثمر اللبناني القدرة والنيّة على الخوض في تجارب جديدة للاستثمار في العراق، في حين أن قضية أموال الصناعيين اللبنانيين في العراق العائدة إلى الأعوام المحيطة بالعام 2003 لم تأخذ طريقها إلى الحل كما كان مأمولاً؟ وهل يمكن أن يشكّل الاستثمار بالصناعات الغذائية في العراق عنصراً كافياً لاستيراد الفيول من العراق؟
عدم التكافؤ بين الحاجات والإمكانات بين لبنان والعراق، يثير الكثير من التساؤلات حول الهدف من إنعاش العلاقات بين الطرفين، وعن مدى وقوف إيران وراء عملية الإنعاش.