فيسبوك مسدس غير مرخص في أيدي 2.6 مليار مستخدم* كرم نعمة

النشرة الدولية –

مع المقاطعة المعلنة من بعض أكبر العلامات التجارية في العالم لفيسبوك بسبب رفض الشركة حظر المحتوى العنصري والعنيف، أعيد الكلام عن “المسدس غير المرخص”! باعتبار فيسبوك أداة للقتل المعنوي والأخلاقي بيد عناصر أكبر شعب في دولة رقمية على مرّ التاريخ، ومن يدري عندما يتحول ذلك القتل المعنوي إلى حقيقي، ويكون بمقدور المستخدمين إرسال شحنة كهربائية عبر الأجهزة الرقمية تقتل الآخر لمجرد خلاف في الرأي أو كراهية! من يدري فما كان صعبا على التخيل في الماضي، صار واقعا تكنولوجيا محسوسا اليوم.

 

رفعت المعاول منذ زمن في وجه فيسبوك مطالبة بهدم المعبد على مشيديه، واليوم تمتلك كبرى العلامات التجارية وصفة سحرية لقطع أموال الإعلانات عنه، إن لم تراقب شركة فيسبوك المحتوى العنصري والتشهير والكراهية المتصاعدة، إلا أن عناد مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ، يوغل في الغطرسة كعادته وهذه المرة يعبر عن ثقة مفرطة بأن المقاطعين سيعودون بقوله “لن نغير سياساتنا بسبب تهديد نسبة صغيرة من عائداتنا”. بينما الواقع أن عدد الشركات المقاطعة لفيسبوك في تزايد، فيما تقوم في الوقت نفسه عشرات الجمعيات الأخرى بمراجعة كيفية قيام فيسبوك بتقليل خطاب الكراهية على المنصة الأشهر في العالم.

 

ويتوقع أن توصي كبرى المؤسسات الخيرية في بريطانيا بالتغييرات التي يجب على مواقع التواصل الاجتماعي إجراؤها خصوصا بعد الاجتماع المخيب للآمال بين ممثلي تلك المؤسسات وإدارة فيسبوك بما فيهم زوكربيرغ هذا الأسبوع، معلنة أنها لن تتسامح مع أصوات التمييز والكراهية والتشهير، فقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات تجعل منصات التواصل أكثر شمولا، ومكانا للنقاش، وليس للكراهية.

 

وهو أمر من الأهمية بمكان مما دفع صحيفة الغارديان البريطانية إلى تخصيص افتتاحيتها الأسبوع الماضي، منبهة من الخطر الحقيقي الذي يداهم الديمقراطية، فكل نقاش سياسي منذ أن بدأت فيسبوك بالسيطرة على الديمقراطية وضع عملاق التواصل الاجتماعي نفسه في الجانب الخطأ من التاريخ، وأصبح نافذة لبث العنف والكراهية والعنصرية.

 

وتعبر الصحيفة عن تشاؤمها من إمكانية إصلاح فيسبوك من الداخل “لأن نموذج عملها وربحيته يستفيدان ويزدهران مع إثارة الجدل ومع تفشي الغث من الأخبار”.

 

وتعتمد فيسبوك على جمع البيانات الشخصية للمستخدمين حتى يتم استهدافهم بمحتوى يوافق أمزجتهم، ويزدهر مع دفع الناس للتراشق والشجار والتشهير والسب، لأن هذا السجال الدائم يضمن بقاءهم كمستخدمين لخدماتها، وبينما قد لا يكون ذلك نافعا للمجتمع، تحقق فيسبوك من خلاله أرباحا ضخمة.

 

وتحذر الغارديان من عدم الإشراف على محتوى فيسبوك، لأن ذلك يعني أنه سيتحول إلى مستنقع للعنصرية وكراهية النساء ونظريات المؤامرة.

 

الواقع إن فيسبوك اليوم هي دولة عظمى مارقة خارج نطاق السيطرة، فإذا كانت مقاطعة كبرى العلامات التجارية الإعلان على فيسبوك، لا تخيف زوكربيرغ، فمن يمكنه محاسبة منصات وسائل التواصل الاجتماعي؟

 

زوكربيرغ أقوى بكثير من كيم جونغ أون زوكربيرغ أقوى بكثير من كيم جونغ أون

 

تتساءل كارول كادوالادر الكاتبة المهتمة بالمستقبليات في صحيفة أوبزيرفر البريطانية، من دون أن تترد بتشبيه فيسبوك بكوريا الشمالية! معتقدة عدم وجود قوة على هذه الأرض قادرة على محاسبة فيسبوك “لا توجد هيئة تشريعية، ولا وكالة لإنفاذ القانون، ولا منظمة، لقد فشل الاتحاد الأوروبي من قبل كما فشل الكونغرس الأميركي عندما فرضت لجنة التجارة الفيدرالية غرامة قياسية بقيمة 5 مليارات دولار على شركة فيسبوك لدورها في فضيحة كامبريدج أناليتيكا، وهي غرامة على ضخامتها ساهمت بشكل معكوس في ارتفاع سعر أسهم فيسبوك”.

 

لذلك يعتبر الناقمون على فيسبوك من المحللين والخبراء، بما في ذلك الدول، مقاطعة كبرى الشركات لفيسبوك لحظة مثيرة للاهتمام، وربما تاريخية، لأن نضوب أموال الإعلان سيكون الشيء الوحيد القادر على إنهاء غطرسة زوكربيرغ وشركته.

 

لكن ماذا إذا فشلت تلك المقاطعة؟ ربما ستظهر حينها شركة فيسبوك جبروتا لم يشهده التاريخ.

 

الشواهد وكلها قريبة، أظهرت أن فيسبوك أسهمت في التأثير بانتخاب رئيس أقوى دولة في العالم، كما بثت مذبحة حية بين الأبرياء في نيوزيلندا إلى الملايين حول العالم، وساعدت في التحريض على إبادة جماعية في أكثر من دولة شهدت حروبا.

 

وسبق وأن أظهر تقرير للأمم المتحدة أن استخدام فيسبوك لعب “دورا حاسما” في التحريض على الكراهية والعنف ضد مسلمي الروهيـنغا في ميانمار، التي شهدت مقتل عشرات الآلاف وفرار مـئات الآلاف من ديارهم.

 

لذلك لا يمكن اعتبار فيسبوك مرآة للأشخاص كما زعم نيك كليغ الذي هو بمثابة وزير خارجية فيسبوك، بقوله “فيـسبوك منصة أشـبه بمرآة للمـجتمع”، بل إنها مسدس غير مرخص وخارج نطاق السيطرة، وفي أيـدي 2.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، وزناده مخترق من قبل عملاء سريين يعملون لصالح الدول، مع ذلك يعيش مارك زوكربيرغ حياته الطبيعية في وادي السليكون باعتباره صانع القرار الوحيد في شركة لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل.

 

ترفض كادوالادر التشبيه التقليدي لحجم فيسبوك بالصين باعتبارها دولة افتراضية يسكنها أكثر من ملياري مستخدم، وترى أنها أكبر من دولة مارقة وأخطر من بندقية، فيسبوك بنظر كادوالادر سلاح نووي مدمر، بيد شاب اختار ببساطة تجاهل منتقديه في جميع أنحاء العالم. وعامل طلبات الدول بوقاحة، وتشكك بكل الكلام الصادر عن فيسبوك بوضع الفلاتر للسيطرة على طبيعة الأخبار والتحكم بنوعيتها، كما لو أن شعب كوريا الشمالية قادر على العمل والتحرك خارج سيطرة الدولة!

 

وتقول إن زوكربيرغ ليس كيم جونغ أون المدجج بالصواريخ النووية العابرة للقارات، بل إنه أقوى بكثير.

 

لذلك يتعلق الأمر في النهاية بنا كمستخدمين وبطبيعة علاقتنا مع مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن نترقب وصول منقذ ما، لا من الدول والحكومات ولا من تأثير مقاطعة كبرى الشركات للإعلان على فيسبوك بغية انصياعه للقيم.

 

من المثير ان الولايات المتحدة وحدها تمتلك القدرة على قص أجنحة فيسبوك، بينما فيسبوك هي الوحيدة القادرة على إيقاف نشر دونالد ترامب للأكاذيب. تلك المفارقة تجعلنا لا ندرك اللحظات المحورية في التاريخ إلا بعد فوات الأوان. فهل فاتت على العالم السيطرة على مسدس فيسبوك غير المرخص؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى