امرأة من كل ثلاث تتعرض للعنف البدني أو الجنسي ومعاناة خاصة في مناطق النزاعات
النشرة الدولية –
انتهى زمن مشكلات سكان الكوكب البسيطة من صراعات مسلحة أو نزوح الملايين المهجرة. وولّى عهد المخاطر البسيطة التي تهدد أهل الأرض من متلازمة نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، أو الفيروسات الكبدية الوبائية أو حتى ثالوث الضغط والسكري وأمراض القلب. ودبرت سنوات الخطر الوسطي الجميل، الذي يتأرجح بين إهمال صحة المراهقات الإنجابية أو سباق الأرانب لإنجاب المزيد من الأطفال رغم تقلص الموارد أو حتى الاتجار في البشر واستغلالهم جنسياً.
اليوم يقف 7.5 بليون رجل وامرأة في يومهم السنوي العالمي متساوين متحدين متناغمين على قلب سكان كوكب واحد، حيث الجميع دون استثناء أو تفرقة معرض لفيروس واحد وعرضة لأعراض مرضية متطابقة ومؤهل إما لنجاة، أو وفاة لا تفرق بين دول عالم أول أو ثالث أو ما بينهما.
لكن حتى هذا التوحد الإنساني والتناغم الفيروسي وجد في نساء الأرض حلقة أضعف وثغرة أوسع، فقرر أن يضعهن في منزلة متقدمة من حيث كم المعاناة في ظل الجائحة وحجم المخاطر بسبب الفيروس وخطورته.
منظمات الأمم المتحدة، وعلى رأسها “صندوق الأمم المتحدة للسكان” المحتفية اليوم 11 يوليو (تموز) باليوم العالمي للسكان، اختارت النساء وكوفيد – 2019 ليكونا نجمي الاحتفاء والالتفات في عام الوباء. “صون صحة النساء والفتيات وحقوقهن بالحد من كوفيد – 19” هو عنوان الاحتفال وفي الوقت نفسه أحد مفاتيح التخفيف من حدة الأزمة.
فإذا كان الفيروس لا يفكر كثيراً قبل أن يهاجم أحدهم مفضلاً الرجال على النساء أو العكس، فإنه يُلقي بأثقال أعتى وأخطار أكبر على النساء والفتيات. وإذا كان الفيروس كبد الجميع خسائر فادحة من حيث معيشتهم وشؤون مجتمعاتهم واقتصاد بلدانهم، فإن التأثير يبقى متفاوتاً بحسب النوع. لقد حافظت النساء والفتيات على مكانة الصدارة.
والصدارة مستحقة، فهيمنة النساء على مجال العاملين الصحيين الأكثر عرضة للمخاطر. والاعتماد شبه الكلي على النساء في تنظيم الأسر “منع الحمل”، جعلهن أكثر عرضة لمخاطر الحمل غير المرغوب فيه في ظل قلة توريد موانع الحمل بسبب القيود التي فرضها الوباء. وتوجه طاقة النظم الصحية نحو التعامل مع الوباء همّش تماماً خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. وانقلاب الظروف المعيشية وتغير الأحوال الاجتماعية زاد من نسب العنف القائم على النوع بشكل غير مسبوق.
سبق وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مارس (آذار) الماضي نداء إلى العالم لـ”وقف إطلاق النار”، بعدما تبين جنون الحروب في ظل الفيروس.
قال غوتيريش إن العالم يواجه عدواً مشتركاً هو فيروس كوفيد-19 الذي يهاجم الجميع بلا هوادة، ولا يأبه بأصل عرقي أو جنسية أو فصيل أو دين. ورغم ذلك تبقى النزاعات المسلحة مشتعلة في مناطق عدة بالعالم. وأشار غوتيريش إلى أن النساء والفتيات يبقين هن الأكثر دفعاً لثمن النزاعات الباهظ، ومعهن الأطفال وذوو الإعاقة والمهمشون والمشردون، “لأن هؤلاء هم الأكثر ضعفاً”.
وذكّر غوتيريش العالم بأن هؤلاء يدفعون ثمن انهيار النظم الصحية في الدول التي دمرتها الحروب، وأن اللاجئين واللاجئات معرضون للخطر بشكل مضاعف، داعياً الجميع إلى وضع حد لمرض الحرب ومحاربة المرض الذي يعصف بالكوكب، ووضع مشاعر العداء وعدم الثقة جانباً مع إخراس المدافع وإيقاف الغارات لإنشاء ممرات لإيصال المساعدات المنقذة للحياة، وفتح نوافذ ثمينة لحل النزاعات دبلوماسياً، وجلب شعاع أمل إلى حيث تعيش الفئات الأكثر ضعفاً إزاء فيروس كورونا.
وإزاء استمرار تأزم الوضع على ظهر الأرض جراء عناد الفيروس وإصراره على حصد الأرواح وتهديد السكان ومعه إصرار البعض على المضي قدماً على صعيد الحرب وحمل السلاح، جددت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان ناتاليا كاينم، اليوم، الإشارة إلى دعوة الأمين العام لوقف إطلاق النار.
وقالت في مناسبة اليوم العالمي للسكان المخصص للنساء والفتيات في ظل كورونا، إن السلام يبدأ في منازلنا، لا سيما فيما يختص بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. واعتبرت كاينم العنف القائم على النوع جائحة موازية لجائحة فيروس كورونا، لا سيما أن امرأة من بين كل ثلاث نساء تتعرض للعنف البدني أو الجنسي في حياتها.
وأضافت، “الآن ومع ارتفاع عدد البلدان التي فرضت إغلاقاً كاملاً وزيادة التوترات الأسرية، تفاقم العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي تزيد وطأته بتهميش خدمات الصحة الجنسية والإنجابية حيث تم توجيه طاقات النظم الصحية لمواجهة فيروس كورونا”.
يضاف إلى كل ما سبق من أخطار تتعرض لها النساء والفتيات في زمن كورونا، تلك الفئة التي تعمل في أسواق العمل الخطرة، فنحو 60 في المئة من النساء في العالم يعملن في الاقتصاد غير الرسمي، ما يجعلهن عرضة لمخاطر الوقوع في براثن الفقر. وبسبب إغلاق المدارس وزيادة احتياجات كبار السن، تفاقم حجم الأعمال التي تمارسها النساء بدون أجر ما يهدد صحتهن الجسدية والنفسية.
دراسة الوضع ومتابعة ما يجري على الأرض من قِبل صندوق الأمم المتحدة للسكان على مدار ستة أشهر من عمر تفشي الفيروس أشار إلى توقعات بعدم قدرة نحو 47 مليون امرأة في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل على الحصول على وسائل منع الحمل الحديثة. كما توقعت أن يصل عدد حالات الحمل غير المرغوب إلى سبعة ملايين حالة، بالإضافة إلى تقدير عدد حالات العنف القائم على النوع والمتأجج بسبب الفيروس وتوتراته الاجتماعية والأسرية بنحو 31 مليون حالة إضافية.
كما أشار الصندوق إلى أن قيود الفيروس ستؤدي إلى زيادة وتيرة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) متوقعة حدوث مليوني عملية تشويه، بالإضافة إلى حدوث 13 مليون زيجة أطفال في العقد المقبل كآثار اقتصادية واجتماعية ناجمة عن الوباء.
وتوقعت مديرة الصندوق السيدة ناتاليا كاينم أن يؤدي فيروس كورونا إلى إعاقة المجهودات العالمية المبذولة لتحقيق “الأصفار” الثلاثة؛ صفر احتياجات غير ملباة لتنظيم الأسرة، صفر وفيات أمهات يمكن تجنبها، وصفر عنف قائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة ضد النساء والفتيات بحلول عام 2030.
يشار إلى أن صندوق الأمم المتحدة للسكان حذر قبل أيام من أن الوباء يُلقي بظلال بالغة الخطورة على شرائح بعينها في المجتمعات العربية، لا سيما النساء والنازحين والنازحات والمهاجرين والمهاجرات واللاجئين واللاجئات وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة.
وحذر الصندوق من تفاقم خطر التهميش بفعل الوباء وتعرض هذه الفئات لقدر أكبر من الخطر المميت. وشدد على الفئات التي تواجه أشكالاً متداخلة من التمييز، بما في ذلك التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعمر والإعاقة والوضع القانوني للمهاجرين والمهاجرات واللاجئين واللاجئات والجنسية والعرق والظروف الصحية والأصول الجغرافية والوضع الاجتماعي والاقتصادي. ومعروف أن هذه الفئات هي الأقل قدرة على الوصول إلى أنظمة المراقبة والإنذار المبكر والخدمات الصحية الفعالة، وهو ما يحدث بسبب كورونا حالياً.
والفئات الأكثر عرضة لخطر العواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تفشي الوباء هي: القوى العاملة في الاقتصاد غير الرسمي، وسكان المناطق المعرضة للصراعات والأزمات الإنسانية، والفئات التي تعاني قلة الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والاقتصادية أو الدعم المجتمعي أو التأثير السياسي، وذوو القدرات والفرص المحدودة للتكيف والتعافي، الفئات معدومة أو الأقل قدرة على الوصول إلى التكنولوجيا والبنى التحتية العامة، وسكان المخيمات أو أماكن الاستيطان غير الرسمية والوحدات السكنية المكتظة، وسكان المجتمعات المضيفة دون تصاريح إقامة رسمية؛ والسجناء، الفئات المعتمدة كلياً على خدمات الحماية وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، والفئات التي تعاني أصلاً العنف والتمييز.
ومن عنف وتمييز في الأيام العادية إلى عنف مضاعف وتمييز مكثف في الأيام غير العادية في كنف كورونا تمضي النساء قدماً في مسيرتهن المعتادة من معاناة عادية إلى معاناة “إس 2”. ولذلك فإنه يجدر أن يلتفت العالم في اليوم العالمي للسكان هذا العام إلى حالات استضعاف النساء والفتيات واحتياجاتهن خلال الوباء. كما يجدر النظر إلى حماية الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية وإنهاء جائحة العنف القائم على النوع الموازية التي هي أمر ضروري في هذا الوقت الصعب.
نقلاً عن اندبندنت عربية