لا شيء يجعلنا نحلق عاليا فوق خراب أرواحنا مثل السينما
ريم قمري
النشرة الدولية –
إنها النافذة الوحيدة التى نفتحها بكل وعي عن العالم، فيتسرب منها نور قوي يخترق ظلام واقعنا ثم يبتلعنا في عالم من ألوان و أصوات و موسيقى .
قررت منذ البارحة إذا ان أفتح بل اشرع نافذتي اليومية على السينما، أبدأ يومي بقهوة ساخنة و سيجارة، ثم اركب سيارتي و اقودها ذهابا للعمل، حين أصل مكتبي، أرتب ملفاتي اليومية حسب أولويات العمل، اعدل جلستي بحيث يكون كل ما احتاجه للعمل متوفرا قربي؛ لا انسى حتى قارورة الماء.
ثم اشغل برنامج” النتفليكس” على موبايلي، اثبت السماعات، أختار في قائمة الأفلام المقترحة، و انفصل تماما في عالمي عن بقية زملائي في العمل.
و عادة لا أختار الفيلم مسبقا، أحب ان أقوم بذلك في اللحظة التى اثبت فيها السماعات، أحس أني بذلك اترك الفيلم يختارني هو ايضا، عادة يكون في الاختيار الكثير من الحب، اي ان الأفلام التى اختارها، و تختارني تترك اثرا كبيرا داخلي، مثل الأثر الذي يتركه فينا الحب من أول نظرة، و يتحول على دفعات الى عشق حقيقي.
اليوم بعد أن أنجزت كل طقوسي المعتادة، كنت على موعد مع فيلم أمريكي من بطولة الجميلة و المختلفة “جوليا روبرتز”
الفيلم يتحدث عن امرأة كاتبة تعيش في نيورك، اكتشفت بعد ثماني سنوات من الزواج، انها لم تعد قادرة على تحمل حياتها بما فيها زواجها و علاقاتها بالأصدقاء و المكان، اصبحت تحس فراغا روحيا رهيبا، سيقودها طريقها نحو عراف بوذي من اندونيسيا، سيخبرها انها ستسافر طويلا و ستعثر على الحب، تسوء أكثر علاقتها بواقعها تطلب الطلاق، تتعرف على شب لكنها تفشل في حبه، تقرر السفر لمدة سنة، تختار ايطاليا و منها للهند لتخوض تجربة التأمل البوذي او التأمل الروحي la méditation
في محاولة منها للبحث عن ذاتها، و الوصول الى تحقيق توازن روحي و نفسي، تخوض تجارب حسية و روحية هامة، و تختم سفرتها بالذهاب لاندونيسيا، لتتلمذ على يد العراف الذي قابلته منذ شهور بنيورك، و هناك تعثر على الحب و تتحرر اخيرا من مخاوفها و أعبائها.
الفيلم رائع في جملة الأفكار التى يعرضها، و قدرة جوليا روبرتز على تقمص الدور و أدائها المميز.
اكملت الفيلم بشحنة عاطفية كبيرة، أحسست أني كنت بشكل ما البطلة في الفيلم ” ليزا” بكل ما يعتمل داخلها من مشاعر و احاسيس، و خيبات و جراح كبيرة.
ما معني ان نصل في مرحلة عمرية معينة، الى ذلك الإحساس الرهيب بالفراغ من الداخل، فراغ لا يمكن تجاوزه بوجود العائلة، او حتى بوجود حبيب او زوج، ذلك الخوف من الوحدة و من ان يخذلنا الآخر، الاحساس باللفظ، و الخوف من الانكسار، يجعلنا احيانا نقبل بأنصاف علاقات، و بوهم الحب ، نتمسك بالاخر ليس حبا لكن خوفا من ان نبقي وحيدين.
ثم هذا العالم الاستهلاكي المغرق في الروتين و الرتابة، نتحرك داخله مثل دمى متحركة، و ندور حول أنفسنا نأكل منها، و ننتهي مثل اغراب يتقاسمون ذات الفضاء، دون احساس حقيقي بالانتماء.
احلم كثيرا بالسفر، بأن أملك القدرة على ان لا أفعل شيء في الحياة غير السفر، و الدخول في تجارب حياتية و روحية و ثقافية مختلفة ، أن اتحرر من حاجتي لأن أجد رجلا قربي و اتوهم انه يحبني و اني اعشقه، أريد حبا يأتي حين اتحرر من حاجتي للحب.
أوقفت السيارة على جانب الطريق و أغمضت عيني، و بدأت أحاول القيام بتأمل روحي، متخيلة انى في بالي، و قد تخلصت من مشاكلي اامالية التافهة، و من ذكرى آخر رجل أحببته و خذلني بشكل ما أزال عاجزة عن استيعابه، من كل ما يربطني بواقعي البومي التافه.
بدأت أصوات السيارات تختفي، و الصور تصبح باهته أكثر فأكثر فأكثر.