محمد نوح والعنصرية الإسلامية* تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
ابتداء ومنعا لأي تفسير أو تأويل لتعليقي هذا على ما ورد على لسان الوزير الأردني السابق والنائب الحالي محمد نوح، أقرّ أن لدي رابطة معرفة بعيدة بالرجل، جذورها ممتدة إلى علاقة جده الشيخ علي السلمان القضاة بوالدي رحمهما الله، حيث درس الاثنان في بدايات القرن الماضي بنفس المعهد الشرعي في دمشق، وقد انتقلت هذه العلاقة فيما بعد إلى الأبناء، حيث ارتبط أشقائي الكبار بعلاقات تقدير واحترام بالمرحوم الدكتور الشيخ نوح علي السلمان، الذي كان علما من أعلام الفكر الإسلامي في الأردن، حيث عمل مفتيا للقوات المسلحة الأردنية، وقاضيا للقضاة، قبل أن يصبح سفيرا للأردن في إيران، ومستشارا معارا في الإمارات، حيث أسهم في إعداد قانون الأحوال الشخصية الإماراتي.
وحتى وفاة الشيخ نوح رحمه الله في العام 2010، لم يكن لنجله محمد نوح، حضور في الساحة الثقافية الأردنية، لكن الأوساط السياسية الرسمية والفكرية، عرفته بعد أن أصبح في العام 2011 وزيرا للشباب ثم وزيرا للأوقاف، قبل أن يترشح في العام 2016 للانتخابات البرلمانية، حيث فاز فوزا كاسحا، محققا أعلى الأصوات بين كافة أعضاء الندوة البرلمانية في تلك الدورة.
ومنذ ذلك الوقت، كان محمد نوح ينشط في مجال الدعوة، وعرفته الأوساط الأردنية والعربية كداعية إسلامي شاب، استنسخ بجدارة، تجربة من أطلق عليهم لقب الدعاة الجدد، كعمرو خالد ومصطفى حسني في مصر، وشخصيات عديدة في دول أخرى من دول العالم العربي والإسلامي.
وكغيره من الدعاة الجدد، تميز محمد نوح بلغته البسيطة وتعبيراته الشعبية التي جعلته قريبا من أوساط الشباب، وجعلت طرحه مقبولا من الشرائح الاجتماعية المتوسطة التي تتركز في المدن ذات الكثافة السكانية أو في الأرياف، ليبزغ نجمه بعدها سريعا في الساحة الأردنية، مكررا في هذا تجربة الدعاة المصريين الشباب، لا من حيث القدرة على التأثير فحسب، بل في تحقيق شهرة واسعة جعلته نجما من نجوم التلفزيون، الذين تتبارى القنوات المحلية والعربية على استقطابهم.
هذه المقدمة وجدتها ضرورية، قبل تسليط الضوء على الرأي الغريب الذي ورد على لسان الداعية محمد نوح في المقابلة التلفزيونية، التي تداولتها مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، وخلص فيها إلى رأي غريب في مضمونه، وعنصري في شكله، حيث قال بلهجة واثقة، فيها شيء من غرور الشهرة والنجومية: ”إن الله جعل منا نحن العرب أصحاب فكر وهدى، وجعل من الآخرين تلامذة يهتدون بهدانا، وعليهم العمل، ليحصل التكامل ما بين فكرنا وعملهم، فيعمر الكون بشكل عام“، وإمعانا في التفسير العنصري الغريب، فإنه لم يتردد في القول، مستشهدا بالآية الكريمة: ”ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات“، كشاهد على رأيه، وتفسيره للكيفية التي توزعت فيها مهام عمارة الأرض.
ولم ينس أن يقول في مستهل تقديمه للرأي الغريب، مستنكرا: ”إن الناس تريدنا أن ننافس في صناعة القطارات والسيارات والطائرات ثم ننافس أوروبا وأمريكا“، منتهيا في استنكاره إلى أننا ما لهذا خلقنا، لأن الله لمّا خلقنا شعوبا وقبائل، جعل منا أصحاب فكر وجعل من الآخرين تلامذة يهتدون بهدينا، وعليهم العمل، فيحصل التكامل ما بين فكرنا وعملهم“.
لقد ذكرتني هذه المداخلة بما قاله النائب المحترم أثناء حملته الانتخابية قبل أربع سنوات، حيث روى دون سند معقول وبثقة غريبة، دغدغت مشاعر الناخبين في ذلك الوقت: ”إن الرسول الأكرم مرّ من قرية السخنة بضواحي مدينة الزرقاء، وإنه اختار هذه القرية ضمن محطات حملته الانتخابية لمكانتها في التراث العربي الإسلامي، وكان واضحا عندها أنه كان يتكئ على قصة مختلقة من الأساس، وغير معروفة في الوسط العلمي، ولم يظهر أي دليل على صحتها؛ لتدعيم حملته الانتخابية في الأوساط الشعبية في المنطقة، وإضفاء طابع من القداسة على حملته؛ طمعا في الفوز بمقعد البرلمان.
إنني وأنا آمل أن يجري النائب المحترم مراجعة لرأيه الجديد الغريب، لأجد أن مثل هذه المراجعة ضرورية، لا لتصحيح رأي خاطئ، بل لإعادة الثقة بالخطاب الديني، الذي بات نهبا لآراء غريبة وقصص مختلقة، تجعل من ديننا الحنيف أضحوكة يتندر بها، لا الأعداء والمغرضون فقط، بل أبناء الأمة ذاتها.
نقلاً عن موقع “إرم” الإخباري