التغطية الإعلاميّة لـ “الاحتجاجات”: إشكالات مهنيّة وتوصيات أخلاقيّة
النشرة الدولية –
أجرى “دوج ماكلويد”، أستاذ الإعلام في كليّة الصحافة والإعلام في جامعة ويسكونسن – ماديسون في الولايات المتحدة الأميركيّة، أوَّلَ بحث حول الاحتجاجات منذ ما يقارب الأربعين عاماً، عندما بدأ بتحليل كيف ساعدت وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام حول المتظاهرين الذين يتبعون الحركة “الأناركية” في المدن الأميركيّة؛ مينيابوليس، وسانت بول، ومينيسوتا، في أواخر الثمانينيّات، بحسب ما نشره موقع “أكيد”.
وبالتزامن مع الاحتجاجات التي شهدتها المدن الأميركيّة، مؤخّراً، تحت شعار “حياة السود مُهمّة” Black Lives Matter، يوفّر البحث الذي أجراه “ماكلويد” طريقة قويّة لإعادة صياغة القصص التي نرويها عن الاحتجاجات.
هنا قام “ماكلويد” بتجميع توصياته الخمس للتغطية الإعلاميّة الأخلاقيّة للاحتجاجات:
الإشكاليّة الأولى: التركيز على النخبة
ما الذي يحدث عادةً؟ غالباً ما يتم تغطية الاحتجاجات من منظور أصحاب السلطة؛ يأتي ذلك نتيجة استخدام الأشخاص لوسائل الإعلام كمصادر لمقالات حول الاحتجاجات، ومنهم؛ السياسيّون وقادة الأعمال وممثّلو المصالح العليا والأكاديميّين، ما يعكس نظرة المجتمع للاحتجاج بوصفها نظرة رأسيّة “من الأعلى إلى الأسفل” تُعزّز مصالح السلطات العليا.
التوصية: على وسائل الإعلام أن تتحدَّث إلى المتظاهرين، ليس فقط في خِضَم الاحتجاج وعند ارتفاع حدّة العواطف، بل أَخْذ وجهات نظرهم على محمل الجدّ. كما عليها أن تمنحهم صوتًا شرعيًا للحديث وإبداء الرأي والتعبير، ليس فقط أثناء الاحتجاج.
الإشكاليّة الثانية: تأطير الأحداث بعيداً عن الموضوعيّة
ما الذي يحدث عادةً؟ يتم عَرْض القصص الإخباريّة حول الاحتجاجات ببيان ما يحدث على الساحة بعيداً عن الموضوعيّة؛ إذ تستسهل وسائل الإعلام تغطية الاحتجاج وما يرافقه من أحداث بدلاً من الخوض في القضايا الأساسيّة وتفسيرات سبب ما يحدث. هذا ينطبق بشكلٍ خاصّ على القصصِ الإخباريَّةِ الصَّعبةِ (على عكس مقالات الرأي وتحليل الأخبار).
التوصية: على الصحفيّين الموازنة بين تغطية الأحداث على أرض الاحتجاج وتحليل القضايا الأساسيَّة المُسبّبة لما حدث. وعليها أن تضع السِّياق التاريخي للأحداث بالاعتبار. فمن المستحيل فهْم ما يحدث اليوم دون معالجةِ السياقاتِ التاريخيَّةِ القصيرة والطويلة المدى (على سبيل المثال، القمع العنصري، وعدم المساواة الهيكليّة، وغيرها…).
الإشكاليّة الثالثة: المتظاهرون وتأطير رجال الأمن
ما الذي يحدث عادةً؟ غالبًا ما يتم تغطية الاحتجاجات باعتبارها منافسة بين المتظاهرين ورجال الأمن، فتتمحْوَر القصّة حول المتظاهرين الذين يشاركون في أعمال تخريب، والتركيز على جهود رجال الأمن في استعادة النظام وحماية الجمهور. وهذا يُشكّل حالة “داخل/خارج المجموعة” حيث يتم تصوير المتظاهرين على أنَّهم جماعة خارجية منحرفة، في حين أنَّ البقيَّة هم من داخل المجموعة. إنَّ هذا يولّد العداء العامّ تجاه المتظاهرين كتهديدٍ خارجيّ، حيث يُنظَر إليهم على أنَّهم منحرفون، وليس كمشاركين نشطين يسعون للتغيير الاجتماعيّ.
التوصية: تذكّر أنَّ المتظاهرين هم جزءٌ من المجتمعِ وأنهم مواطنون يشاركون بمحاولة إحداث تغييرٍ اجتماعيّ إيجابيّ. سواء اتَّفق الجمهور معهم أم لا، فمِنَ المهمّ أن نراهم مواطنين نشطين يُعبّرون عن آرائهم ويحاولون إحداث تغييرات في المجتمع، وليس كمخرّبين.
الإشكاليّة الرابعة: تحجيم أعداد المتظاهرين
ما الذي يحدث عادةً؟ غالبًا ما تنجذب وسائل الإعلام الإخبارية إلى الأحداث “الدراميّة” التي يختلقُها الأشخاص. إذ يتمّ التركيز في التغطية على إظهار المشاركين في أعمال تخريبيّة مثل؛ تحطيم النوافذ، وإشعال الحرائق والنهب. غالبًا ما تُظهر التغطية التلفزيونية بشكل خاص لقطات طويلة من السيارات والمباني المحترقة، والغاز المسيل للدموع، ورمي الحجارة، وغيرها من أعمال العنف. في كثير من الأحيان، يتم تنفيذ هذه الإجراءات من قِبَل جُزءٍ صغيرٍ من المتظاهرين، أو في كثير من الحالات من قبل أشخاص ليسوا حتى جزءًا من حركة الاحتجاج على الإطلاق (كالمحرّضين أو الانتهازيّين الذين لا علاقة لهم بالحركة ولكنهم يريدون الاستفادة من فرصة المشاركة في العنف أو إتلاف الممتلكات أو السرقة).
وعندما يرى الجمهور هذه الصور يقومون بالتعميم على المتظاهرين والتشكيك في شرعيّة الاحتجاج كشكلٍ من أشكال التعبير الديمقراطيّ، ما يولّد بمرور الوقت، ازدراءً اجتماعيّاً للاحتجاج وعدم الاعتراف بفوائده الإيجابيّة.
التوصية: على وسائل الاعلام أن تعمل بافتراض مبدأ حسن النيّة عند تغطية الاحتجاجات، من مبدأ أنَّ الانخراط في الاحتجاج هو شكلٌ من أشكال التعبير الديمقراطي وعلامةٌ على ديمقراطيةٍ صحّية. كما عليها الانتباه للمتظاهرين السلميّين، والاعتراف بالمتظاهرين الذين لا يشاركون بأعمال العنف من خلال الاهتمام بهم ودوافعهم وأفعالهم.
الإشكاليّة الخامسة: عدم التعاطف مع المحتجّين
ما الذي يحدث عادةً؟ تعرض وسائل الإعلام صورةً أو مقطعاً مصوَّراً لحرق سيارة الشرطة، وهو ما قد يبدو غير مفهومٍ عند النَّظر إليه خارج سياق الاحتجاج.
وينتج العنف والتخريب عن حالة الإحباط لدى المتظاهرين الناجمة عن شعورهم بالتجاهل، يأتي ذلك على شكل مشاكل أساسيّة مثل العنصرية، وعدم المساواة، والمعاملة غير العادلة؛ وتستمر هذه المشاكل عندما يتجاهل النظام أو يضطهد فئات كاملة من الناس، ما يدفعهم إلى الاحتجاج لمحاولة جذب الانتباه وبدء التغيير.
التوصية: إذا حظي المحتجّون بالاهتمام فقط عند حدوث أعمال العنف، فربما يؤدي ذلك إلى المزيد من العنف والتخريب. إذ يجب على الصحفيّين الاهتمام بالمشكلات الاجتماعيّة على أساسٍ ثابت، وليس فقط عندما تزداد الاحتجاجات العنيفة. عليهم أن يسعوا إلى الاهتمام بأصواتِ واهتمامات جميع قطاعات المجتمع في جميع الأوقات، بدلاً من تغطية تلك المشكلات من منظور أصحاب السلطة النخبويّة.
وأخيراً، عندما تحدث الاحتجاجات، يجب على الصحفيّين إيلاء اهتمام خاص بأصوات المتظاهرين، وإعطائهم الفرصة لتقديم شكاواهم بكلماتهم الخاصة. علاوة على ذلك، يجب على الصحفيّين الاعتراف ليس فقط بوجود هذه الأصوات، وإنما الاعتراف بهم مصدرًا للتغيير الاجتماعيّ الإيجابي.