تجربةٌ فريدة* يوسف طراد

النشرة الدولية –

كارولين زعرب طايع، طبعت كلماتها على طول (كَركَرها). فكانت موصولة بحنين، أسكنته صفحات كتاب من تأليفها بعنوان (كَركَر خيطان)، صدر بطبعته الأولى عام 2018.

عندما تقرأُ الكتاب الذي طُبع باللّغة المحكيّة المحبّبة، تصلك شذى الرغبات للعودة إلى الماضي الجميل. تجد عاشقة لحياة الطفولة حتى قيام الساعة. اِمرأةٌ في طفلة، أُغرمت بحنين الأم حتى العبادة، اِتّسع فضاؤها الصغير للفرح الكبير. صلّت مع فيروز وديك الصباح في صباحات طفولتها المشرقة.

ثمانيةٌ وعشرون مقطعًا، لم تستطع أن تحوي الحنان المتدفّق، فانتشرت رائحة البركة، خارج الكتاب من العجين الذي كانت تنتظر نضوج أرغفته. في كل مرّة، كانت تتحول من ملاكٍ بين الزنابق، لراقصة شقية على أنغام صوت والدتها، المتوهج زغاريد من عطايا الرب. فأضحت أمنياتها ندية ورقصها كرقص السنابل الذهبيّة. ثملت من نبض والدتها في سماء هوائها فرحًا لتموج مع أسطورتها داخل الغلاف.

قساوة التربية المصحوبة قلقًا وحرصًا على مصير الأولاد، كانت تزعج (البنوت)، لكن بعد حين عندما أصبحت والدة، أدركت صواب التنبيه حينًا والتوبيخ أحيانًا: “لِ أنوّ لوْما رَبّتني عَ الدَّرب الصّحيح، ما كانِت هيِّ تْحمَّلت”. استمتعت بطفولة شقية، طافت خارج قفص الجسد (زغاليط) ونشاطات. وانتعشت بنكهة محبّة مرّة بعد أفولها. لم يجعلها مرض والدتها تستمر بخجلها من وضعها: “رحّت ساعدتو… / حملْت إميّ معو / فوّتناها عَ القاعة/ وهربت عَ الحمام أبكي” إلى حين تدفق سيطرة المشاعر الصادقة مقابل دفق العطاء. أضحت الوالدة عاجزة عن النطق، أصبحت تشير لأحرف على ورقة كي تؤلّف كلمة، حينها عشقت الكاتبة الحروف الأبجدية بالرغم من كرهها لحصة اللّغة العربية: “واعْتَذرت من حروف الأبجدية”.

ضحكت الكلمات وابتسمت الحروف من هضامة (نهفات) والدها ووالدتها، كأننا عدنا بتاريخ مضى إلى برنامج (دغوش الدني) بإذاعة لبنان الحر عام 1986 الذي كان يضمّ كلّ يوم بين مواده، فقرة من فقرات كتاب للأستاذ جوزف أبي ضاهر بعنوان (حكاية كلّ يوم) هذا الكتاب منصوص أيضًا باللّغة المحكيّة، يتكلّم عن (الختياريي) وهضامة عشقهم آخر حياتهم في القرى الهانئة. يمكن أن نعود لأرشيف الإذاعة كي نسمع الكلام الوارد في الكتاب وهذا صعب كثير. لكن كارولين زعرب طايع، أرفقت كتابها، بقراءة ضمن أسطوانة، مُسجل عليها بصوتها الذي حوى شدو طيور الماضي، على إيقاع آلة العود، جميع حكايات الكتاب فكانت تجربة فريدة. مما جعلنا نميّز لهجة أبناء الجنوب الأحباء، وخاصّة لهجة سكان علما الشعب الصامدة بلدة الكاتبة. لكن هناك مفردات محلية لا يجد لها القارىء تفسيرًا بقاموس اللغة، كونها حكرًا على قرى معينة. وقد ورد منها عبارة “بْيفعُج فَعْج” التي أتت محببة على السمع ضمن الأسطوانة.

عادت كارولين زعرب طايع إلى الماضي الجميل، لتحمل منه إلى أولادها “قشوة الحليب” عطية والدتها مع حبّها، رمزًا للحنان واستمرارًا ودفقًا للمحبّة وحرصًا للتربية.

http://www.monliban.org/monliban/ui/topic.php?id=6967&fbclid=IwAR2ZFlEeFTsq8grs_2AXm8UWekwGkSgxdQmedCn5G_As-Re2smi4xrcFz7M

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى