حكاية «الفرات» طويلة عنوانها قبر سليمان شاه
بقلم: صالح القلاب

النشرة الدولية –

يبدو أن «شراكة» أهم نهرين «عربيين»، نهر النيل ونهر الفرات، ستتحول مع الوقت إلى مشكلة كبيرة فعدد السكان في الدول المشاطئة في تزايد متواصل ومياه الأمطار باتت شحيحة ثم وهناك الخلاف القديم والجديد على سبيل المثال بين تركيا وسوريا وهو خلاف سياسي بالأساس وقديم وجديد بين هاتين الدولتين، فإحداهما تابعة حتى الآن إلى حلف شمالي الأطلسي «الناتو» والأخرى كانت تابعة من دون عضوية إلى حلف «وارسو» وهي رغم انهيار هذا الحلف وتشتت أعضائه إلا أنها لا تزال على علاقة وطيدة مع روسيا الاتحادية.

إن ما يربط تركيا بنهر الفرات هو أن ضريح الجد الأكبر للأتراك العثمانيين سليمان شاه كان موجوداً على شاطئ هذا النهر التاريخي في منطقة «الطبقة» السورية قبل نقله إلى مكان جديد، وتقول الحكاية التاريخية المتداولة إن القبيلة العثمانية وكان عددها نحو خمسة آلاف رجل وامرأة قد هاجرت من موطنها الأصلي في تركستان هروباً من المغول وأقامت لفترة في كردستان قبل أن يقودها زعيمها إلى الأناضول التي هي موئل الأمة العثمانية حتى الآن!!

وحسب الحكاية التاريخية فإن سليمان شاه هذا قد قاد قبيلته هروباً من المغول الذين احتلوا العراق وأخذوا يتمددون نحو الغرب والشمال وأنه ومعه قومه قد عبروا نهر الفرات هذا لكنه، أي سليمان شاه، قد غرق في مياه هذا النهر الذي يبدو أنه كان عظيماً لأنه لا يتقن السباحة فدفنه قومه على شاطئ هذا النهر في المنطقة التي، بعد «تقسيم» ما بعد انهيار الدولة العثمانية، أصبحت تابعة لسوريا وهي لا تزال تابعة لها حتى الآن.

ثم وفي عام 1968 بدأت سوريا في عهد حكم «البعث»، وكان رئيس الدولة نور الدين الأتاسي ورئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الدفاع حافظ الأسد بينما كان رئيس تركيا جودت صوناي، بإنشاء سد «الطبقة» حيث كان لا بد من نقل قبر سليمان شاه إلى مكان آخر وداخل الأراضي السورية تحاشياً من أن تغمره مياه هذا النهر بعد ارتفاعها… وهنا فإن ما يثير تساؤلات كثيرة هو إصرار الأتراك على نقل رفات جدهم من أرضٍ سورية إلى أرضٍ سورية أخرى ويرى البعض أن السبب هو أن «العثمانيين» ربما كانوا وما زالوا ينظرون إلى الشمال الشرقي السوري على أنه تابع للدولة التركية.

وعلى صعيد آخر فإن المشكلة أن الإثيوبيين، بدل أن يكون النيل صلة وصل بالنسبة لشعوب الدول المشاطئة، قد بادروا إلى إقامة هذا السد الاعتراضي وأصروا على ملئه بمياه هذا النهر المشترك ودفعة واحدة وذلك في حين أن رجب طيب إردوغان الذي أخذ يلوح براية العثمانيين بعد قرن كامل من زوال الدولة العثمانية قد بادر للمزيد من إزعاج ليس الرئيس السوري بشار الأسد فقط وإنما السوريين كلهم ومعهم العرب بغالبيتهم، إلى «قطع» ثلث مياه الفرات ومنعها من الوصول إلى سد الطبقة الذي كان قد أنشئ في عام 1968 بموافقة الدولة التركية.

ولعل ما يؤكد أن رجب طيب إردوغان مصابٌ بالفعل باللوثة العثمانية، مع أن هناك من يقول إنه ليس عثمانياً وليس في عروقه حتى ولو نقطة دم واحدة من سليمان شاه المدفون في الأرض العربية السورية، أنه ذهب «غازياً» إلى ليبيا بحجة أنها أرضٌ عثمانية وأنه هو وريث العثمانيين، وقد أيده في هذا فائز السراج الذي يقال هو أيضاً إن أصوله عثمانية وأغلب الظن أن لا هذا ولا ذاك يعرفان أن كل من دخلت بلادهم خيول آل عثمان قد اعتبروا عثمانيين، وأن هذه الصفة قد رحلت وزالت مع رحيل وزوال هذه الدولة غير المأسوف لا على شبابها ولا على شيخوختها!!

إنه على رجب طيب إردوغان، الذي لا علاقة له بجد العثمانيين الأول سليمان شاه المدفون في الأرض العربية السورية، ألا يبقى يتمسك «بالخرقة» العثمانية البالية، فالمعروف أن مصطفى كمال «أتاتورك» كان قد دفن العثمانيين كصفة وكانتماء منذ مائة عام وأنه أقام دولة علمانية، وليس عثمانية، وأنه لم يزر قبر جد العثمانيين الأول ولو لمرة واحدة، وذلك مع أنه بالتآمر مع المستعمرين الفرنسيين كان قد «ضم»، وبطريقة نتنياهو نفسها، لواء الإسكندرون السوري إلى جمهوريته التركية.

وهكذا فإن ما يشجع إردوغان على المزيد من الأوهام العثمانية أن التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» قد اختاره من دون منافسة ولا «تصويت» مرشداً عاماً لهم، وأن قطر «العظمى»، التي استضافت كتائب من قواته على أرضها، لم تبخل عليه بأموال «القطريين» الذين هم الأولى بها منه ومن «حماس» وأيضاً من إيران، وكل هذه «التشكيلات» الطائفية – الشيطانية التي عاثت فساداً في هذه المنطقة، وبخاصة في سوريا وفي العراق وفي ضاحية بيروت الجنوبية وأيضاً في اليمن «غير السعيد» الذي تحكمه نيابة عن الولي الفقيه كل هذه الزمر «الحوثية».

والمفترض أن هذا «التخريب» كله الذي يفعله رجب طيب إردوغان في تركيا قبل غيرها وفي ليبيا وسوريا ودول عربية أخرى تجب مواجهته من قبل الأتراك أنفسهم الذين ليس في مصلحتهم ولا في مصلحة بلدهم أن يقوم رجب طيب إردوغان بكل هذا الذي يقوم به؛ مرة على أساس أنه «عثماني» وأن نظامه يشكل استمراراً للدولة العثمانية، ومرة أخرى على أساس أنه «إخواني» ووريث حسن البنا و«خليفة» المسلمين والأمة الإسلامية ليس في هذه المنطقة وفقط وإنما في «أربع رياح الأرض».

وبالطبع فلو أن جد إردوغان الأبعد هو سليمان شاه الذي كان غرق قبل أكثر من 800 عام في مياه نهر الفرات فلم دفعه «داء العظمة» الفارغة إلى قطع مياه هذا النهر عن السوريين المدفون «رفات من يعتبره جده الأول» في أرضهم وأيضاً عن العراقيين القادرين على الضغط على مواجعه الكثيرة وأولها تقديم كل أشكال الدعم لحزب العمال الكردستاني – التركي بقيادة عبد الله أوجلان نزيل أحد السجون التركية.

ربما أن إردوغان لا يعرف أن اتجاهات حركة التاريخ متغيرة وأن هناك مثلاً عربياً يقول: «يوم لك ويوم عليك» وأنه إذا كان يفكر في ضم حلب وبعض المناطق العربية السورية إلى «إمبراطوريته» فإن عليه أنْ يعرف أن هناك بيت شعر عربي يقول: «لا ينام الثأر في صدري وإنْ طال مداه» وأن لواء الإسكندرون سيعود عربياً كما كان قبل تلك اللعبة الكريهة بين مصطفى كمال «أتاتورك» والفرنسيين وهكذا فإنه إذا بقي الرئيس التركي يخيط بهذه «المسلة» فإنه سيطلب منه ذات يوم أنْ يأخذ رفات سليمان شاه من أرض سوريا ويؤويه وإلى الأبد في تراب إحدى مناطق الأناضول.

وعليه ما دام أن الحديث هو عن النيل والفرات فإن المتوقع من أشقائنا الإثيوبيين أن يبقوا على تلك الفترة التاريخية الجميلة التي لا تزال تسكن قلوبنا وضمائرنا عندما استقبل نجاشي الحبشة المسلمين العرب في بلاده ووفر لهم الحماية والعون والمأوى الطيب وإلى أنْ عادوا إلى بلادهم بعدما أصبحت راية الإسلام خفاقة تلامس غيوم السماء ثم وإنه على أشقائنا المصريين والإثيوبيين أنْ يتعاملوا مع هذه المسألة على أساس الأخوة التاريخية بين هذين الشعبين وهذين البلدين وبأن صلة الوصل بينهم من المفترض أنها استمرار لتدفق مياه هذا الوادي العظيم منذ فجر التاريخ المبكر وحتى الآن، لا بل وإلى الأبد!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button