ثلاثي تهريب المخدرات: النظام السوري ومحيطه و”حزب الله”* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
ينغمس النظام السوري في أزماته، وتتكشف ملفات ونزاعات وقضايا فساد، كانت حتى الأمس القريب غامضة وغير معروفة للعموم. فبعد الخلاف بين رامي مخلوف (إبن الخال) وبشار، تداول الإعلام مؤخراً خبر الخلافات الحادة بين ماهر الأسد (قائد الفرقة الرابعة وأخ بشار) وبين أمين عام حزب الله حسن نصرالله. وعرضت وسائل إعلام عالمية من فوكس نيوز Fox News الأميركية ودير شبيغل Der Spiegel الألمانية، تقارير عن تحويل بشار الأسد الأراضي السورية إلى منطقة لتصنيع المخدرات وتهريبها، إضافة الى مقالات طالت زوجة بشار، أسماء الأسد، واصفة اياها بـ”الأم القاتلة”، التي كانت تتسوّق من أوروبا عبر الأنترنت حلياً ومجوهرات وأثاثاً، في حين كان الشعب السوري يموت جوعاً ويتعرض للتشريد على يد زوجها. وينقل تقرير عن صحيفة Gosnovosti الروسية أن الأسد اشترى لوحة “The Splash” لديفيد هوكني من Sotheby’s مقابل ما يعادل 26 مليون يورو كهدية، في وقت أن شعبه يعاني، وروسيا تخوض حربه.
وتحت عنوان “نزاع مرير على السلطة والثروة يندلع في سوريا” نشرت در شبيغل مقالاً، بتاريخ 26 يونيو (حزيران) الفائت، يتناول النزاع المحتدم بين أقوى العائلات في سوريا، والذي كان بمثابة اختبار لصبر روسيا، حيث بات بإمكانها أن تقرر من سيسيطر في النهاية.
تهريب الحشيشة من مرفأ اللاذقية
يسرد المقال ايضاً رحلة شحنة “الحشيشة” المخبأًة في علب حليب، بوزن أربعة أطنان معبأة بعناية في 19000 وحدة من ماركة “Tetra Paks”، حيث اكتشفها مسؤولو الجمارك في منتصف أبريل (نيسان) على متن سفينة في “بور سعيد” المصري. الشحنة كانت أتية من سوريا، ومن المفترض أنها متوجهة إلى ليبيا. ليست المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف المخدرات المنتجة في سوريا في أحد موانئ المنطقة. ففي دبي، صادر المحققون حمولات من أقراص الأمفيتامين، كان آخرها في يناير (كانون الثاني) المنصرم. وفي السعودية، وجد مسؤولو الجمارك في أواخر أبريل (نيسان) المنصرم 45 مليون حبة كبتاغون، ومن المحتمل أنها أنتجت في المختبرات السورية، حيث أُخفِيَت الأقراص في عبوات مخصصة لشرب الشاي من شركة لها علاقة بأسرة بشار الأسد. ويذكّر التحقيق بعشرات الأطنان من المخدرات التي ضبطت خلال عام واحد فقط، في اليونان، والتي كانت تعود إلى النظام أو أشخاص مقربين منه مثل أخيه ماهر الأسد وإبن خاله رامي مخلوف.
ما علاقة “داعش”؟
وأعلنت السلطات الإيطالية في 1 يوليو (تموز) الحالي، مصادرة كمية هائلة من مادة “الأمفيتامين” تبلغ 14 طناً، موزعة على 84 مليون حبة “كبتاغون”، وقالت إن الكمية أنتجها “داعش” في سوريا، وتحدثت عن “أكبر عملية مصادرة أمفيتامين على المستوى العالمي”. واعتبر بيان صادر عن الشرطة الإيطالية، “أن إنتاج الكبتاغون تركز بادئ الأمر في لبنان، وأن تداعش يبيعه لتمويل أنشطته”.
تحقيق دير شبيغل وجه أصابع الاتهام إلى النظام السوري
مجلة “دير شبيغل” الألمانية، قامت بتحقيقها الخاص، واستبعدت أن يكون “داعش” هو من أنتج هذه الكمية من المخدرات، نظراً إلى أن عناصره ينشطون حالياً في مناطق صحراوية بين سوريا والعراق، بعيداً عن المدن. ومن دون وجود مواد أولية قادرة على تصنيع هذه الكمية من المخدرات.
مصدر المخدرات
ووفقاً للبحث الذي أجرته “دير شبيغل”، فإن شبكة من أقارب “بشار الأسد هي التي أنتجت المخدرات المصادرة وأرسلتها إلى إيطاليا”. ويحدد قرية “البصة” جنوب محافظة اللاذقية، كمصدر للمخدرات، حيث يدير سامر كمال الأسد، (قريب بشار الأسد)، أحد مصانع الكبتاغون العديدة المملوكة للعائلة، خلف واجهة “مصنع لمواد التعبئة والتغليف”. ويذكّر البحث باسم عبد اللطيف حميد، كناقل لشحنة المخدرات بسبب عدم إدراجه في قوائم العقوبات الأميركية أو الأوروبية.
داعش لا يملك هذه الامكانيات الضخمة
تتقاطع معلومات قناة “فوكس نيوز” مع “دير شبيغل”، حيث نشرت بتاريخ 9 يوليو (تموز) الحالي تحقيقاً بعنوان يناقش المحللون أن عملية المصادرة الضخمة للمخدرات التي حصلت في إيطاليا ليست لها علاقة بالتنظيم الارهابي “داعش”، بل هي مرتبطة بالنظام السوري”.
تعتمد “فوكس نيوز” في تحقيقها على شهادة مسؤول عسكري وحديث للصحافي والمحلل المقيم في تركيا مروان فرزات، وتقول إن ضخامة العملية والتي تقدر قيمتها ب 1.12 مليار دولار، والطريقة الاحترافية التي غلفت بها، بحيث لم تكتشفها الماسحات الضوئية في المطار، عدا عن التصدير عبر مرفأ اللاذقية امور الذي لا قدرة لـ “داعش” عليها.
وتنقل عن مروان فرزات، “داعش اليوم مجموعات صغيرة منفصلة جغرافياً في صحاري العراق وسوريا، حيث لا قدرة لديها على إنتاج هذه الكمية الضخمة من المخدرات… كما ليس لداعش القدرة على استيراد المادة الفعالة التي تدخل في صنع الكبتاغون، ولا القدرة على جلب هذا النوع من الورق (الذي تم التغليف به)، كما أن الشحنة منشاؤها ميناء اللاذقية السوري، الذي يخضع بالكامل لسيطرة الأسد. ووفقاً لصحيفة “ذا ناشيونال”، إيران استأجرت جزءاً من الميناء العام الماضي، ويمكن أن تستفيد أيضاً من الإتجار.
ماهر الأسد و”حزب الله” وعلاقتهما بتجارة المخدرات
ويشير رويس دي ميلو مستشار في الأمن والدفاع ومركزه في الشرق الأوسط لـ”فوكس نيوز”، “أن الملياردير رامي مخلوف وشقيق الأسد ماهر، وعائلات أخرى شاركوا منذ فترة طويلة في تجارة المخدرات. ماهر يعمل على نطاق واسع مع حزب الله، وللحزب تاريخ طويل في تجارة المخدرات بدعم من سوريا وإيران لعقود. حزب الله وعائلة الأسد الواجهة والقناة إلى العالم الإجرامي”.
كما ويشير فرزات إلى أنه قبل الثورة، التي أشتعلت في عام 2011 ، كانت عائلة الأسد الحاكمة تتعاون مع تجار المخدرات في سوريا، ولكن في تلك المرحلة، لم يكونوا متورطين في تصنيع المخدرات. “في نيسان 2011، طلب بشار الأسد من اللواء حسام سكر إقامة أربعة مصانع أدوية لتصدير المخدرات إلى دول الخليج وبيعها بأسعار منخفضة هناك، (كانت الفكرة) غرق الدول بالمخدرات وتدميرها لأنها تحاول تخريب سوريا… الآن، هناك عدد كبير من المصانع لعائلة الأسد، معظمها يقع في منطقة الساحل السوري، بما في ذلك مصنع في قرية البصة، ومصنع في قرية الصنوبر، وغيرها من الورش والمصانع”. ويضيف أنه في البداية، “لم يكن هدف الحكومة من صناعة الأدوية تحقيق مكسب مادي فحسب، بل السعي إلى الانتقام من الدول التي دعمت الثورة، في عام 2012”.
تهريب المخدرات للحصول على العملات الصعبة
تعتبر “دير شبيغل”، “أن تجارة المخدرات هي واحدة من الطرق القليلة المتبقية للحصول على العملة الصعبة في سوريا، وتقول “في عام 2013، غزا حزب الله (وكيل إيران في لبنان) مدينة القصير السورية والمناطق المحيطة بها، وأعلنها منطقة محظورة. وأنشأت الميليشيا العشرات من مواقع الإنتاج الصغيرة للأمفيتامينات المعروفة باسم كبتاغون. وفي الوقت نفسه، أجبرت المجموعة المزارعين على زراعة الحشيشة”. وبحسب عدة مصادر، تولى ماهر الأسد، مهمة حماية القصير وطرق النقل إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط، فيما شركات رامي مخلوف هي المسؤولة عن تمويه المخدرات.
الخلاف الايراني الروسي وراء فضح العمليات
انفضحت عمليات التسليم بشكل مثير للريبة في الآونة الأخيرة. وبدا أن مخلوف ليس الهدف بل شريكه الإيراني. وتعيد “دير شبيغل” الأمر إلى الخلاف الإيراني – الروسي في سوريا، إذ تريد روسيا توقيع اتفاقية سلام وبدء إعادة الإعمار، فيما تريد إيران الاستمرار باستخدام سوريا منصة تهديد لإسرائيل. “لن تهاجم موسكو الوحدات التي تسيطر عليها إيران عسكرياً، لكنها تريد حرمان حلفائها في طهران الذين يقفون على حافة الخراب، من مصادر الدخل السورية، بما في ذلك إنتاج المخدرات على نطاق واسع. ويأتي فضح عمليات تصدير المخدرات مؤشراً على ذلك، الروس يريدون إطلاق النار على الأعمال الإيرانية”.
تقارير كاذبة كانت تصل إلى بوتين
يقول أيمن عبد النور، رئيس منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام” لـ “اندبندنت عربية”، “روسيا لم تتخلَ عن بشار الأسد، بل هي تسعى لتحقيق مصالحها، فاذا ضمن بشار أو نظامه تحقيقها فأنها ستدعمه وتبقيه، لكنه ضعف، نتيجة إدارته للملف الاقتصادي، وأفلس نفسه. العامل الاخر هو “أبو رامي” محمد مخلوف، واللواء حافظ مخلوف المقيمان في موسكو، أبو رامي كان المسؤول عن توزيع الاموال واطلاق بروباغندا لصالح النظام منذ عام 2011. وهذا ما كان يؤثر في كل القرارت التي كانت تصدر سواء من حميميم (قاعدة روسية في سوريا) أو من وزارة الخارجية الروسية. كان كل المستشرقين والمستشارين الروس يأكلون الى مائدة محمد مخلوف، وبالتالي كانت جميع تقاريرهم المرفوعة إلى الرئيس بوتين ايجابية لصالح النظام. لكن هذا الكذب تم اكتشافه وسُجن رئيس قاعدة حميميم، وأُبعد عدد من المستشرقين وخُففت ادوارهم، حيث كان جزء كبير منهم يتقاضى رشاوى من محمد مخلوف، وتم تغيير 200 ضابط مسؤول في القاعدة، ما أسهم في أن تنكشف حقيقة وواقع ما يقوم به النظام السوري”.
المصالح الروسية
وعن مصلحة روسيا في تغيير النظام يقول عبد النور، “روسيا أدركت أن النظام لا يملك القاعدة الشعبية، وغير مقبول من قبل المعارضة، والمجتمع الدولي والولايات المتحدة، كما لن تكون هناك عملية اعادة إعمار بظل قانون “قيصر”، والفيتو على بشار. إن مصلحتها تكمن في بقاء النظام لكن بتغيير رأسه، حيث يُعاد ضخ الأموال، وتتمكن الشركات الروسية من المشاركة في هذه العملية، ويقوم الكرملين بمقايضة الملف السوري بصداقات مع الدول الأخرى”.
وعن رفع الغطاء عن النظام في عملية تهريب المخدرات، يعتبر عبد النور “روسيا لم ترفع الغطاء، لكن التقارير التي كانت تصل إلى الكرملين لم تكن تصف واقع حال النظام السوري، لذلك عندما أتت المجموعة الجديدة بدأت تكتشف أن جزءاً من مقاومة وصمود النظام هو عملية تهريب المخدرات لصالحه وبيعها في الخليج وأوروبا، ما أدى لإبتعاده عن الحل السياسي، وتطبيق قرارات مجلس الأمن، وهذا ما لا تريده روسيا. لذلك تم فضحه ورفع الغطاء عنه”. وعن الخلاف الروسي – الإيراني يقول عبد النور في هذا السياق، “لإيران وروسيا مشروعان مختلفان، إيران تريد تفتيت الدولة وجعلها ميليشيات، كما في لبنان، بينما روسيا تريد أن تبقى سوريا دولة واحدة ولكن بنظام تابع لها، وعندما أدركت أنها لن تستطيع توحيد سوريا، بسبب الولايات المتحدة وتركيا والأكراد، وجدت أن الطريقة الوحيدة أمامها هي الضغط بإتجاه الحل السياسي أي القرار الأممي 2254.
* نقلا عن “إندبندنت عربية”