جيكر خورشيد ينجح بغزو قلوب الأطفال الصغار بمهارته في الحكي وروعة السرد
النشرة الدولية –
نجح الكاتب في أدب الأطفال، السوري جيكر خورشيد، في أن يغزو قلوب الأطفال الصغار بمهارته في الحكي وروعة السرد، عبر لغة تمتاز بشقاوة طفولية محببة تدلف بالأطفال إلى آفاق بعيدة من المتعة والخيال، وتساهم في تشكيل الفكر والوجدان لدى الطفل العربي. وفي حواره مع «الجريدة»، من القاهرة، نقف على إسهاماته الأدبية والحديث عن تجربته الثرية في مجال أدب الطّفل، إذ يؤكد أن الطّفل هو حجر الأساس لمستقبل أيّ أمّة تريد النّهوض، وبناء مجتمع تنويريّ وثقافيّ يعتمد على تنشيط الخيال العلمي، والإبداعي، والقيمي، وقال خورشيد إن بناء الإنسان يبدأ من الطفل، ولكي نصنع مجتمعاً متعلماً واعياً خالياً من الرجعية والتخلف والأنانية، يجب بناؤه منذ المهد بناءً صحيحاً، بترسيخ حب القراءة «غذاء العقول»، فماذا قال؟
- ما هي منطلقاتك الأولى في التوجه للكتابة للأطفال؟
– أحببت اللغة العربية منذ الصغر، ثم درست الأدب العربي في جامعة حمص، وكتبت في البدايات الشعر العمودي متأثرًا بالشعر العربي القديم، وفي فترة من الفترات كتبت شعر النثر والمقالات السياسية والقصة، كنت أكتب حبًّا في الكتابة، فكل شيء مختلف أو جديد كان يشكّل هاجسًا، فقرأت وكتبت باستمرار عن مختلف المواضيع، إلى أن رأيتُ إعلاناً في مجلة الرافد الإماراتية عن جائزة الشارقة للإبداع العربي، فشجّعني والدي وقتها كي أشارك في فرع أدب الطفل، فأنجزتُ مجموعة قصصية بعنوان «ابن آوى والليث»، وكانت أول مجموعة قصصية أكتبها للأطفال، وشاركت في المسابقة، وكنت الفائز بالمركز الأول، فكانت هذه المجموعة وهذه المسابقة بداية دخولي إلى عوالم الطفل، واكتشفت وقتها أنني أنتمي إلى عالم الطفل.
- ماذا عن رحلتك التي بدأتها من سورية وجابت الآفاق حتى لاهاي بهولندا؟
– خرجت من دمشق مرغمًا سنة 2015م، لم أكن أتخيل يوماً أن أبتعد عن بلادي، ولكن الظروف كانت قاسية جدًّا، والمشهد كان مرعباً، وقبل خروجي من دمشق كتبت قصيدة «حكاية ياسمينة»، التي نشرت في مجلة أسامة، وسافرت بداية إلى تركيا، ثم قررت الهجرة إلى هولندا، عبرت البحر من تركيا إلى اليونان في قارب مطاطي مزدحم بالكبار والصغار والحقائب الملونة والأحلام المقيّدة والأماني الباردة، كانت تجلس بجانبي فتاة صغيرة كقطة خائفة، وهي تنظر إلى وجوه الناس حولها، عندها خطرت لي فكرة قصة «القطة المهاجرة»، التي حققت حضورًا لافتًا في ألمانيا، بعد أن صدرت عن دار أصالة في لبنان، وتم الحديث عنها في الصحف الألمانية، والقصة موجودة حالياً في مكتبة ميونيخ الدولية، وبعد وصولي إلى هولندا واستقراري نوعاً ما كتبت عن معاناة الأطفال في المخيمات التي مررت بها في تركيا واليونان، وتم توزيع عشرات الآلاف من القصص التي كتبتها على أطفال المخيمات، وكانت تحت بند التعلّم الذاتي، كقصة «أين اختفت العصافير؟» حول أهمية حماية الطفل في كينيا، وتم طباعة أكثر من 120 ألف نسخة من هذه القصص، وتوزيعها مجانًا على الأطفال في مخيمات اللجوء.
الثقافة الغربية
- برأيك، لماذا لم يستطع كثير من كتّاب أدب الأطفال الوصول إلى عالمه؟ وهل هناك مشكلات يواجهها أديب الأطفال؟
– برأيي أن أغلب من يكتبون للطفل في عالمنا العربي هم هواة لا يدركون حقيقة أن الكتابة للطفل تحتاج إلى تفرُّغ تام أو تفرغ جزئي، وأن الكتابة للطفل هي أصعب من الكتابة للكبار، فهناك بعضّ الكتاب الذين تركوا أدب الكبار وكتبوا للصغار ظنًا منهم أن أدب الأطفال أسهل وأيسر، وهذا بالتالي جعلهم يقدّمون أعمالا بعيدة عن عالَم الطفولة، ومسألة العلاقات أيضًا لعبت دوراً سلبياً في إنتاج قصص رديئة للطفل، ومن أهم الأسباب التي كانت وراء فشل كاتب الأطفال في الدخول إلى عالمهم ببلادنا العربية هو تقليد الغرب، بعض الكتاب تأثروا بالثقافة الغربية، فكتبوا أفكاراً أراها دخيلة وغير مناسبة لأطفالنا، بلادنا مليئة بالحكايات، والمبدع الحقيقي هو الذي يملك الخيال، واللغة، والأصالة، وبالتالي يكتب قصصًا تهمّ الطفل العربي.
عوالم إنسانية
- ما هي سمات أدب الطفل، وما دور الخيال فيه؟
– لأدب الطفل سمات خاصة تميزه عن بقية الآداب، فمن أراد الكتابة للطفل يجب أن تتوافر فيه أولًا الموهبة، فالدراسة وحدها لا تصنع كاتباً أو كاتبة، وبعدها يمكن للكاتب أن يصقل موهبته بالدراسة، والاطلاع والقراءة في أدب الطفل، ومن سمات أدب الطفل تناول المواضيع المختلفة بشكل ذكي بعيد عن المباشرة والتلقين، والتركيز على عنصر التشويق مهم جدًّا في القصة، التشويق يخلق عند الطفل الفضول لمتابعة القراءة وحبِّ القراءة، وكل عمل موجّه للأطفال يجب أن يحمل قيمة إنسانية سامية يستخلصها الطفل بنفسه بعد الانتهاء من قراءة القصة، وتوظيف الخيال في أدب الطفل مهم جدّا، فالخيال يحوّل الصورة الذهنية إلى صورة حقيقية، وهي سمة إنسانية، فالكاتب الذي لا يملك الخيال لن يستطيع الدخول إلى عالم الأطفال المليء بالعجائب والغرائب، واستخدام الخيال في الكتابة يمنح الكاتب جناحين يحلّق بهما فوق عوالم كثيرة، وبالتالي تتسع مدارك الطفل، ويصبح خياله خصبًا، ولن يملّ أبدًا من القراءة، ويستطيع الكاتب من خلال الحكايات الشعبية وحكايات الحيوانات، والحكايات الأسطورية والملحمية أن يأخذ الطفل إلى عوالم ساحرة، وبالتالي ينمّي له خياله.
غذاء العقول
- بعد ابتعاد الأطفال عن القراءة، ما هي النصيحة التي تقدّمها للأسرة العربية كي تساهم في تشجيع الأطفال على القراءة؟
– لم يبتعد الطفل عن القراءة، لأنّه أساساً بعيد عن القراءة، والسبب الرئيسي يعود إلى إهمال الأهل، فنحن لا نقرأ القصص لأطفالنا، ولا نشجّعهم على اقتناء الكتب، وزيارة المعارض والمكتبات، بل نتركهم لساعات طويلة فريسة للألعاب الإلكترونية التي تقتل الإبداع فيهم، والحل الوحيد هو تعويد الطفل منذ الصغر على القراءة، من خلال قراءة القصص له في كل يوم خلال ساعة محددة، فكما نهتمّ بغذاء أطفالنا كي تقوى أجسامهم، علينا أن نهتم بغذاء عقولهم والقراءة هي غذاء العقول.
ذوو الاحتياجات
- هناك تهميش تجاه الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم العربي… ما رأيك؟
– صحيح كان هناك تهميش لذوي الاحتياجات الخاصة في الماضي، لكننا الآن نشهد اهتماماً ملحوظاً بذوي الاحتياجات الخاصة من خلال دمجهم في المجتمع، وحملات التوعية المستمرة لتقبّلهم وعدم السخرية منهم، وإقامة المراكز والمؤسسات التي تهتم بمشاكلهم وهمومهم، ونحن ككتّاب أطفال علينا مسؤولية مضاعفة تجاه الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال كتابة القصص التي تطرح مشاكلهم وتساعدهم على حلها، وأخيرًا تمت ترجمة قصة لي بعنوان «نزار هو الحكم» إلى اللغة الجورجية، وهي قصة صدرت عن دار ربيع للنشر، وتحكي عن طفل يحبّ كرة القدم، لكنه لا يستطيع السير.
- الكتابة للأطفال تتطلب مهارات وأدوات سردية تفوق ما يحتاجه الكاتب في كتاباته للكبار… ما رأيك؟
– ليست مسألة تفوّق بل اختلاف، فالكتابة للطفل مختلفة عن الكتابة للكبار، فهي تتطلب من الكاتب أسلوباً سهلاً واضحاً سلساً رصيناً بعيداً عن التعقيد والتكلّف والغموض والسذاجة، واعتماد الجمل القصيرة، والمحسنات اللفظية كالسجع، والأمر الأهم هو الانتباه إلى اللغة المناسبة الموجهة لكل فئة عمريّة.