أردوغان مرة ثالثة وأخرى و الحريق الأردوغاني قادم عام 2023* د. سمير محمد ايوب
النشرة الدولية –
أعتقد أنَّ منْ أجملِ ما قرأتُ وفهمتُ حتى الآن: أنّ حصر الجدل حول صوابية أو عدم صوابية قرار أردوغان ، بتحويل أيا صوفيا إلى مسجد ، ضمن صندوق كنيسة – متحف – مسجد ، هو جزئية صغيرة ، تُخِلُّ بجوهرِ موضوعٍ أخطر . فسواءٌ صحَّ أمْ لَمْ يَصحُّ دينيا وأخلاقيا وقانونيا، مبدأ تداول دور العبادة بالبيع والشراء ، فهذا لن يُغيِّر شيئا من التاريخ الحقيقي لأيا صوفيا . التي أسست في الأساس كنيسة للمسيحيين الأرثوذوكس . وحوَّلها مُؤخرا أردوغان إلى مسجد، بقرارٍ قضائي مُثقَلٍ بالدوافع السياسية والانتخابية التي تُفسّرُه .
لنفهم بموضوعية وعمق ، المسكوت عنه مما يُخطِّطْ للعرب ، هذا السلجوقي العثماني الجديد ، تعالوا نضع قرارَه الأخير في سياقه السياسي المعاصر ، ساعتها بعقلانية متبصرة ، سنفهم الأمرعلى حقيقته ، واتجاهات احتمالاته الإستراتيجية .
الوطن العربي الكبير برمته ، غارقٌ في مستنقعاتٍ متنوعةٍ من التوتير السياسي الحقيقي والمفتعل ، والاستقطاب الطائفي والمذهبي والعرقي ، كُرْمى عُيونِ يهوديَّة الكيان المُغتصب لفسطين المحتلة . وانتشرت مؤخرا بمساع صهيوأمريكية مشبوهة ، حركاتٌ سَلَفِيّةٌ إرهابية ، بلغت ذروتها في الدواعش ، وفي التحشيد الشيعي – السني ، تمهيدا لإيصاله إلى اقتِتال مُستَنْزِفٍ ، مع الجارة الجغرافية – التاريخية إيران ، تمهيدا لترسيخ مُحاصَصاتٍ ، في كلِّ مَواطِنِ العرب الصغرى . هذه الظروف والخلْفِيّة البيِّنَةِ ، تكشفُ الغطاءَ الديني ، عنْ قرارِأردوغان السياسي بالغ الخطورة .
أردوغان كما يعلمُ الجميع ، وكما تَشي به الوقائعُ ، لَمْ يدخل أيَّا مِنَ المَشاهِدِ العربية ، إلاَّ عبر تدخُّلاتٍ عسكرية ملغومة ، تشي بأحلام عصافيرٍ سُلطانية عُثمانية بادَتْ ، تسعى لاستعادة ولايات عثمانية سابقة ، كالموصل وكركوك العراقيتين ، وحلب ومنطقة ادلب السوريتين ، وغيرها من مناطق البترول في ليبيا ، والغاز القطري وخطوط نقله .
مُستَبِقاً ومُستَغلاَّ قُربَ انتهاء مفاعيل اتفاقية سيفر سنة 1921 ، واتفاقية لوزان سنة 1923. أي في العام 2023، التي ستسمح لأحلام مريضة للعثمانيين الجدد ، بتجديد مطالبهم في ضمِّ وإلحاق مدن وولايات عثمانية سابقة لتركيا ، هي الآن جزء أساس من الوطن العربي الكبير .
هذه المخاطر الاستراتيجية ، هي ما ينبغي أن ينتبه لها كلُّ أحرار العرب . ليشكِّلوا جدارَ صدٍّ أمام أطماع وخطط الاستعماريين الجدد التوسعية الساذجة ، وتفادي حرائقها المحتملة . لا بد من الاستعداد من الآن ، لتحويلها إن حصلت إلى رماد ، كما ماتت من قبل ، أطماع سلطانية واستعمارية أخرى كثيرة ، بموت سلاطينها وأباطرتها!
تركيا الحالية ، تريد بانتهاء معاهدتي سيفر ولوزان ، أن تفتح ملف الحدود والمحاصصات المائية والبترولية مع العرب ، ( تقنين مياه هضبة الاناضول عن سوريا والعراق ، ومياه هضبة الحبشة عن السودان ومصر ) والبترولية ( غاز قطر وبترول ليبيا ) ، ولا أعتقد أنّها ستحصدُ مِنْ وراءِ هذا الحُمْقِ والجُنون ، إلا على المزيد من كراهية الشعوب العربية . وقد يتسببون بحرائق جديدة بين العثمانية وأمة العرب ، التي تصر على ان لا تعود عثمانية مرة اخرى ، طالما رصاص الثورة العربية الكبرى صاحٍ ، وشرفاؤها بالمرصاد .