جرائم الشرف على شماعة الكورونا* تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
على شماعة الكورونا، عُلقت، مؤخرا ظاهرة تزايد جرائم القتل والانتحار، والاغتصاب، كما لو أن هذه النوعية من الجرائم والحوادث ظاهرة طارئة، أو حالة جديدة كحال الفيروس المستجد كوفيد 19، أو أن لها طبيعة مؤقتة تنتهي بانقشاع غمة الوباء وعودة الحياة إلى طبيعتها.
ومع الاعتراف بأن جائحة الكورونا، وما أحدثته من تداعيات نفسية وتوابع اقتصادية أسهمت في استفحال الظاهرة، وتزايد حضورها في حياتنا الاجتماعية، إلا أن ما يحمله ذلك التفسير من تبسيط، يلغي معاناة سنوات، كانت فيها هذه الجرائم تتستر، بغطاء قانوني ونصوص ملتبسة، أو قبول مجتمعي سوغته وشرعنته بعض التقاليد والموروثات الاجتماعية، أو التفسيرات الدينية المتطرفة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لها سند صحيح في النصوص المحكمة، ولا في السنن الصحيحة.
مناسبة هذا الحديث، الجريمة البشعة التي وقعت في الأردن قبل أيام ، وقبلها اغتصاب طفل سوري في لبنان، وقتل ولد لوالده، وتعذيب أم لابنها في مصر، وهي حوادث وجرائم أعادت إلى الواجهة، الحديث القديم الجديد، عن تنامي “ جائحة “ جرائم الشرف، وتزايد “ وباء “ انتهاكات حقوق المرأة والطفل، حيث بات الأمر، ظاهرة مقلقة تضرب في كل مكان، وتترك وراءها ندوبا اجتماعية ونفسية لاتندمل، وجروحا عميقة من الصعب ترميمها بسهولة.
هذه النوعية من الجرائم ليست جديدة، وكانت موجودة – على الدوام- بأشكال مختلفة في كافة الدول العربية بلا استثناء، بل إن دولا إسلامية وصلتها العدوى بشكل أو آخر، وتواترت أخبار جرائم مماثلة فيها.
الجديد هذه المرة، ليس في نوعية وكم الجرائم، بل في التغطية الإعلامية الواسعة، التي جعلت هذه الجرائم مادة يومية في كافة وسائل الإعلام، وباتت قاسما مشتركا تتسابق عليه منصات ووسائل التواصل الاجتماعي المتحللة من كل ضوابط النشر، ومن كل القيود التي كانت تضبط وصول هذه النوعية من الأخبار لوسائل الإعلام التقليدية.
على أن ازدياد مساهمة الإعلام الجديد، بتغطية هذه الجرائم القديمة الجديدة، لا يجب أن ينظر إليه كتعبير عن الشفافية التي باتت تنقل بها الأخبار، بل هو تأكيد على أننا لم نصل رغم تقادم الزمن، على استفحال هذه الظاهره وتزايد مخاطرها، لمرحلة احتواء هذه النوعية من الجرائم، ولا الوصول إلى قواسم مشتركة لمعالجتها واجتثاث أسبابها، وتجفيف منابعها في الموروث الاجتماعي والتفسير الديني.
ففي كل مرة نصدم بها بجريمة شرف، أو اغتصاب طفل، أو اعتداء على قاصر، نعود في نقاشاتنا، و حواراتنا للمربع الأول، كما لو أننا أمام ظاهرة جديدة أو جريمة غريبة، فنطالب بتعديل قوانين مضت عليها عقود، ومرت على أجيال، دون أن تطالها يد التنقيح والتعديل، وندعو إلى تصحيح بعض المفاهيم والتقاليد التي سوغت للمجرمين ارتكاب جرائم بشعة، وبأساليب قاسية دون رادع من قانون أو وازع من ضمير.
فإلى الآن لا نزال نستهجن، بلا ملل، بعض النصوص القانونية، التي ترى فيما يوصف بأنه دفاع عن الشرف، سببا قانونيا مخففا للعقاب، ومخرجا مشروعا لمن يستهين بحياة الإنسان وينتهك حرمة البشر.
ولا يزال انتهاك حقوق الطفل من المعلمين والمعلمات – ناهيك عن الأبوين – نوعا من التربية والتهذيب الذي لا يستلزم التدخل، لتتوارث أجيال هذا النوع من التربية الفاسدة، التي جعلت من أطفالنا حقل تجارب لنفسيات مريضة، أو مختبرا لنوازع شريرة.
وما زلنا نرى في المرأة متاعا، وأهلية ناقصة، تبرر انتهاك حقوقها والاعتداء على أبسط مظاهر حريتها وكرامتها. بل إن دولا عربية جعلت من القوانين والتقاليد العشائرية، بديلا عن نصوص القانون، فأفلت مجرمون من عقاب الدولة، بعد أن ظللتهم وحمتهم العشيرة، فيما نفذ القصاص دون رحمة تحت ضغط التقاليد والأعراف، حين جعلت من أولياء الدم أوصياء على تنفيذ القانون، دون اعتبار لسبب مخفف أو مصلحة للمجتمع.
أمام جرائم كتلك التي نرى نماذج منها كل يوم، في جميع الدول العربية، نحتاج إلى وقفة مراجعة ننقي فيها مفاهيمنا الدينية مما علق فيها من تفسير مغرض أو مبتسر، كما أننا نحتاج إلى شجاعة في رفض بعض التقاليد الاجتماعية، والتوقف عن إضفاء قدسية حصنتها من النقد، وجعلتها عصية على المعالجة.
نقلاً عن موقع “إرم نيوز”