ما هو سبب وفاة السوداوات أثناء إنجاب مواليدهن بخمسة أضعاف البيضاوات؟
النشرة الدولية –
في 2018، وضعت سيرينا ويليامز طفلتها الأولى بعملية قيصرية. وبعد يوم من الولادة، شعرت لاعبة التنس الأولى عالمياً بضيق في نفسها وأخبرت الأطباء أنها تعتقد بأنها قد أصيبت بانسداد رئوي (حدوث تجلطات في الأوعية الدموية داخل الرئتين)، وتلك مشكلة مزمنة لديها. وشرحت في وقت لاحق كيف اضطرت أن تتوسل فريقها الطبي كي يجري لها صورة أشعة مقطعية بالكمبيوتر التي بيّنت أنها على حق. ولو لم تُعالج على هذا الأساس، لأودت الجلطات بحياتها.
بعد مرور تسعة أشهر على هذه الحادثة، أفصحت المغنية بيونسيه عن تجربتها مع بداية حدوث الحالة المرضية المُسمّاة “تسمم الحمل” أثناء حملها بالتوأم رومي وسير. وقد أنجبت طفليها بعملية قيصرية طارئة، واضطر المولودان إلى البقاء في قسم العناية المركّزة طيلة أسابيع. وعلى الرغم من أنهما اثنتان من أكثر النساء نجاحاً في العالم أجمع، تتوافق قصّتاهما مع ما يحدث لدى الأمهات السود في كل مكان.
مرّت رايتشيل بوابينغ، مؤسّسة “ماميز داي أوت” Mummy’s Day Out، التي تمثّل تجمعاً يلتقي فيه نساء سوداوات بهدف نسج شبكات علاقات وكذلك كي يتشاركن خبراتهن، بتجربة حمل عانت خلالها حالة تسمّى “القيء الحملي المفرط” (اضطراب مرضي يصيب الحوامل يتسم بالغثيان والقيء المفرط، وقد يؤدي إلى تراجع نمو الجنين)، تلاه ولادة صعبة. وتشرح كيف اضطر زوجها إلى التكلم نيابة عنها والدفاع عنها حين لم يُعرض عليها أي حل بديل لتخفيف الألم بعد أن رفضت أخذ إبرة التخدير بتقنية “الحقن في منطقة ما فوق الجافية” (تسمّى بالعامية أحياناً “إبرة الظهر” لأن إبرة الحقن تُدخل بين فقرات العمود الفقري)؛ ثم وضعت مولودها من دون أن تكون القابلة القانونية في غرفة الولادة.
وفي حديث إلى الـ”اندبندنت”، ذكرت بوابينغ أن “القابلة القانونية قالت إن الطفل لن ينزل إلا بعد تسع ساعات. ثم غادرت الغرفة. وقد وُلد الطفل بينما القابلة في مكان آخر. ولحسن الحظ، صرخ زوجي فهرع بعض الأشخاص إلى المساعدة لكنهم كانوا يسألونني عن اسمي بينما طفلي يخرج مني. لم يلتقوا بي قبلاً. ولم أدرك مدى سوء الوضع سوى لاحقاً”.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وجد تقرير حول أمراض الأمهات في المملكة المتحدة وضعه باحثون من “جامعة أكسفورد”، أن احتمال وفاة النساء السود أثناء الحمل أو الولادة أو فترة ما بعد الولادة، يزيد بخمسة أضعاف عن النساء البيض. كذلك تبيّن أن معدل وفيات النساء الآسيويات يصل إلى ضعفي معدل وفيات النساء البيض. وقد أظهرت هذه الأرقام ارتفاعاً بالمقارنة مع السنوات السابقة، على الرغم من أن أرقام تلك الأخيرة كانت صادمة كذلك، إذ بيّنت أن احتمال وفاة النساء السود تفوق نظيراتهن البيضاوات بثلاثة أضعاف.
ثمة تباينات عرقية مماثلة في نسب وفيات الأمهات في الولايات المتحدة. إذ يزيد احتمال وفاة الأميركيات من مجتمعات السود والسكان الأصليين؛ يسمّون خطأً “الهنود الحمر”، لأسباب تتعلق بالحمل، بمقدار الضعفين أو الثلاثة أضعاف، بالمقارنة مع النسوة البيض. وتؤكد البيانات ما تعرفه النساء السود منذ عقود، وقوامه أن الحمل صعب في أحسن الأحوال، وقاتل في أسوأها.
في ذلك الصدد، بلغت إحصاءات عام 2019 درجة من السوء جعلت تجاهلها مستحيلاً. وقد أذاع برنامج “وومنز آور” (حرفياً، “ساعة للمرأة”) على قناة “بي بي سي” حلقة خاصة حول الموضوع، وكذلك أُطلِقَتْ عريضة برلمانية بشأن تلك الأرقام في مارس (آذار) 2020، أملاً في أن يكبر الدعم الحكومي الهادف إلى معالجة الأسباب الرئيسة لهذا الموضوع.
وعلى الرغم من أن العريضة جمعت 180 ألف توقيع، فما زالت بانتظار المناقشة، فيما يتواصل مسلسل وفيات الأمهات السود. وتوفيت الممرضة ماري أغييوا أغيابونغ في 12 أبريل (نيسان) بعد وقت قصير من وضعها ابنها. وحدّد الطبيب الشرعي سبب وفاة الممرضة (28 عاماً) باعتباره نتيجة للإصابة بـ”كوفيد-19″ والولادة معا.
لطالما افترض المحترفون في المجال الطبي أنه يمكن تعليل معدلات الوفيات عبر ربطها بمشكلات صحية سابقة تعانيها النساء السود كارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع معدلات إصابتهن بتعقيدات كحالة “ما قبل تسمّم الحمل”. لكن الأبحاث الصادرة عن الولايات المتحدة تشير إلى وجود مشكلة أكثر تعقيداً. إذ إن إمكانية حصول نتيجة عكسية لدى شخص مثلي، أنا سيدة سوداء محترفة مهنياً وأنتمي إلى الطبقة الوسطى وأتمتع بعافية كاملة، يزيد بدل أن يتناقص. فما الذي يحدث فعلياً؟
طوال سنوات، صُوّرت أمومة النساء السود بشكل سلبي سواء في الثقافة الشعبية أو داخل الأوساط الأكاديمية. وكشفت الدراسات أن وسائل الإعلام تستخدم “القلق بشأن الأطفال كوسيلة منمّقة لتصوير النساء الفقيرات ونساء الأقليات، بوصفهن أمهات سيئات”. وكذلك تظهر الإحصاءات أن وجود الأطفال السود داخل نظام الرعاية مبالغ به، إذ يشكّلون 16 في المئة من إجمالي الأطفال واليافعين الذين تُقدَّم لهم خدمات الرعاية. ويحدث ذلك كله، على الرغم من أن المجتمع يعتمد على خدمات الرعاية التي تقدمها النساء السود. إذ يعمل 20 في المئة من النساء السود الأفريقيات في قطاع الصحة والرعاية الاجتماعية، وغالباً ما يشغلن وظائف برواتب أدنى ونوبات عمل أطول.
في كتابها “اغتيال الجسد الأسود: العرق والإنجاب ومعنى الحرية”، تشرح الأكاديمية الأميركية دورثي روبرتس كيف أن الأفكار النمطية المسبقة حول الأمهات السود مستمرة، بدءاً بفكرة “ملكات الإعانة المالية” اللواتي يُصوّرن على أنهن نساء “عديمات الأخلاق ومهملات ومسيطرات” ووصولاً إلى فكرة النساء “ذوات النشاط الجنسي المفرط” اللواتي يُتهمن “بكثرة الإنجاب”. في المملكة المتحدة، اعتادت وسائل الإعلام على ربط الأسر التي فيها أمهات سود عازبات، مع زيادة العنف لدى الشباب ووباء جرائم الطعن في لندن، من دون اعتبار يُذكر لعوامل أساسية أخرى تؤدي دوراً في هذه الأمور.
في مارس، استضافت “الكلية الملكية لأطباء أمراض النساء والتوليد” فعالية بعنوان “علينا التحدث عن العرق”، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، بعد ظهور مقال بالعنوان نفسه للطبيبة النسائية كاثرين إيكيشي. اجتذبت فعالية الكلية الملكية حشداً لا بأس به، لكن غياب المحترفين البيض عنه بدا واضحاً.
خلال الفعالية، شاركت إيكيشي تجاربها المؤثرة الشخصية في التعامل مع النظام الصحي من موقعها كسيدة سوداء البشرة، فيما شاركت تجارب نساء أخريات شعرن بأن المتخصصين الطبيين “استخفوا” بهن أو اعتبروهن “متذمرات”. وقد كتبت عن تلك الظاهرة كانديس برايذوايت، كاتبة الكتاب الأكثر مبيعاً “لست أمّ ولدك”.
في سياق متصل، تصر جانيت فايل، وهي قابلة قانونية متمرسة ومستشارة سياسات محترفة، على أن الأحكام المسبقة الرائجة بين القابلات القانونيات تشكّل عاملاً أساسياً في وفاة الأمهات السود. وبحسب فايل، “تُصنّف الأمهات السود وفقاً لوجهة نظر البيض، فلا يُصدّقونهن، وبسبب الاعتقاد بأنه لديهن درجة احتمال عالية للألم وكافة الأحكام المسبقة الاخرى، لا ننتبه للحالات الخطرة وتفوتنا فرصة تغيير وضع السيدة بشكل جدّي في الوقت المناسب”.
وكذلك تشير فايل أن هذا الأمر يعود إلى المرحلة التي يدرس فيها الناس الطب. وتشرح، “يتدرّبون كطلاب على النساء البيض وليس لديهم فرصة لفهم الاختلافات. يخطئ الناس لأنهم ليسوا أكفاء من الناحية الثقافية، ذلك أن المريضة النموذجية في ذهن الأطباء والممرضين والقابلات القانونيات، تكون مثلاً سيدة شقراء الشعر زرقاء العينين مقاس جسمها 12. ويختزل ذلك كل شيء حول مفهوم الطب”.
في مسار موازٍ، لا تنحصر القضية في تجربة الولادة. إذ سلّطت “الكلية الملكية لأطباء أمراض النساء والتوليد” الضوء على التباينات العرقية ضمن خدمات الطب النسائي، بما في ذلك التشخيص المتأخر لسرطانات النساء وانخفاض نسبة النساء السود اللواتي يجرين فحص عنق الرحم.
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تنتهز القابلات القانونيات الشابات الفرصة لتثقيف زميلاتهن بشأن الفجوة الموجودة داخل منهاجهن التعليمي. لقد أسّست جورجيا وشريدان، اللتان تبلغان من العمر 26 عاماً، كلتاهما قابلتان قانونيتان مسجلتان، “مبادرة قابلتي القانونية” My Midwife Initiative التي تشجّع القابلات القانونيات على التفكير بعمق في طريقة ممارسة عملهن وتتحدى أحكامهن المسبقة.
وتتمسك جورجيا بشدة بضرورة تطبيق مقاربة جديدة في عمل القابلات القانونيات. ووفق كلماتها، “نشعر أنه من المهمّ بالنسبة للقابلات القانونيات الجديدات الإقرار بوجود الاختلافات العرقية في مجال الرعاية الصحية، وكذلك تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية التدقيق في طريقة عملنا ومعتقداتنا الشخصية من أجل التعامل مع هذه الاختلافات. وتشير الأدلة أيضاً إلى أن النساء السود والسمراوات يواجهن التمييز عند سعيهن لتلقّي رعاية الأمومة”. وتموّل جورجيا وشريدان هذا العمل شخصياً، وتقدمان تلك المداخلة في الجامعات ضمن أوقاتهن الخاصة.
بدل انتظار تحسن الوضع، بدأت النساء السود بإنشاء المساحات الآمنة الخاصة بهن لمناقشة قضايا أمومة السود، ومن ضمن هذه المساحات “ماميز داي أوت” التي أسستها بوابينغ، وتواصل الدعوة إلى زيادة الكفاءة الثقافية في أوساط الطواقم الطبية كما تواصل الاستماع إلى قصص ولادة سيئة من أخريات باستمرار.
في 15 يوليو (تموز)، أطلقت “الكلية الملكية لطب أمراض النساء والتوليد” فريق عمل معنياً بالمساواة بين الأعراق، من أجل فهم سبل علاج التباينات العرقية بين المريضات وفهم آثار العنصرية على الموظفين العاملين داخل القطاع. ويعتزم الفريق العمل مع مجموعات تنشط في مجالات الرعاية الصحية والحكومة والأفراد، من أجل الحرص على تطوير طرق جديدة للتعاطي مع العنصرية والتباينات العرقية.
وتناولت الطبيبة إيكيشي، الرئيسة المُشاركة والناطقة باسم “الكلية الملكية لطب أمراض النساء والتوليد”، ذلك الأمر مشيرة إلى أن “(هذا الفريق) يبعث رسالة واضحة وشجاعة إلى كافة الأعضاء لدينا وكذلك الحال بالنسبة إلى النساء اللواتي نخدمهنّ، بشأن التزامنا القوي بالمساواة في النتائج التي تتأتى من عمل كافة أطباء التوليد وأطباء الأمراض النسائية في المملكة المتحدة، بشأن صحة النساء كلهن من دون استثناء”. وتضيف إيكيشي إنها “على يقين” من أن هذا الأمر “سينقذ الأرواح” في النهاية.
وإذ تشير هذه التغييرات إلى أن من هم في مواقع السلطة باتوا يسمعون أصوات النساء السود أخيراً، ما زال شعور الإحباط موجوداً بين الأمهات منهن. وكذلك ترى بوابينغ أن “ما تحتاجه أجهزة خدمات الأمومة يتمثل في أمر واضح ومباشر تماماً. عاملوا كل امرأة كإنسان. صدّقوا النساء عندما يقلن إنهن يشعرن بالألم، وصدّقوهن عندما يشكين من وجود خطب ما. صدقوا النساء عندما يعبّرن عن قلقهن من شيء ما، ولا تستخفوا بهن”.