د. رزق الله: الازمة جرحت العنفوان اللبناني… واستعادة الثقة .. ودرب الإصلاح يبدأ بخطوة

النشرة الدولية – حوار طلال السُكرّ –

تعتقد د. سهام رزق الله، الأستاذة المُحاضرة في كلية العلوم الاقتصادية في جامعة القديس يوسف، أن الازمة المالية-النقدية-المصرفية-الاقتصادية-الاجتماعية المتعددة والمتشابكة الاوجه في لبنان ليست وليدة الساعة بل هي نتيجة تراكم اختلالات في الخيارات كما في الأداء على مدى السنوات الماضية وعلى مختلف المستويات تترجمت اليوم على شكل الإنفجار الحالي بعد ان بلغت ذروتها.

وتضيف د. رزق الله أن صلب الموضوع يكمن في اختلال المالية العامة التي أرخت بثقلها على الجهاز المصرفي الذي طالما شكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني ولتمويل استثماره الخاص، فانغمس القطاع المصرفي بشكل مبالغ فيه بتمويل القطاع العام ان بالليرة او بالدولار وان بشكل مباشر بالاكتتاب بسندات الخزينة او بشكل غير مباشر عبر شراء شهادات إيداع المصرف المركزي لا سيما بالدولار بجزء كبير من ودائع الناس بالدولار ..فيما كان ميزان المدفوعات يتراجع منذ العام 2011  وتزداد الفجوة بين المطلوبات  والموجودات الفعلية بالدولار ويتقلص الاحتياطي الفعلي بالدولار وبالتالي هامش تدخل المصرف المركزي للمحافظة على استقرار سعر الصرف وفق سياسة الربط المعتمدة منذ العام 1997 بين العملتين في بلد يرتفع فيه معدل الدولرة الى 76% من مجموع الودائع…اما بالعوامل غير الاقتصادية المؤثرة والتي ربما كان لها دورها في تبدل المؤشرات الاقتصادية منذ العام 2011 فهي مسألة طبيعية إذ من العبث قراءة الاقتصاد بمعزل عن السياسة، فلبنان البلد الصغير بمساحة 10452 كلم مربع لا يعيش على جزيرة منفصلة عن العالم.. واذا كان من دور للعوامل غير الاقتصادية في تراجع حركة الرساميل والاستثمار والسياحة الى لبنان او في زيادة المضاربة اليوم على الليرة اللبنانية، فذلك يستدعي قراءة مسؤولة في السياسة والخيارات المعتمدة وفي انعكساتها على الاقتصاد وعلى الاستقرار الإجتماعي لوضع رؤيا شاملة لدور لبنان ومستقبله يتحمل فيها جميع الأفرقاء والقطاعات مسؤولياتهم تجاه المواطنين اللبنانيين كما تجاه الأجيال القادمة..فالمواطن اللبناني قدم الكثير من التضحيات في الحرب وفي السلم ومن حقه معرفة مسار مصيره للمستقبل..

هنا نصّ الحوار كاملاً

  • في ظلّ ما يعانيه لبنان من تراجع لمعدلات النمو وانكماش الفوائض التي كان حققها في بعض الموازين الأساسية، كيف ترى د. سهام رزق الله السبيل الى العودة بالاقتصاد اللبناني الى وضعه السابق؟

في الواقع ليس المطلوب عودة لبنان إلى واقعه السابق اذا كان المقصود بالسابق الأعوام القريبة الماضية لأن الخلل في الأداء خلالها هو ما اوصل إلى انفجار الأزمة اليوم. فترة انفجار الأزمة ليست فترة حدوث الخلل بل فترة ظهور نتائجه بفعل الفترات السابقة التي ادت تراكمات مشاكلها إلى لحظة الانفجار. من هنا المطلوب تصحيح الخلل عبر اصلاحات جزرية وليس “ترقيعات ظرفية” والبناء من جديد على اسس ثابتة قوامها استعادة ثقة المواطن اللبناني والمجتمع الدولي.

  • كيف يمكن للدولة اللبنانية معالجة التقلبات الاقتصادية بشكل عام؟

التقلبات الإقتصادية وغير الإقتصادية هي نتيجة البناء على رمال متحركة بدل التأسيس على صخر ثابت. لذلك تكون المعالجة باعتماد خيار البناء الصلب على صخر ثابت لا يلتوي مع كل هبة ريح في أقصى بقاع الأرض.

  • ما هو الحل المناسب لتراجع الليرة اللبنانية مقابل الدولار كما تراه د. رزق الله؟

إشكالية سعر الصرف تحتاج لقراءة مسارها وخلفياتها لتبصر سبل مخارجها المتعددة الاوجه.

اقتصاديا ونقديا، من المعروف أن سعر ال 5.1507 لم يكن سعرا ناتجا عن توازن العرض والطلب في سوق حر يعتمد نظاما مرنا لسعر الصرف، بل كان نتيجة سياسة ربط لليرة اللبنانية بالدولار الأميركي تم اعتمادها لسببين اولا لتأمين الاستقرار في الاسواق بعد تجربة التضخم المفرط وانهيار العملة الوطنية في الثمانينات ال  مطلع التسعينات ازاء الدولار الذي ارتفع من 3 ليرات قبل الحرب إلى 3000 ليرة خريف العام 1992 الى أن استلم الرئيس الشهيد رفيق الحريري  رئاسة الحكومة وتم تعيين د. رياض سلامة حاكما للمصرف المركزي واتخاذ القرار على صعيد الدولة ككل باعتماد سياسة نقدية مناسبة تهدف إلى تهدئة الأسواق والتعويض عن ذكرى الفترة التضخمية وتعزيز الثقة لدى العملاء الاقتصاديين..ومن جهة ثانية، سياسة الربط هي خيار معتمد اجمالا في حال الدولرة  المرتفعة واستخدام الدولار  الاميركي والعملة الوطنية جنبا إلى جنب في الأسواق، وفي لبنان كانت الدولرة تخطت حدود 75% (للتسليفات وحتى اكثر للودائع).  في هذه الحال تصبح  سياسة ضبط السيولة بالعملة الوطنية غير فعالة للجم التضخم وتحقيق الاستقرار النقدي لان معظم السيولة المتداولة هي بالدولار، لذا يتم اللجوء الى سياسة ربط العملة الوطنية بالدولار المستخدم الى جانبها لا بل اكثر منها في السوق،  حتى ان المصرف المركزي أنشأ غرفة مقاصة للشيكات بالدولار… الا ان سياسة الربط تحتاج تأمين احتياطات بالعملات الأجنبية بشكل مستمر مما يستلزم سياسات استقطاب للرساميل والاستثمار من الخارج وتعزيز السياحة وبالتالي المناخات المناسية لذلك، وتشجيع التصدير علما ان الانتاج اللبناني يعتمد كثيرا على استيراد المواد الأولية والتجهيزات من الخارج الأمر الذي يجعل تدهور سعر الصرف مضرا للانتاج الوطني أكثر مما هو مفيد لناحية تحسين التصدير عبر زيادة القدرة التنافسية كما هي الحال في سائر البلدان التي تتعتمد أحيانا تخفيض قيمة عملتها لزيادة صادراتها.. من هنا، ليس بالضرورة أن يعود سعر الصرف إلى ما كان عليه وهو مدعوم بفعل سياسة الربط على  5.1507 بل المهم استقراره على مستوى يعكس حقيقة سعر الليرة إزاء الدولار بالنظر الى المؤشرات الماكرو إقتصادية الداخلية والخارجية بحيث لا يبقى هذا التعدد في اسعار الصرف كما هي الحال اليوم… نقطة التحول نحو الاستقرار تبدأ بإشارة اصلاح لاستعادة الثقة وطمانة الجمهور.. هذا اقتصاديا..

أما بالنظر الى العوامل غير الإقتصادية التي ممكن ان تساهم بالضغط باتجاه المضاربة على الليرة اللبنانية فهذا موضوع آخر ينبغي قراءته، في حال وجوده، بالسياسة وليس بالاقتصاد، فلبنان بالنتيجة لا يعيش على جزيرة منفصلة عن العالم، ولا يمكن قراءة الاقتصاد بمعزل عن السياسة.. علما ان جوهر الأزمة هو اقتصادي بحت بفعل المديونية المرتفعة وانغماس الجهاز المصرفي من مصرف مركزي ومصارف تجارية إلى حد كبير بتمويل الدولة أن بالليرة أو بالدولار الأميركي فيما ميزان المدفوعات يتراجع منذ العام 2011 وتم اللجوء إلى الهندسات المالية منذ العام 2016 فيما كانت تزداد الهوة بين الموجودات والمطلوبات بالدولار، ويتراجع استقطاب الرساميل والاستثمارات الخارجية بالدولار وتراجعت كذلك السياحة وانفاقاتها بالدولار، كما تراجع معدل النمو الاقتصادي من أكثر من 8% عام 2010 الى اقل من 1%  تباعا بعدها !!!.. في ظل تبدل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان والمنطقة .. كل هذه المعطيات ينبغي أخذها بعين الاعتبار لتبيان خارطة الخروج من الأزمة..

  • على الرغم من ضخامة الأموال التي كانت وفدت الى لبنان، لكنها لم تفضي الى حل المشاكل الاقتصادية اللبنانية كما هو مفترض، لماذا؟

النتائج الإيجابية من دخول أموال إلى البلاد ترتبط بحسن استخدامها وتوجيهها نحو الاستثمارات المنتجة التي تحقق أقله معدل نمو يفوق معدل زيادة الدين سنويا، وليس معدل نمو 1% مقابل زيادة سنوية للدين تفوق 7%! هذا الأداء كان من الطبيعي أن يوصل إلى ضرب استدامة الدين والوصول إلى كرة ثلج من تنامي المديونية العامة بدلا من تحقيق فائض اولي (يعني الفارق بين الايرادات والنفقات دون احتساب خدمة الدين اي فوائده السنوية) حتى يعطي لبنان محددا إشارة باستعادة القدرة على السداد  وبالتالي اعادة الثقة من الداخل والخارج باقتصاده.

  • هل يعاني لبنان من ضعف المناعة الاقتصادية في مواجهة الأزمات، وهل لهذا الضعف علاقة بالسياسات الخاطئة؟

المناعة في الاقتصاد لا تتحقق بدون مناعة في السياسة العامة ككل، مسألة دراسة انعكاس مؤشر اقتصادي على آخر بشكل تقني وبمعزل عن سائر العوامل لا تحصل الا بشكل نظري داخل صف الاقتصاد! أما على ارض الواقع فلا يمكن مثلا تصور زيادة استثمار بمجرد تخفيض الفوائد اذا لم يتوفر المناخ الاستثماري المؤاتي والاستقرار السياسي الضروري والرؤيا التنموية الإقتصادية الاجتماعية الشاملة والعادلة والمتوازنة واذا لم يطمئن المستثمر الموعود إلى ضبط جو الفساد وتعزيز الإصلاح الذي يعطيه الأمان في ظل دولة قانون تحفظ حقوقه وتسمح بالمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص دون محسوبيات بينه وبين غيره… وحدها الثقة هي مفتاح باب المناعة  على جميع المستويات.

  • هل فكرة الحوار الاقتصادي جديرة بالبحث عن تسويات بين أطراف الانتاج والقوى السياسية مجدية؟

مدى فعالية الحوار بين أقطاب الاقتصاد والقوى السياسة مرتبط بمدى ثقة الأفرقاء الاقتصاديين بالقوى السياسية الموجودة على الساحة والداعية للاجتماع…

  • كيف يمكن تخفيف ارتباط الاقتصاد المحلي اللبناني بالخارجي، بعدما أن أصبحت المساعدات والتحويلات هي السبيل الوحيد للتعويض عن نقص الادخار وردم فجوة الموارد؟

الاقتصاد العالمي في مسار عولمة وميزة لبنان كانت في نظامه الاقتصاد الحر في المنطقة، وبالتالي ليس البحث عن سبل فك ارتباط لبنان بالخارج، بل عن حسن التعامل مع الخارج لما فيه توازن المصالح بين الجميع ان في الاتفاقات الثنائية او المتعددة الاطراف في التجارة أو في السياحة واستقطاب الرساميل والاستثمارات في المجالات التي يملك فيها لبنان ميزان تفاضلية…

  • ما هو السبيل إلى تطوير الوظيفة الاقتصادية للقطاع المصرفي ضمن صيغة تبادلية متوازنة؟

القطاع المصرفي هو العمود الفقري للاقتصاد اللبناني وهذه لا طالما كانت وظيفته الإقتصادية للبنان وميزته الخاصة في المنطقة..إلى أن انغمس بشكل مبالغ فيه بتمويل القطاع العام بين الاكتتاب بسندات الخزينة وشراء شهادات ايداع المصرف المركزي، فيما وظيفته الإقتصادية تحتاج ان يوجه أكثرية تمويله نحو القطاع الخاص وتمويل النشاط الاستثماري… طبعا ابرز العوائق لذلك كامت في المناخ الاستثماري غير المشجع كما في ارتفاع مستوى الفوائد التي كانت مرتبطة إلى حد كبير بمستوى الفوائد التي اضطر القطاع العام اللبناني على تقديمها لاستقطاب التمويل فأصبحت الفوائد على سندات الخزينة وشهادات الإيداع الأكثر تأثيرا على مستوى الفوائد ككل ، الدائنة والمدينة، وطبعا بفعل أيضا عامل المخاطرة وخطر السداد الذي كانت يعكسه تراجع تصنيف لبنان السيادي من الوكالات الدولية (فيتش، موديز، ستاندرد & بورز).

  • كيف نجعل الأهداف المالية والنقدية تابعة للأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتنموية؟

ليس الموضوع ان تكون تابعة بل ان تكون السياسات المالية والنقدية وسياسة القطع وسياسة الاقتصاد الخارجي منضوية في إطار رؤيا اقتصادية تنموية شاملة دون تضارب في ما بينها بل تكامل لنهضة فعلية متوازنة من مختلف الجوانب.

  • هل حان الوقت لجعل مهمة خفض الدين العام اللبناني جزءاً مهماً لا يتجزأ من رؤية اقتصادية متعددة الأبعاد لا مهمة منفصلة وقائمة بذاتها تعطل غيرها من المهمّات؟

طبعا كون الدين العام والدولرة وربط العملة تشكل مثلث الضغوط على الاستقرار النقدي طبعا مع وضع ميزان المدفوعات.. علما ان الدين عام نفسه ليس صلب المشكلة بل المسألة في تنشيط العجلة الاقتصادية وتحقيق معدل نمو اقتصادي يفوق معدل زيادة الدين حتى يتمكن من السداد ومن النهوض تدريجيا.. وتبقى بداية الاقلاع نحو المسار الإيجابي في إطلاق اقله شرارة إصلاح واحدة مثل إيجاد حل جزري للكهرباء في لبنان وهي التي استنزفت وحدها اكثر من 30 مليار دولار على مدى سنوات يعني أكثر من ثلث الدين العام دون التمكن من تأمين التيار الكهربائي 24 / 24!.

  • ما زالت معادلة المخاطر التي تتبناها الدولة اللبنانية مبنية على عناصر مالية ونقدية، ألا ينبغي، مع تغير الظروف وتعدد مصادر الخطر، تطوير هذه المعادلة بحيث تشمل عناصر اجتماعية واقتصادية لم تلحظ سابقاً؟

صحيح المطلوب سياسة تنموية اقتصادية اجتماعية شاملة تؤمن تحسين مستوى العيش وتواكب أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة التي تأخذ بعين الاعتبار النواحي الاقتصادية والبيئية والإجتماعية التي تحقق استخدام الموارد الطبيعية الاستجابة إلى حاجات الأجيال الحالية دون حرمان الأجيال القادمة من حقها منها..المسؤولية الاجتماعية ينبغي أن تكون في صلب الخيارات وليس مجرد نمو اقتصادي رقمي.. فلبنان شهد معدل نمو اقتصادي فوق 8% ولكن حتى حينها لم تكن التنمية المتوازنة موجودة ولا كانت الكهرباء متوفرة ولا حسن ادارة للموارد المائية وحمايتها من التلوث في بلد يتغنى بكون مياه الامطار تضاهي أضعاف حاجاته منها، ولا التغطية الصحية الشاملة موجودة ولا ضمان للشيخوخة ولا نظام تقاعدي شامل ولا أدنى مساهمة مالية للعاطلين عن العمل للحد الأدنى من عيشهم الكريم ولا اهتمام بالحفاظ على البيئة لا برا ولا بحرا ولا جوا..

ينبغي إصلاح السياسات التجارية؟

  • هل يمكن القول بأن الاقتصاد اللبنان حر…. أو الأكثر تحرراً بين دول المنطقة؟

التبادل دائما مربح بين طرفين طالما احسن كل منهما التخصص بالمجالات التي يتمتع فيها بميزات تفاضلية وقدرة تنافسية..هكذا يوصل التبادل إلى التكامل بدلا من المنافسة غير المتكافئة وحالات الإغراق واقفال مؤسسات وقطاعات بدل توجيهها الى مجالات أخرى تلمع فيها ومتكامل مع غيرها… الا ان التوصل إلى هكذا خيارات مربحة لكافة الشركاء لا يمكن أن ينتج عن تفاوضات منزلة على الافرقاء الاقتصاديين بل من مفاوضات منبثقة عن مشاركتهم في صياغة اقتراحات ومناقشتهم لبنودها وتصويتهم على قراراتها …

  • مع سطوة الاحتكارات التي تجعل زيادة أسعار المواد المستوردة في لبنان أعلى دائماً من نسبة ارتفاعها في المنطقة والعالم؛ فما هي الخطوات التي تكفل إطلاق التنافسية وتحري

مع سطوة الاحتكارات التي تجعل زيادة أسعار المواد المستوردة في لبنان أعلى دائماً من نسبة ارتفاعها في المنطقة والعالم؛ فما هي الخطوات التي تكفل إطلاق التنافسية وتحرير الأسواق بالسرعة المطلوبة؟

مسألة الاحتكارات خطرة ودقيقة جدا  وهي باتت أكثر تأثيرا اليوم في الأسواق اللبنانية مع اختلاطها بحملة عناصر منها فرق العملة ازاء الدولر ومحاولات البعض من استغلال الازمة لتحقيق فائض غير شريف بالأرباح عبر تخزين المواد واحتكار المنتجات، والموضوع ليس محصورا بالتجار كما يعتقد البعض بل أيضا من بعض المواطنين المقتدرين الذين يعمدون على تشجيع الاحتكار عبر شراء مواد استراتيجية وتخزينها لتفادي شراءها لاحقا بسعر اعلى، فيضغطون على الطلب ويخزنون المواد ويقلصون توفرها في السوق فيتسببون بحرمان غيرهم منها ويسرعون وتيرة ارتفاع أسعارها أكثر، وهذا مؤسف لانه يعكس من البعض الميسور “أداء انانيا” على حساب الطبقات الأضعف والتي لا يمكنها شراء كميات دفعة واحدة بالسعر المقبول بل تشتري تباعا كميات قليلة كلما توفر معها ثمنها فتفتقد المواد وتتحمل أسعارها الأعلى بسبب الاحتكارات والتخزين من المقتدرين.. وهذا ينسف مبدأ المساواة الاجتماعية الضروري لضمان الاستقرار في اي مجتمع، في الوقت الذي يحتاج المجتمع للحد الأدنى من التضامن والتعاضد الاجتماعي لتخطي الازمة.. اما التنافسية وتحرير الأسواق فيحتاج نظاما اقتصاديا حرا وسياسة تجارية مؤاتية.. صحيح أن الدستور اللبناني يكفل النظام الاقتصادي الحر الا ان اتفاقات التبادل ليست فقط بالنصوص بل ايضا بحسن تطبيقها، ومعظم الأحيان كانت القطاعات الإنتاجية تشكو من مشاكل التطبيق أكثر من خلل النصوص.

  • ما هي الحلول التي تراها الدكتورة سهام رزق الله المفترضة للخروج من الأزمة اللبنانية الاقتصادية؟

الإجابة على هذا السؤال هي في الدراسة التي نشرتها حول أولوية إنقاذ الجهاز المصرفي اللبناني حماية لأموال المودعين وأصحاب الحقوق، وحفاظا على القطاع الاساسي في تمويل الاقتصاد وقطاعيه الخاص والعام واستعادة للثقة الخارجية لاعادة استقطاب التمويل.. وطبعا يبقى تحقيق الاصلاحات الشاملة مسالة رئيسية واستراتيجية ان كان لجهة الرؤيا الإقتصادية الشاملة التي ذكرناها، أو لجهة تخفيض كلفة القطاع العام من الموازنة السنوية (وهي بحدود 40% فيما المعدل العالمي لا يتخطى 15%)، ترشيد الإنفاق العام، وقف التهريب وتحسين الجباية من المرافق العامة، وضع سياسة رعاية وتنمية اجتماعية اقتصادية مستدامة،  اقرار قانون للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات يقدم حوافز القطاع الخاص الاستجابة لحاجات المجتمع والبيئة كما الاقتصاد من خلال تطبيق الأهداف التنموية للأمم المتحدة، انشاء صندوق سيادي يضمن استعادة الجهاز المصرفي والموظفين لحقوقهم ان كان بخصخصة قطاعات عامة أو باعتماد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص فيها لفتح باب المنافسة وتحسين مؤشر النوعية/السعر  وتحسين الإدارة فيها وضبط المحسوبيات، وبتحسن إدارة أملاك الدولة،  فضلا عن ضرورة اعتماد سياسة صرف مواكبة المؤشرات الاقتصادية ووضع ميزان المدفوعات الذي يصطلح مساره باستعادة الثقة من الداخل والخارج  وينعكس ذلك في حركة الرساميل والأشخاص والاستثمارات وتبادل الخبرات.. لبنان بدأ صغير ويملك عنصر بشري مميز بالعلم والثقافة والانفتاح على العالم وبالتالي لديه هيكليا عناصر أساسية للنهوض، ولا يبقى سوى حسن التعامل ظرفيا مع الخلل في الأداء بغية الوصول إلى الأهداف المنشودة.. مبلغ صغير يكفي لتحريك الاقتصاد اللبناني من جديد بشرط حسن استخدامه..ولكن الحصول عليه يحتاج إشارة ثقة وهذه الثقة تنتظر جدية بخطوة إصلاحية فعلية بدءا اقله بمجال واحد.. الازمة المتعددة الاوجه جرحت في الصميم المواطن اللبناني بعنفوانه وعزة نفسه وحقه بالعيش الكريم بعد كل التضحيات التي قدمها بالحرب وبالسلم.. حقه اليوم ان يرفع الصوت لاستعادة حقوقه والكل في الداخل والخارج ينتظر بدء درب الإصلاح ولو بخطوة لاستعادة الثقة وإطلاق عجلة النهوض.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى