فرص تغيير سياسة إيران تجاه العراق بعد تعيين الكاظمي* هدى رؤوف
النشرة الدولية –
في أواخر 2019 ظهر كثيرٌ من المؤشرات التي أبرزت تحدياً للوجود الإيراني بالعراق. شعبيّاً، تظاهرات منددة بذلك الوجود، ترجع في أسبابها الأولى إلى فشل النخبة العراقية في تحسين الوضع الاقتصادي المتدهور والفساد الحكومي، ومن ثمّ كان اختيار تلك النخب الموالية إيران عاملاً مهمّاً في تأجيج غضب المواطنين العراقيين.
وامتدت تلك التحديات لتشمل عدم قدرة طهران على إقناع الفصائل السياسية بالبرلمان العراقي بدعم مرشح مؤيد إيران لمنصب رئيس الوزراء، وجاء مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء من خارج المعسكر الإيراني.
ومع مجيء مصطفى الكاظمي بدا عزمه على استعادة سيادة الحكومة على جميع مناطق البلاد. وأحد التحديات أمامه الميليشيات المسلحة الموالية النظام الإيراني، وستظهر قدرته على كبح جماح نشاط الميليشيات المدعومة إيرانيّاً، بعد سنوات من تضاؤل قدرة بغداد على فرض سيادتها على المنظمات المسلحة العاملة على أراضيها، خصوصاً قوات الحشد الشعبي المدعومة من طهران.
وقد ظهرت احتمالات التغيير في الأشهر الأخيرة، إذ وعد الكاظمي باتخاذ إجراءات من أجل تعزيز حكم القانون وسيادة الدولة، وأولى خطواته كانت إقالة فالح الفياض رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع النظام الإيراني ورئيس هيئة الحشد الشعبي، في خطوة تعدُّ إشارة إلى رغبة في تقليل نفوذ طهران على القرار السياسي والأمني.
وبالنسبة إلى نشاط الميليشيات المسلحة، فقد ركّز الكاظمي على كتائب حزب الله، باعتبارها أداة إيرانية تشنّ هجمات ضد القوات الأميركية بالعراق. وعلى الرغم من تحذيراته فإن القصف الصاروخي استمرّ على المجمع في بغداد الذي يضم سفارة الولايات المتحدة. وفي أواخر يونيو (حزيران) ألقت قوات مكافحة الإرهاب العراقية القبض على كثير من عناصر كتائب حزب الله.
كما أطلق الكاظمي حملة لفرض السيطرة الكاملة على المنافذ الحدودية العراقية مع جميع الدول المجاورة، بدأ بمنفذ ماندالاي الحدودي مع إيران في محافظة ديالى، ثم انتقل إلى حدود البصرة البرية والمائية، بما في ذلك منفذ الشلامجة مع إيران، ومنفذ صفوان مع الكويت. وقد كانت هذه المنافذ في السابق تحت سيطرة الميليشيات والأحزاب السياسية، ما مكّنها من كسب ملايين الدولارات من التهريب والضرائب غير القانونية.
وزار الكاظمي إيران الثلاثاء الـ21 من يوليو (تموز) 2020، بعد تأجيل الزيارة المقررة للسعودية، ولوحظ الاهتمام الإيراني بالزيارة، وتغيير مراسم الاستقبال، ليستقبله رئيس الجمهورية على غير عادة استقبال رؤساء الوزراء العراقيين من قبل، كما أنه التقى المرشد الإيراني الذي امتنع عن إجراء أي مقابلات بعد انتشار فيروس كورونا.
وفي أثناء الزيارة أكد روحاني احترام سيادة العراق، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، كما قال خامنئي “إيران لا تتدخل في العلاقات العراقية الأميركية، وإنها تريد عراقاً قويّاً ومستقلاً، يتمتع بالسلامة الإقليمية الكاملة والوئام الداخلي، وإنها ضد أي شيء يضعف الدولة العراقية”. ويلاحظ هنا تغيير في الخطاب الإيراني، وتأكيد فكرة عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
إنّ مراسم استقبال الكاظمي تعني محاولة إيران استمالته، وإبداء الترحيب والمودة، وتصريحات خامنئي توضّح نزوع إيراني للتهدئة مع رئيس الوزراء العراقي، لا سيما أن السعودية كانت وجهته الأولى خارج البلاد.
إيران ليس لديها مصلحة في مزيد من التصعيد، بالتالي فهي امتنعت عن انتقاد إجراءات الكاظمي منذ وصوله إلى الحكم، فطهران لم تنسَ أن موجة الاحتجاجات في العراق كانت موجهة في جزء كبير منها ضد إيران التي تصوّرت أن بغداد أصبحت تحت سيطرتها الكاملة، كما جرت تلك الاحتجاجات في المناطق الشيعية.
وبالنسبة إليها، فإنّ الحفاظ على مصالحها التي تشمل توسيع نفوذها الاقتصادي والاجتماعي في العراق، والاقتصادي أهم أولوياتها. فقد أكد روحاني أنّ البلدين اتفقا على توسيع العلاقات التجارية إلى 20 مليار دولار، والمُضي قدماً في كثير من مشروعات البنية التحتية، بما في ذلك ربط السكة الحديدية الإيرانية بنظيرتها في العراق عبر خط سكة حديد الشلامجة والبصرة وتنظيف وتجريف شط العرب.
لذا، يتماشى هذا الخطاب الإيراني المغاير الذي يؤكد عدم التدخل مع توجهات الكاظمي، الذي يستهدف تعزيز سيادة الدولة العراقية، وتقييد عمل الميليشيات، وبدأ حواراً استراتيجيّاً مع الولايات المتحدة التي هي الأخرى على أجندة زياراته الخارجية، فقد صرّح خلال لقائه روحاني بأن العراق يريد بناء علاقة بنّاءة مع إيران، مؤكداً أن العلاقة بين البلدين يجب أن تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والخصوصية لكل دولة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما بعضاً.
وبشكل عام، يستهدف الكاظمي توثيق التعاون بين بغداد وجيرانها من الدول العربية، لذا جرى الاتفاق بين العراق والولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، لربط العراق بالشبكة الكهربائية لدول مجلس التعاون، كما أعلنت الولايات المتحدة دعمها هذا المشروع ومساندة بغداد اقتصاديّاً، على أن يتحوّل إلى منصة استقرار إقليمي.
مؤكدٌ أن هذه فرصة سانحة للدول العربية والخليجية منها، لتقوية أواصر التعاون مع العراق. فكل مساحة تكتسبها العلاقات العربية العراقية لا شكّ ستكون خصماً من المساحة الإيرانية في العراق، ويمكن دفع ذلك التوجه من خلال السعودية التي هي على أجندة زيارة الكاظمي، بتأكيد أن الظروف الاقتصادية وتحديات إعادة إعمار البنية التحتية للعراق بعد الحرب مع “داعش”، كلها تشير إلى أن أولوية العراق اقتصادية، وهذه الأمور لن تتحقق من خلال استمرار نمط العلاقات مع إيران المنهكة اقتصاديّاً، والتورط معها إقليميّاً، واستخدام بغداد ساحة للصراع الإقليمي.