أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد.. ومواقفه العروبية

بقلم محمد داودية

سمعت من دولة عبد الكريم الكباريتي اول الاشادات والتنويه بمزايا ومناقب وحكمة سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت. كان ذلك في منتصف تسعينات القرن الماضي.

فقد تولى دولة أبو عون منصب وزارة الخارجية في الوقت الذي كان فيه الشيخ صباح الأحمد وزيرا لخارجية بلاده لعدة عقود.

جمعت الرجلين وما تزال، صداقة ومودة شخصية وقومية نقية صافية، أثمرت كسر الحصار الظالم الخانق الذي تعرض له الأردن الموصوم ظلما بأنه احد دول الضد الأربعة (مع اليمن والسودان ومنظمة التحرير الفلسطينية) بسبب اصرار الأردن على الحل العربي-العربي لكارثة غزو العراق للكويت في 2 آب 1990.

لقد كنت من اوائل من ساهموا في كسر الحصار الإعلامي. اتصل بي دولة عبد الكريم الكباريتي وطلب مني ان أشارك في مناظرة تلفزيونية مع السيد مسلّم البراك يبثها تلفزيون الكويت الرسمي لايف. ذهبت الى مبنى التلفزيون الأردني مشاركا من هناك عبر القمر الصناعي في المناظرة الصعبة الحادة مع شخصية كويتية صعبة جدا. لم تكن المغالبة هدف المناظرة. كان الهدف هو فتح قنوات الحوار. قال لي دولة أبو عون ان جلالة سيدنا الملك الحسين بالصورة وانه سيحضر اللقاء «لايف».

وقد اثار دهشتي تدخل صحفي اردني مقيم في الكويت، كال اتهامات ظالمة من ضمنها (اننا وجدنا كمية كبيرة من صناديق الذخائر مكتوب عليها صنع في الأردن!!). قلت له ان هذا الاتهام ملفق باطل لأن سلاح الجيش العراقي شرقي والذخيرة الأردنية غربية. وكانت قمة الاثارة حينما سألني المذيع الكويتي: ما هي ردود فعلكم في الأردن على الرسالة التي وجهها الملك الحسين الى الأمير الحسن صباح اليوم؟!!!!.

كان السؤال على الهواء مباشرة «لايف». لم اكن قد قرأت الرسالة الملكية !!. وليس معي ثانية تلكؤ واحدة. ولا يسمح المقام ببلع الريق ولا بالتردد. اجبت فورا: يا أخي الكريم، هذا هو موقفنا القومي الثابت الذي لا يتغير. هل تريد موقفا قوميا اكثر وضوحا وتقدما من هذا الموقف؟. قال المذيع الذي علمت لاحقا انه موصى على ترطيب الاجواء: لا طبعا لا. بعد ان خرجت من التلفزيون الأردني اتصل بي الأخ امجد العضايلة مدير الاعلام في الديوان الملكي قائلا ان الملك اهتم بالمقابلة وانه يريد نسخة من شريطها.

واضاف لقد أرسلت سيارة الى التلفزيون لاحضار الشريط الى سيدنا.

التقيت مع معالي الشيخ احمد الفهد الصباح رئيس اللجنة الأولمبية الكويتية عضو اللجنة الأولمبية الدولية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاعلام الكويتي في اكثر من مناسبة ومكان، في مجلس وزراء الشباب العرب في القاهرة 1996 و1997 وفي جزيرة بالي الاندونيسية وفي أبو ظبي اثناء تصفيات كاس الخليج.

لقد سجل الشهم الشيخ احمد الفهد الصباح «واحدة عندنا» لما اعلن تنازل الكويت ودعمها ترشيح الاردن لاستضافة الدورة الرياضية العربية في عمان عام 1999 قائلا «الكويت لا تتنافس مع الأردن». فقلت له انني اتنازل لك ايضا شيخ احمد على نفس القاعدة «ان الاردن لا تتنافس مع الكويت». ولما اصر على التنازل كان له ما أراد.

وتقررت الدورة في عمان. حينها فاز منتخبنا بكرة القدم ببطولة العرب في المباراة النهائية مع منتخب العراق بركلات الترجيح. كما فزنا قبلها بعامين في بيروت، بهدف الدبور جريس تادرس القاتل في مرمى المنتخب السوري في الدقائق الاخيرة من المباراة. قال لي الشيخ احمد الفهد متحسرا: لقد قصّرنا مع حكومة الحبيب عبدالكريم الكباريتي. قصّرنا نحن في الكويت.

وقصّرت دول الخليج كلها فلم ندعم حكومته كما يجب!!.

يمثل الشيخ عزيز الديحاني السفير الكويتي في عمان طرازا جديدا مختلفا من الدبلوماسيين الذين لا يتوقفون عن العمل من اجل رفع درجة العلاقات الأردنية الكويتية الى ذرى اعلى. طراز فريد مثل الصديق أبو بدر لا تستطيع ان تميّز، ان كان سفيرا للاردن ام سفيرا للكويت ام هو هما معا!!. ان هذه المحبة الغامرة للاردن هي محبة مستمدة من محبة نموذجه وبوصلته سمو امير الكويت.

انا على درجة قلق شديدة على صحة سمو حبيب الأردن والعرب الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الذي غادر الى الولايات المتحدة الامريكية فجر امس الأول لاستكمال العلاج. وادعو الله ان يعافيه وان يرده سالما الى شعبه الحبيب وامته العربية وان يمد في عمره المبارك.

لقد تميز سمو امير الكويت، صاحب اوسع تجربة دبلوماسية وسياسية، بالحكمة والاعتدال وتكريس الجهود اللازمة لرأب الصدوع العربية التي تتكاثر تكاثر الاميبيا، ولم يتوقف سموه عن عزمه على فك النشب العربي-العربي.

يظل سمو أمير الكويت الشيخ صباح، من أبرز الزعماء الحكماء في العالم كله. وهو الأكثر جدارة وكفاءة لحل النزاع الخليجي-الخليجي، لإستناده على خبرة عميقة في العمل الدبلوماسي والسياسي والإعلامي تزيد على ستة عقود.

وبأمانة فقد ظلت دولة الكويت تمد يد العون إلى الأردن واليمن وفلسطين ومختلف الدول العربية والدول النامية، عبر ذراعها الإنساني القوي، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي تأسس عام 1961، وقدم منذ ذلك التاريخ للعديد من الدول العربية، دعما لبناء المستشفيات والمدارس والجامعات والمطارات والطرق والجسور والسدود ومحطات التنقية وغيرها.

وبتوجيهات من اميرها الحكيم، مدت الكويت يد العون إلى بلادنا، في ظروف اقتصادية ينطبق عليها قول: «الصديق عند الضيق». فأودعت 500 مليون دولار لدى البنك المركزي الأردني إضافة الى تقديم حزم من المساعدات الاقتصادية الى الأردن في كل الاوقات الحرجة.

تعبر وقفات الكويت القومية مع الدول العربية في ازماتها المالية عن فهم سمو الأمير صباح الأحمد الصباح الإستراتيجي العميق لمكونات الأمن الإقليمي العربي، الذي تتكامل فيه الأردن والكويت، تكامل الأواني المستطرقة، التي ينفد احدها على الآخر.

ويجدر ان نسجل ان هذا الأمير العروبي التقدمي هو من انصف النساء الكويتيات فقرر اشراكهن في الإنتخابات النيابية ناخبات ومرشحات. وهو أول من قرر إشراك المرأة الكويتية في مجلس الوزراء.

ومعروف ان سمو الشيخ الحكيم، المحبوب اردنيا وعربيا، صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، استطاع ان يجمع عشق الضدين: البحر والصحراء، كما انه مشهود له بأنه سيد السيطرة على حساب الوقت وتوزيعه. ويصل حب سمو الأمير في الكويت إلى حدود مفرطة في عمقها ورسوخها، فهو الذي قاد الجهود الدبلوماسية والسياسية الجبارة لإستعادة حرية شعب الكويت عام 1991.

اكتب عن قائد عربي عظيم، متجردا من اية مصلحة من اي نوع كان مع الكويت، التي لم ازرها الا «ترانزيت» وانا في طريقي من عمان الى جاكرتا عندما كنت سفيرا لبلادي هناك. وسبب تلك الزيارة وجود سفيرنا العزيز جمعة العبادي في الكويت ووجود الدبلوماسي الغالي محمد حميد فيها.

لا شك اننا نتطلع بآمال عراض إلى عودة سمو الشيخ صباح أمير دولة الكويت، سالما غانما معافى لاستئناف دوره القومي والانساني لما يتمتع به من حكمة وقدرة ومراس وحنكة، على فض الإشتباك الخليجي واية اشتباكات مؤذية لمنعة امتنا ولقضيتنا الكبرى القضية الفلسطينية. ويجمع العالم على ان الشعب الكويتي قد وصل مدارج عالية على سلم الديمقراطية.

ويفرحنا ان هذا الشعب العربي الأصيل، قد حقق النضج السياسي والتقدم الديمقراطي الذي يعبر عن نفسه في الصحافة والثقافة وفي مجلس الأمة الكويتي المفخرة، الذي يعد نموذجا بارزا للكرامة والحريات والتشريع والرقابة، في الإقليم وفي العالم العربي. ونظل نفتخر بمواقف العزة والشموخ التي يقفها الشيخ مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي، المقاتل بجسارة ووعي وبلا هوادة، عن حقوق أمتنا العربية عامة وعن حقوق شعب فلسطين العربي.

يصدر الرنتيسي عن تجربة عمل في صحافة الكويت بدأت في صحيفة الرأي العام الكويتية قبل الغزو العراقي للكويت في 2 آب 1990. وفي صحيفة أوان الكويتية التي أسسها وكان رئيس التحرير فيها المفكر الكويتي الكبير الدكتور محمد الرميحي.

يقول الأستاذ أسامة: «فترة عملي في الكويت من اجمل فترات حياتي المهنية فقد تعرفت خلالها على عمق اخوتنا الكويتيين الذين يتميزون بعروبة شفافة ومنتمية لم تتاثر كثيرا بالغزو القبيح الذي تعرضت له بلادهم.

وشعرت خلال وجودي في الكويت بمدى الحب والتقدير للشعبين الاردني والفلسطيني ودورهما في بناء دولة الكويت الحديثة، وعشق الشعب الكويتي لجلالة الملك والملكة ويضيف أسامة: ان منسوب الثقافة والفن والحضارة والوفاء وحس الديمقراطية عند الشعب الكويتي اعلى منه عن باقي دولنا العربية.

الكويتيون متعلقون جدا بسمو الامير الشيخ صباح فهو الذي ساهم في بناء الكويت قبل الغزو وبعده، وامتدت صفاته الطيبة لباقي العالم حتى اطلق عليه امميا امير الإنسانية.

وعندما يتحدث الصديق الأستاذ أسامة الرنتيسي رئيس تحرير صحيفة العرب اليوم الأسبق عن الكويت صحافة وثقافة وشعبا ونظام حكم، فإنه يتحدث بحماسة ومودة يحبب المستمع الذي لم يزر الكويت بها.

لقد احببنا الكويت عن بُعد، لما في تجربتها الديمقراطية والصحافية والثقافية من حرية وتطور. فمن صحافتها ومجلاتها تعرفنا على كاريكتير الشهيد ناجي العلي. وعلى رباعيات الشاعر احمد مطر.

وعلى الروائي فهد إسماعيل كاتب رواية «كانت السماء زرقاء». وعلى اول فيلم وثائقي كويتي فيلم «بس يا بحر» تاليف عبدالرحمن الصالح وإخراج خالد الصديق. وعلى مسرحيتي «باي باي لندن» و»سيف العرب» للفنان حسين عبد الرضا. وعلى الشاعر الكويتي التنويري الذي سبق عصره الشاعر فهد العسكر صاحب قصيدة «كفّي الملام وعلليني.. فالشك أودى باليقين».

وتعرفنا على مجلات العربي والطليعة والفكر المعاصر والفنون التشكيلية وغيرها من منجزات الثقافة والفنون التي قدمتها الكويت لأمتها.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button