معاناة مزدوجة لأسر عاملات الفراولة في المغرب بسبب كورونا… عمل شاق بلا أي حماية

النشرة الدولية –

تعاني العائلات في المناطق المغربية التي تنتشر فيها حقول ومصانع الفراولة من أزمة مزدوجة. فهي من جهة تعاني من شح الموارد المالية المتأتية بالأساس من عمل نساء هذه العائلات في مصانع الفراولة ومن جهة ثانية تعرف انتشارا متواصلا لعدوى فايروس كورونا بين العاملات في هذا القطاع.

 

ومنذ يومين، بدأت الملاحقات القضائية في قضية ما بات يعرف في البلاد بـ”البؤر الوبائية” لعدد من المسؤولين في مصانع الفراولة ولبعض المكلفين بتأمين عملية نقل العمال في تهم تتعلق بخرق أحكام المادة الرابعة من قانون الطوارئ الصحية الساري به العمل في البلاد مع بدء أزمة كورونا، وذلك بعد تحقيقات في هذه القضية بدأها القضاء في يونيو الماضي.

 

وكانت السلطات الصحية قد أعلنت حينها عن انتقال عدوى فايروس كورونا لأكثر من 800 شخص، أكثر من نصف هذه الحالات تم تسجيلها في منطقة “لالة ميمونة” بجهة الرباط- سلا- القنيطرة والتي تضم 4 مصانع لتصدير الفراولة تابعة لشركة إسبانية.

 

وحققت السلطات القضائية في ظروف وأسباب تفشي عدوى كوفيد – 19 خاصة في ثلاثة مصانع متخصصة في تثمين الفواكه الحمراء بمنطقة لالة ميمونة بإقليم القنيطرة الواقع في شمال غرب البلاد كانت السبب في ظهور بؤرة وبائية بعدما تم رصد العديد من حالات الإصابة فيها.

 

وأوضح بيان صادر عن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب أن المحكمة بدأت إجراءاتها الجديدة بعد صدور نتائج التحقيقات في القضية “والتي أبانت عن وجود شبهة الإخلال بالتدابير الوقائية والاحترازية المقررة من طرف السلطات العمومية للحد من انتشار الحالة الوبائية للمرض وضمان سلامة الأشخاص”.

 

وتم توجيه تهم إهمال وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لوقاية العمال من انتشار عدوى فايروس كورونا وعدم مراعاة القوانين خاصة في ما يتعلق بالإجراءات الوقائية خلال حالة الطوارئ الصحية.

 

ويعد عمل النساء في حقول ومصانع الفواكه الحمراء- خاصة الفراولة- مورد الرزق الأساسي للكثير من العائلات في منطقة غرب المغرب، حتى أن الكثير من العائلات في تلك المناطق تفرح وتستبشر عندما يكون المولود الجديد أنثى أكثر من احتفائها بالمولود الذكر وذلك عائد بحسب الخبراء في علم الاجتماع والمتابعين إلى عوامل ثقافية متوارثة هناك حيث أن مستقبل الفتاة في تلك المناطق مرتبط بشكل آلي بعملها في مجال جني أو تثمين الفراولة.

 

ووفق دراسة صدرت في العام 2017 عن المنظمة الدولية “أوكسفام” المختصة في قضايا المرأة توجد في كل أسرة على الأقل امرأتان هما المعيلتان لها من خلال عملهما في حقول الفراولة، والكثيرات من بين هؤلاء قاصرات.

 

وتعتبر الكثير من العائلات في مناطق غرب المغرب أن حملات المجتمع المدني للتوعية بحقوق العاملات أو عدم تشغيل القاصرات تهديد لمورد رزقها ما يدفعها لاستهداف نشاط الجمعيات بشكل عنيف في الكثير من المناسبات.

 

وفاقم انتشار عدوى كوفيد – 19 بين عاملات المصانع وضيعات الفراولة في منطقة “لالة ميمونة” الوضعية الاجتماعية المتأزمة والهشة، وهو ما أثار حالة استياء كبيرة في المغرب وتصاعدت المطالبات بمعاقبة المسؤولين عن عدم احترام الإجراءات الوقائية وعن انتهاك حقوق العمال.

 

في كل أسرة توجد على الأقل امرأتان تعيلانها من خلال العمل في حقول ومصانع الفراولة والكثيرات منهن قاصرات

 

وسارعت السلطات المحلية، فور إعلان للا ميمونة بؤرة وبائية وتزايد عدد الإصابات في البلاد، إلى تشديد الإجراءات منها إعلان حظر تجول شامل وإغلاق المحلات التجارية في المناطق القريبة من المنطقة الموبوءة.

 

وحمّلت الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق عاملات قطاع الزراعة مسؤولية هذا الوضع إلى الحكومة وتراخيها في تفعيل الإجراءات الاحترازية داخل هذه المصانع التي تشغل عددا كبيرا من النساء، حيث اعتبرت الجمعيات أنه قد جرى استغلال هشاشة هذه الفئة وحاجتها إلى فرص العمل؛ ما جعل أرباب العمل يستهينون بالتوصيات الوقائية ويجبرون العاملات على الاستمرار في العمل.

 

وقال منتدى المناصفة والمساواة، المهتم بحقوق العمال، إن النساء العاملات في الحقول والمصانع هن الأكثر عُرضة لانتهاك حقوقهن الإنسانية والمهنية ومن بينها: عدم المساواة في الأجور وغياب الحماية الاجتماعية وعدم احترام شروط الصحة والسلامة عند نقلهن من وإلى أماكن العمل، وتشغيلهن لساعات عمل طويلة والحرمان من أبسط شروط الوقاية الصحية وظروف العمل الإنسانية.

 

وتنضاف إلى المعاناة النفسية والصحية لعاملات الفراولة تدهور قدرتهن الشرائية نتيجة التوقف المؤقت عن العمل ومحدودية التعويضات، بحسب الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل التي أدانت “الاستهتار بصحة وسلامة العاملات وجشع بعض أرباب العمل من أجل مراكمة الأرباح على حساب حياة العمال ومصلحة الوطن”.

 

واستنكر تكتل حزب الاستقلال المعارض “الاستهتار بأرواح العاملات”، وقال إن “هذه الفاجعة تتطلب مساءلة القطاعات الحكومية عن التهاون في المسؤولية تجاه العاملات”.

 

فيما طالبت غيتة الحاتمي، البرلمانية عن حزب الحركة الشعبية، بتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، داعية إلى “الكف عن الاستهتار بسلامة العاملات وعن اختيار الربح على حساب صحتهن دون مراقبة للوضع الذي تعيشه النسوة هناك”.

 

وتعالت الأصوات المطالبة بمحاسبة أرباب العمل الذين تسببوا في ما وصف بـ”الكارثة التي ضربت المغرب”. وحملت فاطمة الزهراء برصات، النائبة بالبرلمان عن حزب التقدم والاشتراكية، أرباب العمل المسؤولية المدنية عن أي خلل قد تترتب عنه إصابة العاملات بالوباء، وهو ما يستوجب المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يسببه عدم احترام الالتزامات.

 

ورأت شبكة “تقاطع” للحقوق المهنية أن “مسؤولية الرأسماليين الجشعين ثابتة في جريمة تعريض صحة وحياة الآلاف من العاملات وعائلاتهم للخطر، وكذلك مسؤولية السلطات المحلية عن انتهاك العديد من المعامل والحقول لإجراءات الحجر الصحي، واستمرار نقل العاملات والعمال في شاحنات وعربات بشكل فيه تجاوز للقانون؛ ما ينذر بالمزيد من الكوارث والضحايا”.

 

وطالب مكتب جهة الرباط القنيطرة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بـ”محاسبة أصحاب المصانع المعنية بسبب ما وصلت إليه الوضعية الصحية بدائرة لالة ميمونة، إثر تفضيلهم مراكمة الأرباح على حساب صحة وحياة العمال والعاملات وذويهم”.

 

وإلى جانب معاناة العاملات بمصانع وحقول الفراولة بسبب تفشي وباء كورونا، تتعرض هذه الفئة أيضا للتحرش الجنسي وإهمال صاحب العمل لحقوقهن الاجتماعية والصحية.

 

وأكدت بشرى الشتواني، المنسقة الوطنية لمجموعة شابات من أجل الديمقراطية، أن عددا من العاملات في قطاع الزراعة لا يتمتعن بأبسط حقوقهن مثل التسجيل في الحالة المدنية وصندوق الضمان الاجتماعي والتصريح بوضعيتهن كعاملات.

 

ونبهت عدد من الهيئات النقابية والحقوقية إلى ضرورة حماية العاملات داخل المصانع وفي الحقول وفي كل أماكن العمل، والتأكد من توفر شروط العمل اللائق والتنقل الآمن بما يضمن احترام كرامتهن وسلامتهن وحفز صحتهن.

 

وسعت الفيدرالية المهنية للفواكه الحمراء، وهي تجمع لأصحاب العمل في قطاع جني وتعليب هذه المنتجات، لإبعاد المسؤولية المدنية والقانونية عن المنتمين لها. وأكدت بأنها عملت على ضمان سلامة العاملات داخل الحقول والمصانع وفي وسائل النقل، بالإضافة إلى احترام إجراءات التباعد الاجتماعي ومسافة الأمان ووضع حواجز وقائية بين العمال.

 

واعتبر محمد العموري، رئيس هذه الفيدرالية، أن تصريحات بعض البرلمانيين تأتي في إطار “اتباع الموجة للركوب على قضايا إنسانية” متهما إياهم “بالجهل بتطور قطاع إنتاج الفراولة” في المغرب.

 

وقالت الشتواني إن العاملات يذهبن إلى مكان تجمع العمال في وقت مبكّر من الصباح ما يجعلهن عرضة لمخاطر عديدة من بينها التحرش الجنسي والاغتصاب والسرقة في غياب مسؤول عن أمنهنّ، إلى جانب أن عملية نقلهنّ تتمّ في وسائل ليست مهيأة لنقل البشر بل لنقل البضائع أو الحيوانات دون وجود وسيلة لحمايتهنّ.

 

ولفتت إلى أنه لم يكن هناك أي تباعد اجتماعي في العربات التي تقلّ عاملات الفراولة، إضافة إلى أنّ من تم إيقافهن عن العمل خلال هذه الفترة لم يحصلن على تعويضات ولا عن الدعم المخصّص للفئات الضعيفة.

 

وأكد المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان هذه المعطيات حيث قال إن “مبدأ التباعد الاجتماعي تم ضربه عرض الحائط” وأن وسائل نقل العاملات تتجاوز طاقتها الاستيعابية في أغلب الأحيان. كما كشف أنه لم يتم توفير المعدات الوقائية حيث أن أغلب العاملات لم يكنّ يرتدين الكمامات وأن عمليات التعقيم والنظافة داخل المعامل لم تكن تجري حسب المعايير”، وذكر أن “بعض عمليات التعقيم كانت مجرد محاولة وهمية لإيهام السلطات” باحترام الإجراءات والتوصيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button