الذهب يفعلها أخيراً ويحطم الأرقام القياسية وسط توقعات بالمزيد
النشرة الدولية –
فعلها الذهب أخيراً وتجاوز قمته التاريخية السابقة والمسجلة في عام 2011 وسط تدافع المستثمرين لحيازة المعدن الذي يمثل الملاذ الآمن في أوقات الأزمات.
لكن رغم الصعود القياسي للمعدن النفيس، فإن الطريق يبدو مفتوحاً لمزيد من المكاسب في حال استمرار العوامل الداعمة وعدم انعكاسها قريباً.
حقق سعر عقد الذهب تسليم شهر أغسطس تسوية تاريخية يوم الجمعة الماضي منهياً تعاملات ذلك اليوم عند 1897.50 دولار للأونصة.
تعتبر هذه التسوية هي الأعلى على الإطلاق للعقد الأكثر نشاطاً للمعدن النفيس، متجاوزة التسوية القياسية السابقة في أغسطس 2011 والتي بلغت 1891.90 دولار للأوقية.
كما سجل الذهب مستوى قياسيا صباح اليوم في التعاملات خلال الجلسة، متجاوزا أعلى مستوياته على الإطلاق والمسجل في سبتمبر 2011 عند مستوى 1923.70 دولار للأوقية بعد بلوغه 1944.71 دولار في التعاملات الفورية وبلغت العقود الآجلة 1966.5 دولار.
الذهب تلقى الدعم من عدد كبير من العوامل الاقتصادية والسياسية مثل الركود الاقتصادي الحالي وارتفاع حالات الإصابة بوباء كورونا والتصعيد المستمر بين الولايات المتحدة والصين بالإضافة إلى حزم التحفيز المالية.
هبوط مؤشر الدولار الأمريكي قرب أدنى مستوياته في عامين قدم دعماً لطلب المستثمرين على المعدن باعتبار أن شراءه يصبح أقل تكلفة لحائزي العملات الأخرى.
ساهمت العلاقة العكسية بين معدل الفائدة الحقيقي (معدل الفائدة الاسمي – التضخم) والذهب في صعود أسعار المعدن كذلك، مع اتجاه البنوك المركزية الكبرى لخفض الفائدة لمستوى قياسي متدن، ما قلص تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب والذي لا يمنح أي عائد دوري.
وصل العائد على سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات والمحمية من التضخم لمستوى سالب 0.92% الأسبوع الماضي، وهو مستوى متدن غير مسبوق في البيانات التي تعود لعام 2003.
– تساهم حزم التحفيز الحكومية في معظم دول العالم وآخرها صندوق التعافي الأوروبي بقيمة 750 مليار يورو (860 مليار دولار تقريباً) ومفاوضات الكونجرس لإقرار تدابير مالية جديدة قريباً في زيادة التوقعات حيال التضخم المتوقع مستقبلاً.
وهو الأمر الذي يقدم دعماً إضافياً للذهب الذي يعتبر تاريخياً أداة تحوط للمستثمرين ضد مخاطر ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الشرائية للعملة.
– وتاريخياً، ارتفعت أسعار الذهب بمتوسط 15% في الأعوام التي شهد فيها التضخم تجاوز مستوى 3%، لكن حتى إذا تحققت التوقعات على النقيض بشأن انكماش الأسعار فإنها قد تمثل أيضاً عامل دعم للمعدن.
– قالت وحدة إدارة الثروات في بنك “يو بي إس” إن تصعيد التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والصين دعّم اتجاه المستثمرين لتجنب المخاطرة وتفضيل الملاذات الآمنة، خاصة مع طلب واشنطن بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، والرد الصيني بالمثل للقنصلية الأمريكية في “تشغندو”.
– لا يزال “كوفيد – 19” يحصد مزيداً من الأرواح حول العالم ويثير حالة من عدم اليقين الاقتصادي، مع وصول عدد المصابين لنحو 16 مليون شخص ووفاة 635 ألفا.
– تلقت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب خلال الأسبوع المنتهي في 22 يوليو ثاني أكبر تدفقات نقدية داخلة على الإطلاق بقيمة 3.8 مليار دولار، بحسب تقرير “بنك أوف أمريكا – ميريل لانش”.
أين يتجه المعدن؟
– ارتفع سعر التسليم الفوري للذهب بأكثر من 24% منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية تعاملات 24 يوليو، لكن معظم التوقعات تشير إلى أن طريق الصعود قد يستمر لأبعد من ذلك.
– يتوقع محللون أن تقدم بيئة الاقتصاد العالمي التي يخيم عليها عدم اليقين، وحزم التحفيز غير المسبوقة، ومعدلات الفائدة المنخفضة تاريخياً المناخ المهيئ لاستمرار صعود أسعار الذهب خلال الأشهر القادمة.
– تبدو معظم التوقعات واثقة من قدرة الذهب على الوصول لحاجز 2000 دولار للأوقية بسهولة خلال الفترة المقبلة، في حال استمرار هذه العوامل الداعمة للمعدن.
– قال “سيتي جروب” إن الاحتمالات تشير إلى أن سعر أوقية الذهب قد يتجاوز 2000 دولار في غضون الخمسة أشهر المقبلة.
– وحتى قبل الصعود الصاروخي الأخير للذهب، راهن “بنك أوف أمريكا” في أبريل الماضي على ارتفاع سعر المعدن لمستوى 3 آلاف دولار ملخصاً كل أسبابه في عبارة “الاحتياطي الفيدرالي لا يمكنه طباعة الذهب”، في إشارة إلى سياسة طباعة العملة وتضخم الميزانيات العمومية للبنوك المركزية حالياً.
– ذهب مدير صندوق تحوط “كوادريجا أجنيو” لأبعد من ذلك بتوقعاته بشأن ارتفاع أسعار الذهب لمستوى يتراوح بين 3 إلى 5 آلاف دولار في غضون السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، مع تسارع التضخم بقوة بفعل برامج التحفيز وطباعة الأموال من قبل الحكومات والبنوك المركزية الكبرى لإنقاذ الجميع من براثن الأزمة.
عقبات في الطريق
– بالطبع لم يتفق كل المحللين على أن الذهب سيواصل الصعود، لكن ظهرت بعض الآراء المخالفة لهذا التوقع.
– مع صعود سعر المعدن الأصفر لمستويات قياسية، فإن الذهب قد يشهد تراجعاً جراء عمليات التصحيح وجني الأرباح.
– كما أن أي هبوط في أسواق الأسهم جراء آراء الانفصال عن الاقتصاد الحقيقي قد يدفع المستثمرين لبيع الذهب في مسعى لتغطية عمليات الشراء بالهامش في السوق مثلما حدث في الربع الأول من العام الحالي.
– رغم قوة الطلب الاستثماري على الذهب في الفترة الحالية، فإن ضعف طلب المستهلكين على المعدن لا يبدو قريباً من التعافي.
– وعادة تتحكم 4 عوامل في أسعار الذهب وهي: التوسع الاقتصادي، الخطر وعدم اليقين، تكلفة الفرصة البديلة، الزخم.
– رغم أن 3 عوامل تتوفر حالياً، فإن النمو الاقتصادي الغائب عن المشهد سيعني انخفاض الطلب على المعدن في شكل المشغولات الذهبية والتكنولوجيا والمدخرات طويلة الأجل.
– عادة ما كان الطلب الاستثماري القوي في فترات الأزمات قادرا على تعويض أثر انخفاض مشتريات المستهلكين من المعدن، وهو ما قد يكون صحيحاً في العام الجاري أيضاً.
– لا يزال مصير الذهب متعلقا بتطورات وباء “كورونا” وشكل التعافي الاقتصادي المنتظر سواء كان سريعاً وحاداً على شكل “V” أو بطيئاً U”” أو حتى احتمالات حدوث انتكاسة حال ظهور موجات جديدة للإصابة والتي قد تجعل التعافي يشبه حرف “W”.
– في حال تحسن البيانات الاقتصادية العالمية بشكل سريع وظهور علاج أو لقاح للوباء، فإن الطلب على المعدن المدفوع بالرغبة في الأمان قد يفقد قوة الدفع.
في النهاية، يبدو أن كل شيء مجهز لاستمرار صعود أسعار الذهب لمستويات لم تُر في التاريخ الحديث، لكن الأمر كله مرهون باستمرار الأوضاع المقلقة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.