التشهير بالمتهم دون إدانته انتهاك لحقوقه وحريته* جناع الرفاعي

النشرة الدولية –

انتقد عدد من العلماء إسراع الناس في إلقاء التهم جزافا واعتبروا ذلك مخالفا لأصول الإسلام التي تتبع القاعدة الإنسانية الأصيلة «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، معتبرين أن اتهام الناس بالباطل ظلم كبير وانه نيل من كرامة وشرف الرجال، مؤكدين أن الاتهام الجزافي غالبا ما يوقع الظلم البين، وهو ما نهى عنه الإسلام، واكد العلماء على أن الشريعة الإسلامية تعتبر المصدر الأول لقاعدة أن الشك يفسر لصالح المتهم، والتي يمكن ردها إلى الحديث النبوي الشريف «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» وبحسب القواعد الفقهية فإن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم كما قال رسول الله «ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا»، ويترتب على هذه القاعدة أن الأصل هو حرية الإنسان.

 

فالجريمة أمر عارض في حياة الإنسان، لذلك كان الأصل فيها العدم، والعدم يقين، وهذا أمر مبني على اليقين لأنه أصل، واليقين لا يزول بالشك، ولا يزول إلا بيقين مثله، أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك.

 

كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتا وعدما، واليقين هو الإدراك الجازم الذي لا تردد فيه، أما الشك فهو مطلق التردد.

 

بمعنى آخر أن الإنسان إذا تحقق من وجود الشيء ثم طرأ عليه بعد ذلك شك، هل هو موجود أم لا، فالأصل أنه موجود، وتدخل هذه القاعدة في جميع أبواب الفقه، ومن أدلة القاعدة قوله تعالى (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا)، إذا كان المتهم بريئا فيصاب بالأذى من الاتهامات وتصبح نظرة الناس إليه في غير محلها، هذا لا يكون أبدا من صميم الإسلام ويطالب بالتريث في الأحكام وان يترك الأمر للجهات المعنية وأولي الأمر، فالأصل في الإسلام براءة الذمة أي أن الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وأن مشغولية ذمته تأتي خلاف الأصل.

 

قال الرسول الكريم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وهناك فارق بين متهم ومدان، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والمدان لا يدان قانونيا إلا من خلال القاضي وتثبت إدانته، وهناك قواعد شرعية لا يجب إغفالها تنطلق في الأساس كون الإنسان بطبيعته سويا وليس مجرما والأصل أنه بريء وليس مطلوب منه أن يثبت براءته، ولكن يرد التهم الموجهة إليه فيقع عبء إثبات التهمة على عاتق سلطة التحقيق أو الاتهام وفقا لقواعد الإثبات في القضايا الجزائية، ولا يلتزم المتهم بتقديم أي دليل على براءته ولا يجوز اعتبار ذلك دليلا على ارتكاب الجرم، وكذلك الحال عند التزامه الصمت، إلا أن له الحق في أن يناقش الأدلة التي تتجمع ضده وان يفندها أو أن يشكك في قيمتها كما له أن يقدم طواعية أي أدلة تثبت براءته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى