تونس والرهان الصعب* تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
يبدو أن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، بتكليف شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة التونسية المقبلة، هو هروب إلى الأمام من الأزمة السياسية المستفحلة التي تعيشها تونس، وهو في أفضل التوصيفات محاولة لترحيلها، وليس محاولة لإيجاد مخرج لحالة الاستعصاء السياسي والحزبي، التي واجهتها التشكيلة الحكومية التونسية منذ عدة أشهر، والتي أظهرت صعوبة توافق الأحزاب السياسية على تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو حكومة تحظى بأغلبية برلمانية تعيد للبلاد استقرارا فقدته منذ غيَّب الموت الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي.
ومن الواضح أن اختيار الرئيس سعيد لشخصية مستقلة، هو محاولة للقفز على الخلافات الحزبية، ووضع الأحزاب الممثلة في البرلمان أمام خيارين أحلاهما مر :
الأول، حجب الثقة عن رئيس الوزراء المكلف هشام المشيشي، ومنعه من الحصول على الثقة البرلمانية، وهذا معناه أتوماتيكيا انتقال الأزمة من أزمة تشكيل حكومة محصورة بالأحزاب المكونة للبرلمان، إلى أزمة وطنية تجعل من الانتخابات البرلمانية المبكرة أمرا محتوما.
أما الخيار الثاني فهو قبول الأحزاب السياسية ورضوخها لمحاولة لي الذراع التي بدأها الرئيس سعيد باختيار شخصية غير حزبية، وذلك تجنبا لدخول انتخابات جديدة قد لا تضمن للأحزاب الحالية الوصول إلى أغلبية تتيح لها الاستفراد بتشيكل الحكومة، ولا حتى الاحتفاظ بالقوة التصويتيه التي تتمتع بها الآن.
اختيار المشيشي لتشكيل الحكومة التونسية المقبلة كان مفاجأة لكثير من المراقبين الذين كانوا يستبعدون أن يتجاوز الرئيس سعيد الأحزاب التي تمسك بمنح أو منع الثقة، وأن ينفرد بقرار التكليف متجاهلا رأي الكتل البرلمانية. وهذا يعني أن الرئيس سعيد تخلى عن دور الحَكم بين القوى السياسية، ليصبح طرفا في الصراع السياسي، وجزءا من حالة عدم الاستقرار التي تمر بها البلاد.
وإذا صح هذا التحليل، فإن الرئيس سعيد يكون أقدم على مناورة سياسية غير مأمونة العواقب، دون أن تكون لديه معطيات حقيقية ترجح قدرة هذه المناورة على إيجاد حل للأزمة، أو معالجة تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية.
فانتخابات مبكرة، من شأنها تعميق الأزمة لا حلحتها. إذ إن الشارع التونسي شارع منقسم بشكل حاد، ومن غير المحتمل أن تأتي أي انتخابات جديدة بأغلبية برلمانية مريحة لأي من الأحزاب، أو حاسمة تجاه القضايا السياسية والاجتماعية المطروحة في الساحة التونسية.
وحتى لو نجحت أي من الكتل البرلمانية في الحصول على أغلبية في الدورة البرلمانية المقبلة، فإن ذلك لن يحل أزمة الرئاسة التونسية، بل إنه سيسهم في تهميشها؛ لأن الرئاسة ستكون -عندئذ- أسيرة لهذه الأغلبية، ولن يكون لها أي دور مؤثر في مسار الحياة السياسية، لا في الداخل التونسي ولا حتى في الخارج الإقليمي.
يضاف إلى ذلك، أن استفراد قوة حزبية بالمشهد البرلماني المقبل يهدد بإدخال البلاد في أتون أزمة وطنية حادة، قد لا يكون العنف بعيدًا عنها خاصة في ظل أجواء التوتر والتحفز التي تحيط بتونس، والتي تشكل فرصة مواتية لقوى سياسية إقليمية للانقضاض على الساحة التونسية وتوظيفها لخدمة مصالح وأجندات سياسية وأيديولوجية، لا ناقة لتونس فيها ولا جمل .
أما إذا نجح الرئيس سعيد في إجبار القوى الحزبية على التصويت لصالح حكومة المشيشي، والتخلي عن حال المناكفة السياسة القائمة حاليًّا، تجنبًا لدخول متاهة انتخابات جديدة، فإن كل ما يمكن أن يحققه الرئيس التونسي، من التكليف المفاجئ هو شراء وقت إضافي لا أكثر . فحكومة مفروضة على الأحزاب لا تعد مخرجًا حاسمًا، بل حلًّا انتقاليًّا خاصة وأن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، والتوتر الذي يحيط بها لا يتيحان لأي حكومة ضعيفة سياسيًّا، العمل فعليًّا خارج صندوق التوترات الداخلية، والضغوط الخارجية، التي تمنع، إلى الآن، من الوصول إلى إيجاد حلول للأزمات المتراكمة، والتي يحتاج الخروج منها إلى حالة من الاستقرار السياسي والتوافق الداخلي .
من الصعب أن يتنفس التونسيون الصعداء بعد إعلان تكليف شخصية مستقلة بتشكيل حكومة بلادهم المقبلة، فبلد يقتات على السياسة صباح مساء من الصعب أن يجد حلًّا لدى شخصية غير سياسية حتى لو كانت مؤهلة من الناحية الفنية.
نقلاً عن موقع “إرم نيوز” الإخباري