سألني صديقي!* د. نرمين يوسف الحوطي

النشرة الدولية –

«حوار مع صديقي الملحد» كتاب للعلامة الراحل د.مصطفي محمود، تلك الرسالة وما تحملها من سطور كانت أجمل كلمات وصلت لي بالتهنئة لي مع بداية شهر ذي الحجة «كل عام والأمة الإسلامية بخير» وإليكم القصة المختصرة التي بعثت لي ومن الممكن أنها بعثت للعديد منا ومن الممكن أن يكون الكثيرون قد قرأوا الكتاب، وتذكر تلك السطور مثل ما أنا تذكرت تلك الكلمات التي تعني كيف ندلل، وكيف نجعل العلم والحكمة دليل حديثنا، ها هي سطور رسالتنا التي تلخص ما كتبه النابغة د.مصطفي محمود، رحمه الله: قال صاحبي وهو يبتسم ابتسامة خبيثة ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة! ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتتمسحون به وتطوفون حوله، ورجم الشيطان والهرولة بين الصفا والمروة وتقبيل الحجر الأسود وحكاية السبع طوفات والسبع رجمات والسبع هرولات وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة، وثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم، لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة ولكن لا حياء في العلم.

قلت في هدوء: ألا تلاحظ معي أنت أيضا أن في قوانين المادة التي درستها أن الأصغر يطوف حول الأكبر، الإلكترون في الذرة يدور حول النواة، والقمر حول الأرض، والأرض حول الشمس، والشمس حول المجرة أكبر، إلى أن نصل إلى الأكبر مطلقا وهو الله.

ألا نقول الله أكبر؟ أي أكبر من كل شيء، وأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسية رغم أنفك ولا تملك إلا أن تطوف، فلا شيء ثابت في الكون إلا الله، هو الصمد الصامد الساكن والكل في حركة حوله، وهذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمته في الفيزياء.

أما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله، وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزا وبيتا لله، ألا تطوفون أنتم حول رجل محنط في الكرملين تعظمونه وتقولون أنه أفاد البشرية، ولو عرفتم لشكسبير قبرا لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق إلى زيارة محمد صلى الله عليه وسلم، ألا تضعون باقة ورد على نصب حجري وتقولون إنه يرمز للجندي المجهول، فلماذا تلوموننا لأننا نلقي حجرا على نصب رمزي نقول إنه يرمز إلى الشيطان الرجيم؟! ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى يوم موتك؟ ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد! وهي نفس الرحلة الرمزية من الصفا.. الصفا أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم إلى المروة، وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة والوجود، من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم؟! أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات؟ ألا ترى في مناسك الحج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه الأسرار! أما عن رقم 7 الذي تسخر منه!؟ دعني أسألك ما السر في أن درجات السلم الموسيقي 7 صول لا سي دو ري مي فا، ثم بعد المقام السابع يأتي الجواب الصول من جديد فلا نجد 8 وإنما نعود إلى سبع درجات أخرى وهلم جرا، وكذلك درجات الطيف الضوئي 7 وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في نطاقات 7، والجنين لا يكتمل إلا في الشهر 7 ألا يدل على شيء؟! أم أن هذه العلوم هي الأخرى شعوذات طلمسية!

ألا تقبّل خطابا من حبيبتك، هل أنت وثني؟! فلماذا تلومنا إذا قبلنا ذلك الحجر الأسود الذي حمله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ردائه وقبّله؟ أقول لك لا وثنية في ذلك بالمرة لأننا لا نتجه بمناسك العبادة نحو الحجارة ذاتها وإنما نحو المعاني العميقة والرموز والذكريات، إن مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر وبعث المشاعر وإثارة التقوى في القلب.

أما ثوب الإحرام الذي نلبسه على اللحم ونشترط ألا يكون مخيطا فهو رمز للخروج من زينة الدنيا وللتجرد التام أمام حضرة الخالق العظيم تبارك وتعالي تماما كما نأتي إلى الدنيا في اللفة ونخرج من الدنيا في لفة وندخل القبر في لفة، ألا تشترطون أنتم لبس البدل الرسمية لمقابلة الملك.. ونحن نقول: أنه لا شيء يليق بجلالة الله إلا التجرد وخلع جميع الزينة لأنه أعظم من كل شيء ومن جميع الملوك ولأنه لا يصلح في الوقفة أمامه إلا التواضع التام والتجرد والخشوع لله الواحد الأحد، ولأن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغني والفقير أمام الله فيه معنى آخر الأخوة الإسلامية رغم تفاوت المراتب والثروات.

الحج عندنا اجتماع عظيم ومؤتمر سنوي ومثله صلاة الجمعة وهي المؤتمر الصغير الذي نلتقي فيه كل أسبوع هي كلها معان جميلة لمن يفكر ويتأمل وهي أبعد ما تكون وثنية، ولو وقفت معي في عرفة بين عدة ملايين يقولون «الله أكبر» ويتلون القرآن بأكثر من عشرين لغة ويهتفون «لبيك اللهم لبيك» ويبكون شوقا وحبا لبكيت أنت أيضا دون أن تدري وتذوب في الجمع الغفير من الخلق وأحسست بذلك الفناء والخشوع أمام الإله العظيم.

مسك الختام: رحم الله د. مصطفي محمود، ورحم كل من دافع عن الإسلام بالعقل والعلم والحكمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button