الأزمة المالية في لبنان.. زادت الفقراء فقرا وأعدمت الطبقة الوسطى

النشرة الدولية –

يهدد القلق صحة اللبنانيين النفسية في مواجهة أزمات مالية واجتماعية وصحية جعلت واقعهم النفسي مضطربا ومأزوما في ظل انعدام الأمان على كافة المستويات وانسداد أفق الحلول.

ويمرّ لبنان بأسوأ أزمة مالية منذ تأسيسه أدت إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر، وإقفال المئات من المحال التجارية أبوابها وطرد الآلاف من الموظفين في القطاع الخاص من وظائفهم وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار وخروج اللبنانيين إلى الشارع للمطالبة بمحاسبة من تسببوا بهذه الأزمة. كما يشهد منذ حوالي أسبوعين ارتفاعا كبيرا في أعداد الإصابات بجائحة كورونا منذ 21 فبراير الماضي وسط تحذيرات من بدء مرحلة التفشي المجتمعي.

قالت سحر حجازي أستاذة مادة علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية، “يتميز واقع اللبنانيين النفسي بسيطرة مشاعر انعدام الأمان بسبب فقدان الأمن المالي والسقوط السريع للطبقة الوسطى في لبنان، وفقدان الأمن الغذائي بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وانعدام أفق الحلول لهذه الأزمة”.

ورأت أن “فقدان الأمن الصحي بسبب الارتفاع المستمر لأرقام الإصابات بجائحة كورونا وعدم تمكن العلماء حتى الآن من إيجاد لقاح فعال يولد عند الإنسان الشعور بالخوف والعجز أمام المرض”.

وأشارت حجازي إلى” فقدان الأمن الاجتماعي وتزايد حوادث السرقة في لبنان، والعزلة المفروضة بسبب وباء كورونا، وكذلك فقدان الأمن السياسي المتمثل بالتهديد الاسرائيلي، حيث تعتبر الحاجة للأمان من أهم الحاجات البشرية”.

وتابعت “كل ذلك جعل اللبنانيين يعيشون معاناة نفسية تتضح من خلال الشعور بالحزن والكآبة والشعور بالغضب والنقمة على المسؤولين الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الأزمة”.

كما تتضح معاناة اللبنانيين النفسية بحسب حجازي “بالشعور بالإحباط والشعور بالقلق على المستقبل الذي أصبح مجهولا بالنسبة للأهل وبالنسبة لأولادهم والقلق من الموت خوفا من أن يصيبهم وباء كورونا، أو يصيب أبناءهم وأقاربهم، إضافة إلى الشعور باليأس والتشاؤم الذي يؤدى إلى أمرين إما الانطواء على الذات وإما الانتحار”.

كانت وزارة الصحة العامة في لبنان قد أطلقت البرنامج الوطني للصحة النفسية، الذي أطلق بدوره استراتيجية تُعنى بوقاية وتعزيز وعلاج الصحة النفسية لكافة اللبنانيين.

وقال ربيع الشماعي رئيس البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة، إن “العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على الصحة النفسية كبيرة جدا، ويحاول البرنامج زيادة نسبة المناصرة، والتشديد على وجوب الاهتمام بالصحة النفسية”.

ولفت إلى أن “نسبة المصابين بالاكتئاب ترتفع عادة خلال الأزمات الاقتصادية، وكذلك نسبة الذين يقدمون على الانتحار”، مضيفا “نحن ندقّ ناقوس الخطر ونعمل مع شركائنا للتأكيد على وجوب الاهتمام بالصحة النفسية وعلى وجوب تأمين الموارد لهذا الأمر”.

وأضاف الشماعي “خلال الأزمات سوف يكون شخص من بين خمسة أشخاص بحاجة لمساعدة نفسية”.

وأعلن أن “متابعة الصحة النفسية للّبنانيين متوفرة، ولكن الإمكانيات المادية المطلوبة لهذه المتابعة غير متوفرة بشكل كامل”، معتبرا أنه “من المهم أن تكون الصحة النفسية من الأولويات الوطنية في هذه الظروف الصعبة، والمطلوب أن يتوفر القرار للاستثمار في الصحة النفسية”. وتابع “حاليا ما نحاول القيام به هو التأكد من توسيع رقعة خدمات الصحة النفسية خاصة في القطاع العام سواء الجمعيات أو المستشفيات الحكومية وتأمين الدعم لجمعية ‘أمبريس’ التي تدير الخط الوطني الساخن للدعم النفسي للوقاية من الانتحار، بالتنسيق مع البرنامج الوطني وتحت إشرافه”.

وأوضح الشماعي “إن البرنامج الوطني للصحة النفسية انطلق في العام 2014 وفي العام 2015 أطلقنا استراتيجية لإعادة هيكلة نظام الصحة النفسية في لبنان”.

يتميز واقع اللبنانيين النفسي بسيطرة مشاعر انعدام الأمان بسبب فقدان الأمن المالي والغذائي على أفق الحلول لهذه الأزمات يتميز واقع اللبنانيين النفسي بسيطرة مشاعر انعدام الأمان بسبب فقدان الأمن المالي والغذائي على أفق الحلول لهذه الأزمات

وأضاف “في مارس 2020 أطلقنا مع منظمة الصحة العالمية واليونيسف الخطة الوطنية للاستجابة النفسية لوباء كورونا وتضمنت هذه الخطة أربعة محاور أساسية، المحور الأول تضمن تعزيز قدرة الأشخاص والمجتمع على إدارة الضغوط النفسية وكيفية مساعدة الأطفال والمسنين”.

والمحور الثاني تضمن مساعدة العاملين الصحيين ودعمهم، فيما “المحور الثالث تضمن تأمين الخدمات النفسية للأشخاص المصابين بفايروس كورونا والموجودين في الحجر الصحي. والمحور الرابع تضمن الإبقاء على خدمات الصحة النفسية للأشخاص المحتاجين لمثل هذا النوع من الخدمات بعد توقفها بسبب إجراءات التعبئة العامة في مواجهة كورونا”.

وتقوم جمعية أمبريس غير الحكومية برفع الوعي حول الصحة النفسية بشكل عام من خلال العديد من الأنشطة للوقاية من الانتحار والدعم النفسي.

وقال أيمن رحمة مسؤول التسويق والتواصل في جمعية أمبريس، إن الجمعية تدير الخط (1564) وهو الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة، حيث نتلقى اتصالات من أشخاص بحاجة لدعم نفسي، يشعرون باليأس ربما أو الإحباط، أو يفكرون بإنهاء حياتهم من خلال الانتحار”.

وأضاف “لدينا حوالي 80 متطوعا ومتطوعة كرسوا وقتهم للرد على اتصالات الأشخاص المحتاجين للدعم النفسي على الخط الساخن وتقديم الدعم اللازم عبر الهاتف، وهم مدربون بشكل خاص على كيفية الاستماع وتقديم الدعم وكيفية تحليل حالات الأشخاص الذين يفكرون بالانتحار”.

وأوضح رحمة أن حوالي “90 في المئة من الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار يعانون بشكل عام من أمراض نفسية ولكن ذلك لا يلغي أهمية العوامل النفسية – الاجتماعية الأخرى ومن بينها فقدان المستلزمات الأساسية للحياة”.

وأضاف “في العام 2019 سُجل في لبنان 171 حالة وفاة بسبب الانتحار، بحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي، وهي النسبة الأعلى منذ العام 2015. أما الفئة العمرية الأكثر عرضة للوفاة بسبب الانتحار خلال العام 2019 فكانت من 18 إلى 29 عاما”.

وقال رحمة “في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2020 تلقينا أكثر من 1760 اتصالا من أشخاص بحاجة لدعم نفسي”. مضيفا “كنا نتلقى حوالي مئة اتصال بالشهر خلال الفترة نفسها من العام 2019 بينما تلقينا حوالي مئة اتصال في اليوم أحيانا بعد اندلاع الثورة الشعبية وبعد أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية”.

كانت أزمة جائحة كورونا قد تسببت بإعلان مجلس الوزراء التعبئة العامة لمواجهة انتشار الجائحة في 15  مارس الماضي، ومددت التعبئة العامة حتى 2 أغسطس المقبل.

 

وقالت هيفاء سلام أستاذة مادة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية “إن لجوء السلطات في معظم الدول إلى فرض الحجر المنزلي كتدبير وقائي من وباء كورونا في ظل غياب علاج فعال للقضاء على هذا الوباء، وتطبيق الإغلاق التام للبلدان، كانت له انعكاساته السلبية على حالة الأفراد النفسية”.

وأوضحت أن “الإمعان في العزل الاجتماعي والوحدة والقلق والتوتر والإعسار المالي، هي بمثابة عوامل مهددة للصحة النفسية للأفراد”.

وتابعت “عندما يتعرض الأشخاص لمواقف حاسمة مهمة ومصيرية ينتابهم أحيانا شيء من القلق، وفي هذه الحالة يكون الشعور بالقلق أمرا طبيعيا، ما يدفعهم إلى أخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي الوقوع في المحظور”.

وأضافت سلام “عندما يزداد مستوى القلق عن حده الطبيعي ويصبح معطلا لأداء الشخص، لاسيما إذا كان قلقا دائما ومزمنا، يغدو حينئذ مصدر إزعاج كبيرا، وفي هذه الحالة يعتبر مرضا بحد ذاته”.

واعتبرت أن “البطالة تهيئ صاحبها للإصابة بالتوتر والاكتئاب، وتدفع بالبعض إلى تعاطي الكحول والمخدرات ولعب القمار والتشرد والإضرار بالنفس والانتحار”.

وأشارت إلى أن “التعامل مع الضغوط النفسية الناجمة عن الوباء يتطلب تقبل الوضع الراهن من خلال اتباع سبل الوقاية من التقاط العدوى وتطبيق الإرشادات والإجراءات الصحية المطلوبة، والبحث عن مصادر معلومات موثوقة، والبقاء على تواصل دائم مع الأهل والأصدقاء، والابتعاد عن الأشخاص والأفكار السلبية، والتوقف عن متابعة الأخبار بشكل مكثف”.

وأجرى العميد السابق لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية يوسف كفروني دراسة في مارس الماضي تناولت مستوى القلق لدى الأسر اللبنانية جراء الحجر المنزلي والآثار النفسية الناجمة عن جائحة كورونا على عينة قوامها 1351 شخصا شملت أسرا لبنانية من مختلف المناطق، واستخرجت نتائجها الدكتورة هيفاء سلام.

وأظهرت الدراسة أن 29.6 في المئة من أفراد العينة يشعرون بمستوى قلق مرتفع ومرتفع جدا، و19.7 في المئة منهم لديهم شعور متوسط بالقلق، أما الذين بلغ مستوى القلق لديهم درجات منخفضة ومنخفضة جدا فكانت نسبتهم 50.7 في المئة.

وبلغت نسبة الإناث اللواتي يشعرن بمستوى قلق مرتفع ومرتفع جدا، بحسب الدراسة 36.6 في المئة، فيما نسبة الإناث اللواتي يشعرن بمستوى متوسط من القلق بلغت 19.3 في المئة.

وبينت الدراسة أن الذكور كانوا أقل قلقا من الإناث، إذ بلغ مستوى القلق المرتفع والمرتفع جدا لديهم نسبة 21.3 في المئة.

واعتبرت سلام أن “هذه النتيجة يمكن تفسيرها بأن الوعي الزائد لدى الإناث بالأوضاع الصحية العامة يدفعهن لأخذ الأمر بجدية أكبر من الذكور والاحتياط من الفايروس وذلك باتباع أساليب الوقاية اللازمة”.

وإذا كان اللبنانيون ينشدون الأمان المالي والاقتصادي والصحي ويطالبون الدولة بالقيام بإجراءات من شأنها تحريرهم من مشاعر القلق، فإنهم يعرفون أن بلوغ هذا الهدف دونه مصاعب جمة، ويحتاج إلى نضال قد يطول أمده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى