أنقذ نفسك من التطرف
بقلم: فاطمة أبوسرير / صحافية ومترجمة
تتطور الآراء وتتغير مع السنين وفق تراكم الخبرات الشخصية، العلمية، والعملية، و تعتبر حرية التعبير عن الرأي كأحد الحريات الأساسية في حياة الإنسان، فلا يحق لأحد منعك وحرمانك من حرية التعبير والاعتزاز برأيك الشخصي واعتناق الأفكار دون أي تدخلات.
والاختلاف في وجهات النظر نتيجة طبيعية لتمايز مستويات التفكير، وتباين العقول، وهي نعمة تزهر مع سواد الطيف الوسطي لأنها تفسح مجالاً لتفنيد الأفكار ووضعها على طاولة النقاش، لكن عندما تبتعد في الانحياز إلى رأي ما حتى تصل إلى حدود التطرف، فإن الأمر لن يعود مرتبطاً بسياق الحريات الشخصية، لأن تصرفاتك الناتجة عن ذلك ستثير ليس فقط حال من الجدل بل الخلاف، وتبدأ بك الرحلة إلى المجهول، وستكون أحد أهم قواعد حياتك “عدم الاعتراف بالخطأ” وستفضل التمادي في الاعتقاد بالصواب المطلق لرأيك على التراجع حتى فيما يتعلق بالنقاط البسيطة.
وكلما ازددت تطرفاً ستكيل الصاع بمكيالين لمن ينقدك وتزدري من يكون رأيه مغايراً، وهذا ما يطلق عليه “خطاب الكراهية”، وستنتقل بعدها إلى المرحلة الانتقائية حيث تقصي كل من لا يشجعك ويروق لك ويتوافق معك من يدعمه، ولو لم يعرف معنى رأيك، أو الغاية منه، وستتعامل مع رأيك كنص مقدس غير قابل للنقاش، وسيبدأ الأخرون بالتعامل معك بحذر بالغ، بينما سيسيطر عليك إحساس أنهم يهددون وجودك، وسيصل بك الاستبداد إلى مرحلة لن تتردد خلالها في التصعيد لتزوير الواقع، وإلقاء الشكوك في أمانة ومصداقية الآخر، هنا ستشتعل بك نار الغلو، وسيصل الحوار معك إلى ما يشبه المشي في حقل ألغام فكري، فالآخر معرض لأن تنفجر بوجهه في أي لحظة مهما صغر السبب والقضية التي يُختلف حولها، هنا أنت في مرحلة الارهاب الفكري “مبروك!”.
قد يتعذر أو يتعسر عليك السيطرة على نفسك عندما تصل إلى أعلى مستويات التطرف، ومن المتعارف عليه عن السائرين في هذه الرحلة وصولهم في نهايتها إلى نفق مظلم، يتعذر الخروج منه بدون خسائر كبرى، وأعباء لا تعد ولا تحصى، لكن الوعي والحذر منه مسبقاً أمر سهل، وربما تبدأ بتعلم أساسيات الحوار التي من الجيد تطرفك بالالتزام بنهجها، وتتعلم أن ما من رأي إلا وله أعداد لا متناهية من الزوايا قابلة للرفض في حال عرضها، وهي ليست بوابة للخصام بل تكمل بعضها، لأنك إن لم تكن معي فأنت لست ضدي، ولن ينفعك في أي حوار قواعد لعبة شد الحبل بل الرأي المعتدل.
وأعزي التطرف إلى الخلفية الثقافية أحادية الجانب التي تؤدلج الشخصية، فمهما وصل الإنسان إلى مستويات عالية من التعليم، إلا أن تطرفه طبيعي في حال عدم انفتاحه وتعرفه على الثقافات المتنوعة، ويلعب الاختلاط مع العالم المختلف دوراً كبيراً في نضوج ثقافة حرية التعبير وطريقة اتخاذ المواقف، ويتيح للشخص التعلم أن رأيه ليس هو الوحيد الصحيح، وإدراك أن هناك حواراً وأرضية للتحاور مع الآخر.