جولييت انطوانيوس: شاعرة لبنانية مُبدعة متوهجة بكبرياء الشعر وتعزف على أوتار الحروف سمفونية عشق لا تنتهي

النشرة الدولية – طلال السُكرّ –

جولييت انطونيوس، شاعرة عربية لبنانية مفعمة بالحب للحياة و للإنسانية تكتب بسلاسة في المبنى و المعنى… تجد في شعرها صورة الأرض و الحب و الجمال.

أكدت حضورها المـتألق والمتميز في الساحة الأدبية والثقافية العربية بجدارة وتميز من خلال قصائدها الرائعة التي نشرت في الصحف والمجلات الورقية والالكترونية.. أنها شاعرة مفعمة بالحب للحياة وللإنسانية، تميزت قصائدها بالإحساس المرهف، والتي تعبر فيها عن خجلات قلبها ونبضها، وتجمع بين حروف كلماتها قطوفاً من الرومانسية والرقة والحلم الجميل، والدفء الإنساني والمشاعر الصادقة، يلمس القارئ في نصوصها المتوهجة بكبرياء الشعر سعة الخيال المتجسد في الدلالات والإشارات والمعاني العميقة.

هي مبدعة متوهجة بكبرياء الشعر، تعزف على أوتار الحروف سمفونية عشق لا تنتهي، تتميز بفضائية النص وجمالية العبارة، وروحانية الكلمة، وصوفية الصورة، والمزاوجة بين الحلم والذاكرة، والروح العابقة بأرز لبنان، لغة الشعر تحرّر نفسها بنفسها تنبع من الداخل، تنطلق كثورة  لتشقّ طريقها نحو الحرّية.

النشرة الدولية أجرت مع الشاعرة جولييت أنطونيوس اللقاء التالي:

من هي الشاعرة جولييت أنطونيوس؟

جولييت أنطونيوس, مجازة في علوم اللغة العربية وآدبها من الجامعة اللبنانية.

ولدتُ في قرية رشدبين في شمال لبنان. حيث تلقّيت أوّل دروس السلام بفيء زيتونها  وتعرّفت إلى أوّل أنواع العطور من رائحة  أشجار الصنوبر   وتعلّمت تهجئة أوّل ألوان الأمل من كرومها. وتعلّمت الصلاة من صباحات سمائها. منها بدأتُ رحلتي محاولة ترجمة رؤيتي الطفوليّة هذه لله و الطبيعة والإنسان من خلال الأدب والشعر.

اخبرينا على إصدارك “أغمض عينيك لترى” هل من اختلاف بين ديوانك “أغمض عينيك لترى” وبين إصدارك السابق؟

أغمض عينيك لترى, مجموعة من القصائد النثريّة تطرح الكثير من الأسئلة تحاكي الإنسان, الوطن , الحب, حاولت فيها أن أجرّد الأشياء من بريقها الخارجي كي لا تذبل,  فتظلّ على قيد الحياة.

رغم أن للديوانين روح واحدة إلّا أنّه من طبيعي أن يختلف” ديوان أغمض عينيك لترى ” عن إصداري الأول الذي  يحمل  عنوان “خطيئتي”, فنحن في بحث دائم  عن أجوبة ملحّة يخضع لها الشاعر خصوصاً, وخلال بحثه هذا لا بدّ من المعاناة ولا بد من إثراء مخزونه الأدبي والإنساني وبذلك يكتسب المزيد من الخبرة والمعارف والنضج فتتطوّر أفكاره وطريقة مقاربته للمواضيع وتحليلها وأسلوبه في مقاربتها, وذلك حتما سينعكس في نصّه الشعري.

كيف نظرتك لحركة النقد الأدبي في لبنان؟

في لبنان كما في مختلف البلدان العربيّة تعاني حركة النقد كما الحركة الأدبية من مسار متعرّج تتقدم حينا وتتراجع أحيانا وذلك يعود إلى الجو الثقافي العام والذي يعاني من كثرة المجاملات الصحافيّة التي ترتدي الطابع النقدي وهو ما يؤثّر سلبا على الحركة النقديّة الجادّة والبنّاءة والمؤثّرة على ارتقاء  النص. النقد هو فن أدبي  وفعل إبداع أحيانا قد تتخطّى جماليته حدود النص المتناول . وقد يفتح أحيانا من خلال تشريحه وفكّ رموزه والكشف عن الإيحاءات والأسلوب واللغة , آفاق للنص أبعد بكثير من رؤية الكاتب نفسه. وطبعا هذا النوع من النقد قليل على الأقل في السنوات  الأخيرة من عصرنا هذا.

هل ترى الشاعرة جوليات أن الشعر حاضراً في الثورات العربية، وماذا عن ثورة لبنان الأخيرة؟

برأيي إنّ الشاعر هو أوّل ثائر عبر التاريخ. هو الثائر على نفسه أولا وعلى واقعه وهو أوّل المبادرين لفكرة عالم أكثر إنسانية وجمال وعدالة, وربّما كان الشعر الملهم الأوّل للشعوب في نضالهم  وثورتهم ضد  الظلم ,وليس بالضرورة أن تكون وليدة اللحظة  فالقصيدة تحيا في وجدان الشعوب ونلاحظ هذا الحضور القوي من خلال الشعارات التي تعتمد على الشعر الثوري والحماسي أكان الشعر فصيحا أو عاميّا أو شعرا غنائيا لذلك لا يمكن فصل الشعر  عن أي ثورة .

أمّا ثورة 17 تشرين في لبنان فقد كانت هي القصيدة , قصيدة وطنيّة لم تكتب بالحبر بل بدماء ودموع الشعب المنهك اقتصاديا وإنسانيا ووطنيّا, وكانت الملهمة للشعراء والفنانين لتكتمل كلوحة إنسانيّة فريدة ربّما لن تتكرر.

برأيك.. هل استعاد الشعر مكانته وهل ما زال قارئ الشعر موجوداً؟ بعض النقاد يتهم قصيدة النثر انها مجردة من الخواطر لا ترتقي لمستوى العمودية… ما رأيك؟

الشعر هو لسان الضمير الإنساني  والجمال المبتغى في كل زمان ومكان

وقارئ الشعر أيضا موجود والدليل على ذلك أنّ الإرث الشعري لا يزال في توهّج واستمرارية منذ عصر الجاهليّة, وهو مستمرّ باستمرار الحياة , ويتجدد مع تجدّد الزمن ,  وأكثر من ذلك إنّ اللجوء إلى الشعر يتخطّى القارئ الكلاسيكي إلى العامة بحيث أنّ الخطاب الشعري كان ولا يزال  حاضرا وملهما  للشعوب في ثوراتهم ضد الظلم والفساد والقمع  وهنا تستوقفني أبيات الشاعر أبو القاسم الشابي “إذا الشعب أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر..” هذه القصيدة ورغم مرور الزمن لا تزال تنبض  في وجدان الشعوب يرددونها في ساحاتهم كما يرددون أبيات  للعديد من الشعراء  .وذلك يثبت أنّ الشعر ليس مرحلة أو عصر وإنّما وجدان حي  لا يمكن إسكاته أو تجاهله.

أمّا بالنسبة لقصيدة النثر فلا يمكن لأحد أن يطلق حكمه المبرم  عليها والإنتقاص من شأنها لمجرّد كسرها لشروط الشكل أو القالب الشعري, فالشعر جاء قبل الأوزان ولا ننسى أنّ البحور الخليليّة طبّقت على نتاج الشعراء آنذاك. أقول ذلك لأنني مؤمنة بأنّ الشعر يمكنه أن يتجلّى كيفما يشاء لأنّه خارج نطاق المألوف أصلا ولأنّ الشاعر بابتكاره لأشكاله الخاصة وأساليبه الجمالية في تلك المساحة من حريّة التحليق, يستطيع  أن يمسك القارئ ويجتاز معه كل الأشكال والأطر المعدّة  سلفا.

هل من مكان لوطنك في ما تكتب الشاعرة جوليات؟

بل لي في وطني تراب وماء وتاريخ يكتبني في كلّ حرف من قصائدي.

هل لك أن تصفي طقوس الكتابة لديك؟

ليس لديّ طقوس محددة للكتابة فالقصيدة لا تنتظر اكتمال الشروط ولا خيار لي بولادتها ولكنني أحيانا أحاول تأجيلها وأكتفي بتدوين ما تمليه علي لإرضائها إلى حين اختمار الأحاسيس واستقرار الذهن كي تلقى العناية الكافية.

بعض النقاد يجاملون ما تكتب المرأة… لأنها امرأة بدون تقييم لمنجزها الأدبي؟

جيّد أنّك ذكرت كلمة “البعض” فمن المجحف أن نطلق على هؤلاء صفة ناقد, لأنهم يسيئون لهذا الفن الأدبي الرّفيع والشّاق بالوقت عينه,  فالناقد يجب أن  يتناول النص بحياديّة تامّة بعيدا عن أي انحياز شخصي  للكاتب سواء كان  رجلا أم امرأة, فإذا كان النص جديرا فرض نفسه وفرض معه كاتبه. ولا شك أن هناك نقّاد جديرون بهذه المهمّة الصعبة يهتمّون بالنقد الحقيقي الغير محاب أو مجامل .

ما هو راي الشاعرة أنطونيوس بالمبادرات التي تقام لدعم الشعر في العالم العربي؟

برأيي إنّ ما تقوم به بعض الجمعيات والأندية والمنتديات الثقافية في ظل شبه غياب الدعم الرسمي للثقافة عامة, هوعمل  بطولي وخاصة في هذه الظروف القاسية التي مرّت وتمرّ بها مجتمعاتنا ونحن فعلا بحاجة إلى مزيد الاهتمام بالأمن الفكري  والتخاطب الإنساني وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلّا بدعم الشعر والأدب والرواية وكل الفنون لأنّها خلاصنا الوحيد وقوّتنا الحقيقية في مواجهة التيارات الهدامة، فالفنون على أشكالها تبثّ الحياة في النفوس وتحارب الجهل وكل ما يخلّفه من آفات تدفع الى الضياع والانحدار الأخلاقي  الفنون  بالإجمال تدعو إلى المثل والقيم والسلام والأخلاق وهذا ما نحن بأمسّ الحاجة اليه حاليّا في عالمنا العربي.

من مثلك في ما تكتب جوليات من الشعر، عربياً وعالمياً؟ بمن تأثرت في كتاباتك الشعرية عربياً وعالمياً؟

قرأت للكثير من الشعراء والأدباء أذكر أنّ أول كتاب حصلت عليه هو كتاب لجبران خليل جبران ثمّ بدأت أجمع أعماله في مكتبتي الصغيرة وتوالت الكتب والقراءات وكانت متنوّعة من علم النفس إلى الروايات الرومنسية إلى نزار قباني إلى ميخائيل نعيمة ومارون عبود  وشحرور الوادي والأخطل الصغير  وغيرهم من الأدباء والشعراء العرب ثمّ انغمست بقراءة  الأدب العالمي  وقرأت كتب الفلسفة  وتأثّرت بكل ما قرأت, فالقراءة المتنوّعة تشكّل الحيّز الأهم من شخصيّة الكاتب. أمّا بالنسبة للشق الأوّل من السؤال فأنا لا أعرف من مثلي في ما أكتب ولكنّني أعرف أن الكتابة هي مزيج بشري مدهش من التأثّر والتأثير وربّما يتشابك أحيانا بالفكرة أو بالشكل العرضي ولكن لكي تحيا القصيدة يجب أن تحمل روحا وجوهرا كجوهر الشاعر يحفظ لها هويّتها.

ما هي أهم المشكلات التي تواجه الأديب العربي؟

كثيرة هي المشكلات  التي تواجه الأديب العربي فهو يعاني من التهميش الممنهج لدوره كمثقّف عامّة ومحاولة تغييبه وعزله  رغم أنّه مسكون بهموم أمته، ويمثل تطلعاتها وأمنها. وللأسف هنا يمكنني أن أؤكّد بأنّ قوّة الفكر وتسويقها  واستخدامها لنشر الوعي في مجتمعاتنا لا تبدو ضروريّة بالنسبة لأكثرية الأنظمة العربيّة بخلاف ما يفعله الغرب من دعم لمفكّريهم وأدبائهم بحيث يغزون العالم بأفكارهم بسلاسة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر, أين الوزارات المختصة والمراجع الرسميّة من دعم الأديب العربي ونتاجه الأدبي؟ 

أضف إلى ذلك هناك علاقة وثيقة بين الاديب والمجتمع , فالأديب  هو الحارس الأمين على الحرّيات والمساواة والعدالة , بنظر مجتمعه وهنا  يبدأ  الصراع  بين الواقع المعاش وبين الواقع الممكن تحقيقه ,  مما يستفز الأنظمة فتأتي المشكلة الثانية وهي مواجهة الواقع من خلال تلك الأنظمة التي هي طبعا تقف له بالمرصاد فتحاول تدجينه فتصادر رأيه وربما تحجبه حينا وتقصيه حينا آخروهناك أمثلة كثيرة على ذلك. مشكلة الأديب في عالمنا العربي في عدم قدرته على الخروج من النص وممارسة أفكاره ومحاولة تحقيقها بحرّية  على أرض الواقع.

كيف يخدم الشاعر أبدية تأملية لبنان؟

بحفاظه على إحترامه لتاريخ لبنان وطبيعته وصورته  الحضارية, وكل ما يمثله في هذا الشرق.

هل مدرسة الشعر العامي (الزجل اللبناني) تأخد من المساحة؟ الثقافية التي يتواجد فيها الشعر الفصيح؟

أبدا فالشعر الفصيح يتربّع على عرش القصيدة منذ عصور وله وقعه الخاص ومتذوّقيه وأيضا لفن الزجل منبره وهو الفن الملازم للشعوب ولسان حالهم والمحبب إلى قلوبهم لقربه من لهجاتهم وواقعم وحياتهم ومشاكلهم واليوم  نرى أنّ  القصيدة العاميّة  تتقدّم بثبات وتكسر  حواجز  اللهجات المختلفة, مع تحوّلها إلى قصيدة أدبيّة تتمتّع بالجمال في الشكل الأدبي والصور الشعرية المكثّفة مع حفاظها على خصوصيّتها في كل بلد.

هل طبيعة لبنان الجميل تؤثر على الشعر الحديث كما أثر على أدب وشعر الكبار أمثال جبران خليل جبران ومخايل النعيمي؟ كيف يمكن أن يصل الشعر الحديث لمستوى الصوفية التي ظهرت في شعر كمال جنبلاط.؟

الشاعر إبن بيئته يتأثر بها وهي الركيزة الأهم  لبناء شخصيته وأخلاقه وميوله ومعجمه وبما أنّك ذكرت جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة فلا بد من الإشارة إلى أنّ الطبيعة كانت الينبوع السخي من النور والإنحياز الصوفي  في مؤلّفات جبران خليل جبران, والقوّة التأمّلية والفلسفيّة  في مؤلفات ميخائيل نعيمة .

أمّا بالنسبة إلى الأدب الصوفي الذي يتمتّع  به الشاعر والمفكّر والسياسي اللبناني كمال جنبلاط فلا يمكن ربطه بالحداثة أو بأي زمن آخر بل هو مرتبط بقدرة الشاعر على الإفلات من قيود الجسد وصموده أمام مغريات الحياة وارتباطاتها بمناحي مختلفة جسدية وزمنية  والصعود بأفكاره نحو نورانيّة التأمّل والإنصهار في كلّيّة النور الأعظم. فالصوفيّة ليست برأيي نوع من أنواع الشعر وإنّما هي خيار إنساني لا يتكرر كثيرا .

كان هنالك شعراء البلاط من برأيك اليوم شاعر لبنان؟

هناك فرق شاسع  بين شاعر البلاط وشاعر الوطن. وهناك فرق شاسع بين البيئة القبليّة لشعراء البلاط  الذين  اشتهرت بهم العصور العباسية والأموية, وغيرها  وبين شعراء السلطة اليوم. بالنسبة لي, المدح بحد ذاته ليس جريمة أمّا  إذا جاء  نوعا من  التملّق لكسب رضى الحكام  والأمراء والقادة والرّؤساء, فهو خيانة  لقدسيّة الشعر, فدور الشاعر هو القيادة الفكرية  لا التبعيّة السياسية, ومع ذلك نجد  في كل  زمان من  يصفّق للحاكم رغبة أم رهبة  ويزرع أشواك حروفه الفضفاضة حول القصور غير آبه بمن يحصدون الالم والجوع والتشرد. أما شاعر لبنان الذي لم يصفّق ولم ينحن ولم يساوم ولن يتكرر  فهو الشاعر سعيد عقل ذلك العملاق الكوني الذي طبع الدنيا بألوان العلم اللبناني, والذي “خُلق ليحبّ لبنان والأرض”.

مع فائق الشكر والإمتنان لكم أستاذ طلال السكر لإتاحتكم هذه المساحة من التواصل الفكري والإنساني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى