تقرير: قفزات الذهب والفضة .. عصر النهوض المتزامن لبدائل العملات الورقية؟
النشرة الدولية –
الذهب والفضة أبرز النجوم اللامعة في سماء الأسواق العالمية مؤخراً، مع تسجيلهما مكاسب قوية ومتواصلة خلال الفترة الحالية.
ولم يكن الصعود المتزامن للمعدنين أمرا غريبا بالنظر إلى العلاقة التاريخية التي تربطهما منذ آلاف السنين والتي ظهرت جلية في عصر وباء “كوفيد-19”.
يرتبط الذهب بعلاقة قديمة ووطيدة مع الفضة، مع تشارك المعدنين في كثير من الصفات أبرزها مكانة الملاذ الآمن في أوقات الأزمات.
يستفيد المعدنان الأصفر والأبيض حالياً من تراجع قيمة الدولار وحالة عدم اليقين بشأن موعد وكيفية تعافي الاقتصاد العالمي من حالة الركود، بالإضافة إلى العوائد الحقيقية – المعدلة على أساس التضخم – المتراجعة لنطاق سالب تاريخي والتي تجعل حيازة المعادن النفيسة هدفاً وأولوية للكثيرين.
كما يتلقى المعدنان دعماً ملحوظاً من الحزم التحفيزية القياسية بقيمة تجاوزت 11 تريليون دولار من الحكومات حول العالم في مسعى للتغلب على أثر كورونا على الاقتصادات والتي تهدد بتسارع التضخم وخفض لقيمة النقود الورقية.
وإذا كان الطلب على الذهب ينبع من عاملين أساسيين وهما الاستهلاك (مجوهرات وغيرها) واستثماري (التحوط من خطر التضخم وهبوط القيمة الشرائية للنقود)، فإن الفضة تشارك المعدن الأصفر في الأمرين ويضاف إليهما الجانب الصناعي أيضاً.
وتتميز الفضة باستخداماتها الصناعية مثل الإلكترونيات والألواح الشمسية وحتى تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) أيضاً، وهي الحقيقة التي تقدم دعماً للمعدن حتى في حالة اكتساب التعافي الاقتصادي زخماً في الفترة المقبل.
ارتفع سعر العقود الآجلة للذهب تسليم شهر ديسمبر أعلى مستوى 2000 دولار للأوقية عند تسوية تعاملات 4 أغسطس الجاري، للمرة الأولى في التاريخ.
سعر الفضة أيضاً واصل صعوده القوي مؤخراً ليتجاوز سعر عقد سبتمبر مستوى 26 دولاراً للأوقية عند تسوية يوم الثلاثاء، محققاً أعلى مستوى للعقد الأكثر نشاطاً منذ عام 2013 ومرتفعاً بحوالي 120% منذ القاع المسجل في مارس الماضي.
في شهر يوليو وحده قفز سعر الفضة بنحو 34% في أكبر صعود شهري للمعدن منذ ديسمبر عام 1979، ومتفوقاً على كل مؤشرات الأسهم والسلع الأخرى وخاصة الذهب الذي اكتفى بارتفاع 11.5%.
يهتم المستثمرون بمعدل سعر الذهب إلى الفضة والذي يعني كم أوقية من الفضة نحتاجها لشراء أوقية واحدة من الذهب، ويمكن حسابه عبر قسمة سعر المعدن الثاني على القيمة السوقية للأول.
المكاسب القوية للفضة مؤخراً قلصت معدل سعر الذهب إلى الفضة إلى 77 في 4 أغسطس الماضي، مقارنة بنحو 126 في ذروة الذعر من الوباء في شهر مارس الماضي والذي كان الأعلى منذ نحو 5 آلاف عام.
ربما تتساءل عن سر العلاقة التاريخية بين الذهب والفضة، لقد عرف الإنسان المعادن النفيسة قبل حوالي 6 آلاف عام، واستخدمها في البداية لأغراض التفاخر والوجاهة وحتى الزينة قبل أن تتحول إلى أحد أبرز أشكال النقود.
كان الذهب والفضة أول المعادن الثمينة المُكتشفة، وحقيقة أنهما في العادة يتم اكتشافهما سوياً خلال عمليات التعدين جعلت الرابط بينهما أمرا شبه حتمي.
مع بداية استخدام المعدنين في التبادل بين الناس قبل أكثر من ألفي عام، لم يكن هناك اتفاق واضح على سعر أحد المعدنين نسبة للآخر ولكن اعتمد الأمر على الوفرة أو الندرة النسبية باختلاف البلدان والأعوام.
مع مرور الأعوام بدأت تتأكد وتتزايد القيمة الأعلى للذهب مقارنة بالفضة، وهو ما استمر في الصعود رويدا رويداً.
قال “آدم سميث” الاقتصادي الشهير قبل أكثر من 200 عام إن الناس يميلون إلى النظر للثروة من خلال مقدار ما يمتلكونه من الذهب والفضة.
في القرن التاسع عشر كان متوسط معدل سعر الذهب إلى الفضة مستقراً حول واحد إلى 15، قبل أن تتسع الفجوة لصالح المعدن الأصفر بعيداً عن هذا المتوسط التاريخي.
يطلق على الفضة عادة صفة “ذهب الرجل الفقير”، بسبب اشتراكها مع المعدن الأصفر في كثير من الصفات المؤدية لصعود الذهب مع انخفاض سعرها وبالتالي قدرة الأقل دخلاً على اقتنائها.
مع انتصاف القرن التاسع عشر بدأت معظم الدول في الاختيار بين الذهب أو الفضة كشكل من أشكال النقود – بجانب العملات الورقية التي اكتسبت مكانة طاغية – وفضلت دول أوروبا اتخاذ جانب الذهب بينما فضلت دول آسيوية مثل الصين والهند الاستقرار على الفضة.
تراجعت المكانة النقدية للفضة بشكل حاد مع تفوق المعدن الأصفر وظهور قاعدة الذهب وانتشارها حول العالم، لينتهي دور الفضة كشكل من أشكال النقود قيد التداول.
يبدو طريق الفضة لتحقيق مزيد من المكاسب مفتوحاً على مصراعيه، خاصة مع استمرار الأسباب المؤدية للصعود الحالي والمتمثلة في ضعف الدولار وأزمة الاقتصاد العالمي وتراجع تكلفة الفرصة البديلة.
الطلب الاستثماري على الفضة وصل لمستويات قياسية، حيث بلغت حيازة صناديق الاستثمار المتداولة في الفضة مستوى 8445 طنا هذا العام، وهو ما يعادل ضعف الرقم التاريخي السابق المسجل في 2009.
ارتفاع سعر الذهب لمستوى قياسي يتجاوز 2000 دولار ربما يجعل الفضة خياراً أفضل بالنسبة للبعض بالنظر لسعرها المنخفض واستمرار ارتفاع معدل سعر المعدنين أعلى كثيراً من المتوسط التاريخي.
مع وصول سعر الذهب حالياً لمستوى تاريخي، فإن الفضة لا تزال أقل كثيراً من سعرها القياسي المسجل في عام 2011 والذي تجاوز آنذاك 48 دولاراً للأوقية.
يعبر معدل سعر الذهب إلى الفضة حالياً – ورغم تراجعه مقارنة بمستويات مارس – إما عن تقييم المعدن الأبيض بأقل من قيمته ما قد يسمح بمزيد من الصعود أو المبالغة في السعر الحالي للذهب.
انخفاض المعروض في الفترة الماضية كان أحد أسباب صعود المعدن الأبيض، خاصة مع تعطل عمل بعض المناجم في أمريكا الجنوبية بسبب أزمة الوباء وتداعياته.
يتوقع معهد الفضة العالمي تراجع إنتاج المناجم بنسبة 5% في إجمالي العام الحالي، وهو ما قد يتسبب في تحول ميزان العرض والطلب إلى حالة عجز للمرة الأولى في 5 سنوات.
رغم الحماس المسيطر على توقعات معظم المحللين، يعتقد مورجان ستانلي أن ارتفاع الفضة لمستويات أعلى بشكل مستدام أمر يحتاج لطلب صناعي أقوى في الفترة المقبلة.