القضية مفتوحة… صراع الحكومة والإخوان يعقد أزمة نقابة المعلمين في الأردن
النشرة الدولية –
لم يسبق لحكومة أردنية، في ربع القرن الأخير، أن وجدت نفسها، كما هي حكومة الدكتور عمر الرزاز الحالية، تعوم فوق شبكة من المغالق الإشكالية التي تتحدى حرفتها في إدارة الأزمات، بحسب ما نشره موقع “إرم نيوز” الإخباري.
فقد تزامنت بين يدي حكومة الرزاز جائحة ”كورونا“ الثقيلة، مع حملات ضبطية غير مسبوقة لمعالجة التهرب الضريبي، وحوادث تسمم غذائي بإصابات تجاوزت ألف شخص، مع ترتيبات لانتخابات برلمانية غير عادية، سبقتها إجراءات قضائية تقارب حل أو حظر جماعة الإخوان المسلمين.
ومن فوق مصفوفة الأزمات هذه، تتحرك قضية أكبر النقابات المهنية، نقابة المعلمين، التي جرى كف يد مجلسها لمدة عامين واعتقال أعضائه، فتحولت قضية النقابة إلى عنوان تعريفي للمشهد السياسي الذي تختلف فيه القراءات والتقييمات.
وتواصلت مساء الثلاثاء، رغم منع التجمع والاحتشاد بدعوى الوقاية من انتشار فيروس كورونا، في عدة مدن أردنية، مسيرات نقابة المعلمين وهي ترفع سقف شعاراتها ضد الحكومة وبعض وزرائها، وتستحضر أسئلة عن سبب فشل الوساطات لتطويق الأزمة المتحركة للنقابة.
وكشف رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، أنه التقى نائب نقيب المعلمين، ناصر النواصرة، الموقوف والمضرب عن الطعام، وكذلك رئيس الحكومة عمر الرزاز، بهدف تجسير الهوة ومنع المواجهة والاستقطاب في ملف يعتقد المصري أن حله ممكن بالتفاهم والحوار.
لكن جهود الوساطة لم تفلح. ودخلت الأزمة في مشهد الاستقطاب الذي شمل قوى عشائرية وازنة، أصدرت بيانات تأييد للدولة ولموقف الحكومة، مقابل بيان للإخوان المسلمين يدين الإجراءات الحكومية، ومثله بيانات لمنظمات مدنية دولية، وتغطيات للأزمة في الإعلامين التركي والقطري تنتصر لنقابة المعلمين في مواجهتها مع الحكومة.
بعض معارضي النظام الأردني في الخارج تساوقوا مع الإعلاميْن القطري والتركي، بأن وصفوا موقف الحكومة الأردنية من نقابة المعلمين والإخوان المسلمين بأنه استجابة لرغبات دول خليجية.
وفي أكثر من مناسبة، زهَتْ الحكومة الأردنية بالقول إنها نجحت في إدارة أزمة ”كورونا“، لكنها لم توظف مثل هذا الزهو في إدارتها لأزمة نقابة المعلمين، علماً أن في هذا الملف الأخير محاذير وحسابات تبدأ من الأمن الداخلي، ولا تنتهي عند الصورة الخارجية للدولة التي خاضت، في ثوابت القضية الفلسطينية والمقدسات ورفض الضم الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية، معركة حُسبت في رصيد الدولة والنظام.
كلاهما، نقابة المعلمين والحكومة في الأردن، تمتلكان وجهة نظر لها مؤيدوها الذين توسعوا في استخدام منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، للتحشيد والتصعيد، فالنقابة يراها الكثيرون محقة في موقفها من العلاوة التي حصلتها لرواتب المعلمين، وفي رفضها لقرار كف يد مجلس النقابة وللإجراءات العنفية في اعتقال مجلس النقابة وتوقيف بعض أعضائها من النساء.
وفي المقابل، يتفهم الكثيرون موقف الحكومة الرافض لما تصفه بأسلوب الاستقواء على الدولة والإملاء في المطالب والمجازفة بمستقبل الطلاب بالتهديد بالاعتصامات المخالفة للقانون.
وفي القناعات التي يتشارك بها الوسطاء والمحللون، تثور أسئلة حول إن كانت الأزمة بين نقابة المعلمين والحكومة في الأردن فعلاً محصورة بالقضايا المالية والفنية والمعنوية، لكان حلها ميسوراً، ولما امتدت لقرابة السنة وهي تتنقل منذ سبتمبر 2019 في حلقات التجدد والتصعيد.
”شبهة التسييس“ التي يُنظر إليها بأنها هي التي صنعت أزمة نقابة المعلمين، ومنعت حلها، يراها بعض من حاولوا التوسط بها، أنها تتصل بورقة ”الإخوان المسلمين“ وعلاقتهم بنقابة المعلمين أو ببعض قياداتها، من جهة، وبالدولة الأردنية من جهة أخرى.
ويسجل بعض من توسطوا في أزمة نقابة المعلمين الأردنية، أنهم في أكثر من مفصل، شعروا بأن ”الإخوان المسلمين“ يريدون توظيف المطالب المشروعة للنقابة من أجل المساومة والضغط على الحكومة حتى لا تذهب الى نهاية الشوط في إلغاء ترخيص “ الجماعة“، وفي تحجيم أو إلغاء فرص “ الإخوان“ وحزبهم ”العمل الإسلامي“ في الانتخابات النيابية التي تقرر موعدها في شهر نوفمبر القادم.
وفي المقابل، فإن مراكز القرار في الأردن، وهي تستشعر أن الدولة مستهدفة بتحديات حقيقية مستجدة، تضع في حساباتها أن ”الإخوان المسلمين“، الذين طالما كانوا حلفاء للنظام، أضحوا الآن رهائن لمحاور إقليمية ولمشاريع تستثني الأردن، وأنهم لن يترددوا في توظيف شبكاتهم وتحالفاتهم من أجل تأزيم الشارع الأردني بالاعتصامات والمسيرات والفوضى، بدرجة تفوق ما فعلوه في فترة ”الربيع العربي“.
تقديرات بعض الوسطاء الذين دخلوا في أزمة نقابة المعلمين مع الدولة في الأردن، كما استمع لهم ”إرم نيوز“، تنتهي إلى أن القضية تتجاوز كفاءة إدارة الأزمة، لأن الموضوع يتصل وثيقاً بعلاقة الدولة مع ”الإخوان المسلمين“. وهي قضية يراد لها أن تبقى مفتوحة على الانتخابات البرلمانية القادمة، وعلى ما يستجد في الجغرافيا السياسية، بحسب ما يقولون.