الى “التيار الوطني الحر”.. توقّفوا عن بناء أمجاد من ورق والهجوم على ميقاتي
بقلم: ايناس كريمة
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
ليس سهلاً على اي مراقب للواقع السياسي اللبناني فهم طبيعة الهجوم غير المسبوق الذي يفتعله “التيار الوطني الحرّ” ضد رئيس الحكومة المُكلّف نجيب ميقاتي، ولعلّ كل التحليلات تراوحت بين رغبة “التيار” بالتغطية على الابتزاز السياسي الذي يمارسه في الملف الحكومي في محاولة لفرض شروطه على الرئيس المُكلّف والتي تضمن له تعزيز سطوته واستبداده داخل مؤسسات الدولة، وبين مساعيه، ضمن نوع من انواع المناورة التي يُجيدها، لشدّ العصب المسيحي وتحسين شروطه التفاوضية قبل الاستحقاق الرئاسي. لكن، وبعيدا عن التحليلات، فإن “التيار”لم يفتح معركة استثنائية لم يقُم بها سابقاً، إذ إنّه كعادته يتقن الهجوم بلا سقوف سياسية وغير سياسية على رئاسة الحكومة.
ثمة عقدة سياسية جدّية لم يستطع “التيار البرتقالي” تخطّيها منذ العام 1990، وهي تتجسّد في “اتفاق الطائف”، إذ يعتبر “التيار” أن هذا الاتفاق سحب جزءًا من صلاحيات رئاسة الجمهورية لصالح رئاسة الحكومة، علماً بأن مجلس الوزراء هو صاحب الصلاحية الكبرى مجتمعاً وليس شخص رئيس الحكومة وحده.
يأبى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الا أن يتمسّك بغوغائيته في كل استحقاق دستوري، فتارة يصارع “طواحين الهواء” في انتخابات رئاسة مجلس النواب مبتهجاً بتصفيق قاعدته الشعبية، وطورا يصرّ على تهشيم موقع رئاسة الحكومة بشكل فاضح متجاوزاً كل الحدود، إذ عمل سابقاً على استهداف هذا الموقع خلال حكومة الرئيس سعد الحريري وخاض معارك مفتوحة صوّر من خلالها رئاسة مجلس الوزراء خصماً أساسياً لـ”العهد” وكاد يُشعل أزمات سياسية خطيرة في البلاد.
ولعلّ خطّة باسيل للانقضاض على صلاحيات رئاسة الحكومة ظهرت جلياً بُعيد انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تقصّد في أكثر من مرة، قبل ثورة 17 تشرين، ترؤس جلسات مجلس الوزراء، الامر الذي ولّد نوعاً من الاشكالات السياسية مع الحريري وإن بدت الحرب صامتة آنذاك حفاظاً على شكل “التسوية الرئاسية” وعدم رغبة الاطراف المعنية بتفجيرها.
ليست المرّة الاولى التي يحاول فيها “التيار الوطني الحر” إظهار الرئيس المكلّف عاجزاً عن التأليف، متناسياً أنه المتعنّت دوماً على ضمان “الثلث المعطّل” الذي يضرب الحكومة بكاملها، فيعطّل من اجله بلداً كاملاً ويعرقل كل الاصلاحات اللازمة للعبور من الازمة، الامر الذي عمل عليه ايضاً رئيس الجمهورية ميشال عون من خلال تكريس بدعة “التأليف قبل التكليف” على اعتبار أن للرئيس الحق بفرض شروطه المطلقة على الشخصيات المقترحة لرئاسة الحكومة بهدف الحصول على التزامات سياسية، الامر الذي يخالف روحية الدستور ان لم يكن مخالفاً للنص.
لكّن باسيل، وإن بات يجيد الخطابات الشعبوية بشكل لافت، ليس غافلاً عن أن الخدع “البرتقالية” لم تعُد تنطلي على أحد، وأنه لم يعُد في موقع “القوي” القادر على فرض هيمنته مُتّكئاً على “عرش” بعبدا، لا سيّما بعد الانتخابات النيابية الاخيرة التي اثبتت خسارته لرصيده الشعبي وسحبت من تحته بساط “المسيحي الاول” في ظلّ “عهد” منهار أوشك على النهاية وسط نقمة شعبية عارمة.
وبالعودة الى حملة البيانات “الهمجية” التي يشنّها تيار النواب “العيارة” على الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي مستعرضاً جملة ملفات وهمية بات الحديث عنها “اسطوانة باسيلية معلوكة” لا تقلّ فجوراً عن اسطوانة “ما خلّونا”، “والمؤامرة على العهد”، مهدّداً بأسلوب وضيع بمعنى “لا تجبرونا على قول المزيد”، فقد بلغت وقاحة “التيار الوطني الحر” تلك الدرجة التي جعلت مَن بيته من زجاج يراشق الناس بالحجارة. فرئيسه الذي وصلت شهرته الى العالمية بوصفه “ممثل الفساد الممنهج في لبنان”، بحسب بيان وزارة الخزانة الاميركية، لم يخجل من رمي الاتهامات شمالاً ويميناً “فالجمل لا يرى حردبّتو”. باسيل المُكبّل بعقوبات اميركية بسبب شبهات فساد قام بها خلال توليه مناصب وزارية لا سيما حقيبة “الطاقة” التي استولى عليها منذ العام 2008 ولا يزال يستميت لإبقائها ومنع خروجها من يده لصالح فريق آخر لأسباب باتت معروفة جعلته يضغط لسحب ملف التفاوض مع شركات كهرباء عالمية خدمة لمصالحه الضيقة.
ملفّات باسيل “بألف ليلة وليلة”، فمن بواخر الكهرباء التي أنفق عليها أكثر من 36 مليار دولار مروراً بالسدود المائية بعقود مثيرة للالتباس وتلزيم معمل دير عمار، وصولاً الى الأراضي التي جرى تلزيمها لإنشاء معمل كهربائي، وملف البيوت الاثرية في البترون وتعيين الموظفين “المحسوبين” عليه برواتب خيالية في وزارة الاتصالات وغيرها من الملفات التي لا تُعدّ ولا تحصى والرجل لا يزال يسوّق نفسه وتياره خارج منظومة الفساد! فعلاً انه لَمِن نكد الدهر أن يتحدث “الوطني الحر” عن الفساد!
يدرك “الوطني الحر” أنه في المعركة الحكومية يواجه خصماً، على حدّ تعبيره، لا يتهاون في صلاحيات موقع رئاسة الحكومة، ولا يتنازل تحت أي ظرف او سبب بحجة “سيسرة الوضع”، ولن يسمح أبداً بإضعافه سياسياً واعلامياً من خلال التساهل امام تكريس اعراف سياسية ودستورية لا يمكن تقبّلها من القوى السياسية الواقعية في لبنان. وفي الختام نستذكر أيضاً قول الرئيس الراحل عمر كرامي: “في جنة وفي نار”. ونُضيف: وفي مليار دولار فتوقّفوا عن بناء أمجاد من ورق!.