ماكرون: دولة وميثاق جديدان مقابل سلاح حزب الله
بقلم: الصحفي منير الربيع

حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت في هذه الظروف اللبنانية، ينطوي على دلالات ومعاني كثيرة، سياسية ورمزية.

فماكرون اختزل أكثر من شخصية في زيارته إلى بيروت: مشهد الاستقبال الذي حظي به من الناس، واحتضانهم إياه، قد يشبهان استقبال دمشق الأمير فيصل، حينما كانت حالمة بالوحدة العربية، أو مشهد الرئيس الأسبق جاك شيراك عام 2005. أما جمعه رؤساء الكتل النيابية والقوى السياسية، واللقاءات التي عقدها في قصر الصنوبر، فربما تذكرنا بصورة الجنرال غورو يوم إعلان لبنان الكبير.

وفي كلامه ومواقفه تحدث بلسان مندوب سامٍ. ومخاوفه وحرصه على الصيغة اللبنانية تشبه حال الوفود اللبنانية التي طالبت باستقلال لبنان وتكريس فرادته، وعلى رأسهم البطريرك الياس الحويك.

مسؤوليات كثيرة
وباختزاله شخصيات كثيرة من التاريخ المتصل بلبنان، ألقى ماكرون على عاتقه مهمات عديدة: مسؤولية استماعه إلى الناس وهمومهم، احتضانهم ومواساتهم، ووعوده بتقديم المساعدة لهم، فيما لم يستمع إليهم أي مسؤول لبناني، وعجز الجميع عن تقديم المساعدة لهم.

وألقى ماكرون على عاتقه مسؤولية الوصول إلى تسوية سياسية جديدة تحمي لبنان من الشرور المستطيرة التي تحيق به، إقليمياً ودولياً. صيغة جديدة تحفظ وجوده وبقاءه، وتغيّر طبيعة مؤسساته العقيمة وآلية عملها، وما تبقى من دولة وضعت فرنسا ركائزها.

وهناك مسؤولية ثالثة، تتصل بطرح تجديد النظام والصيغة، والخروج من الصراعات والتدخلات الدولية والإقليمية. وفي الختام هناك مسؤولية رابعة ومباشرة: التحقيق في مجريات الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، ولا تزال ملابساته غامضة.

وفي الأول من أيلول يُفترض أن يعود ماكرون لتجديد الصورة بأوسع حشد تجمعه في لبنان.

صور جوية فرنسية!
واستبق ماكرون زيارته بإرسال فرق إنقاذ ودعم، وفتح القضاء الفرنسي تحقيقاً في ما جرى في المرفأ، بسبب سقوط فرنسيين بين الضحايا. وهذا سيكون له تبعات وتداعيات تتعلق بالتحقيق ومندرجاته. وفرق الإنقاذ سيكون لديها فرصة للتزود بمعطيات من ميدان الجريمة. والتحقيق الفرنسي سيستتبع بتحقيقات دولية، لتتكشف حقيقة الكارثة. ذلك أن ما من أحد يقتنع بالروايات المتداولة حتى الآن، ولا بد من محاسبة جدية للمسؤولين الذين يتقاذفون المسؤولية.

في اللقاءات طلب المسؤولون من ماكرون مساعدته في إنجاز التحقيقات لاكتشاف ما حصل. الحركة السياسية الدولية والتصريحات والمواقف، توحي بأن ما يجري من تحركات يهدف إلى لملمة تداعيات كبيرة وخطيرة جداً، لو ظهرت الحقائق.

رئيس الجمهورية ميشال عون، وحسب المعطيات، طلب من ماكرون أن تزود فرنسا لبنان ما تمتلكه من صور جوية التقطت عبر الأقمار الصناعية، لتبيان حقيقة ما حصل، والمساعدة في مجريات التحقيق. وقد وعد الرئيس الفرنسي بذلك.
حتماً صور الأقمار الصناعية لا تخدم رواية الفساد والإهمال، إنما تشير إلى أن هناك شيئاً ما كبيراً قد حصل.

إصلاحات جذرية
هول التفجير هو الذي دفع ماكرون إلى زيارة لبنان، ودفع إلى إعادة الاهتمام الدولي بلبنان. ولو كانت الحادثة عرضية أو ناتجة عن خطأ، لما حصلت هذه التظاهرات الدولية. هناك أمر ما تجري لملمته بطروحات سياسية. والأضرار الهائلة والجسيمة في الأرواح والممتلكات، وفي المرفأ والعاصمة اللبنانية، لا يمكن لأحد أن يتحمل تبعات أي اتهام يمكن توجيهه إليه.

لذا حصل التسارع في الحركة الدولية، التي وضع ماكرون إطاراً سياسياً واضحاً لها: الإصلاحات الجذرية، وتغيير صيغة الحكم ووضع ميثاق جديد للبنان.

ميثاق تعيد فرنسا إنتاجه بعد 100 سنة على إنتاجها لبنان الكبير. ففرنسا لا تريد التخلي عن لبنان. وهي تعلم أن لبنان لا يمكنه الاستمرار هكذا. لا بد من صدمة تحدث تغييراً جذرياً.

طرح الميثاق الجديد، يعني تغيير النظام أو تعديل الدستور، أو الولوج إلى تغيير سياسي. والتغيير السياسي يعني إما تغيير السلطة أو تغيير قواعدها مع الحفاظ على النموذج. تغيير السلطة بمعنى تغيير الحكومة، أمر بسيط ولا يحدث تغييراً بالمعنى الفعلي.

فالمطالبة برحيل هذه الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، لن تغيّرا شيئاً، خاصة في ظل وضع دولي تصعيدي ومعقد حول حزب الله. أما التغيير في قواعد السلطة وتكوينها، فأمر قابل للبحث، نظراً إلى الواقعية الفرنسية، من سان كلو إلى اليوم.

ففي مؤتمر سان كلو عام 2007 – الذي نظمته فرنسا حرصاً على لبنان من أزمة خطرة بفعل الانقسام العمودي حينذاك – قدم اقتراح حول تعديل الدستور يتضمن في محتوياته مسألة المثالثة لإرضاء الشيعة. لكن الاقتراح سقط حينها.

اليوم ثمة معادلة دولية كبيرة تطرح: لبنان مقابل حزب الله. حزب الله بالمعنى العسكري والدور التوسعي الذي يلعبه في دول الجوار. هنا يمكن أن يكون الطرح الفرنسي جدياً، حول تجنب الحديث عن سلاح حزب الله مرحلياً، في مقابل تنفيذ إصلاحات جدية وجذرية، وتطبيق سياسة الحياد.

وهذا يُستتبع بمؤتمر وطني برعاية دولية، يبحث في إعادة تجديد الصيغة اللبنانية على أسس جديدة، يكون عنوانها: الدولة والدستور مقابل سلاح حزب الله. وهذا على ما يبدو مطلب دولي يتقدم، وعبّر عنه الرئيس الفرنسي بشكل أو بآخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى