ملف الهبل العربي* حمزة عليان

النشرة الدولية –

كلما شعرت بالإحباط من حالة البؤس التي نعيشها، لجأت إلى كتاب أحرص عليه وأضعه في أقرب رف في مكتبتي الخاصة، وإلى جانب الكرسي الذي أجلس عليه، الكتاب عنوانه “ملف الهبل العربي” صادر عن دار نشر لبنانية، ومؤلفه حسين علي لوباني، قد لا يكون معروفاً بالشكل الكامل لدى القارئ العربي، أبحرت معه أكثر من مرة، وفي كل رحلة كان الخجل يلاحقني من كوني “عربيا”.

 

يفسر بالمقدمة معنى “الهبل” ويتبعها بتفسير كلمة “العربي” وفقاً للقاموس الأميركي “وبستر” بأنه ذاك المتشرد، المنحرف، المتسكع، الغبي، الفوضوي… كان من قبل وما زال! ولأن ظاهرة الهبل منتشرة في ديار العربان بكثرة ارتأى أن يختارها عنواناً لكتابه.

 

ما علينا، قد يكون الهبل لا دين له ولا جنسية وليس حكراً على قوم دون آخرين، لكننا نمتلك خصائص لا تتوافر عند غيرنا من البشر! ومن عيوبنا أننا نعتقد أننا دائماً على صواب وغيرنا على خطأ، هكذا وبالعموم ومنها أيضا أننا نفهم الدين على هوانا، فنحن “أهل الله” وغيرنا “كفار”!

 

فنانات وراقصات دخلن الحلبة، فيوم يخلعن الحجاب ويوم يرتدينه، فمن تضعه على رأسها يعني أنها مؤمنة ومن تتركه يعني أنها كافرة، هكذا صارت هوية الإنسان العربي! أكثر من 76 مليون عربي من أصل 362 مليون نسمة (إحصاءات 2018)، يعانون الأمية، فهذه البقعة الجغرافية صارت مرتعاً للأجانب ومأوى للمرتزقة والاتجار بالبشر والفساد.

 

من خصائصنا أننا مازلنا نتقاتل ونتخاصم بالفتن الطائفية في كل عام قمري لتحديد اليوم الأول من شهر رمضان بالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الذي باستطاعته حسم المسائل الخلافية برؤية الهلال.

 

الهبل العربي تراه في انعدام الاحترام لحقوق الآخر، وليس في ثقافتنا شيء اسمه الالتزام بالطابور، سواء كنت واقفاً على رجليك بالصف أو بالسيارة! تاريخ العربان، طاهر، ناصع، براق، ولم ترتكب أمة العرب خطأ واحداً خلال الألف وخمسمئة سنة، لأن الأخطاء إن حدثت فهي صنيعة الإمبريالية والصهيونية والمؤامرات الخبيثة التي تستهدفنا!

 

يورد مؤلف الكتاب حادثة تقول: “ذات مرة وفي أحد الاجتماعات الرسمية كنت أجلس إلى جانب أحد الحكام العرب، فأردت أن أتبادل معه أطراف الحديث، فسألته يا فخامة الرئيس، هل تقرأ؟ أجاب: نعم أقرأ، وحتى يستمر الحديث كررت السؤال بصيغة أخرى فقلت: هل تحب قراءة الأدب أم التاريخ أم… فرد علي باستنكار: كيف نقرأ ونحن الذين نصنع التاريخ؟”.

 

ادعى العرب أنهم دخلوا الحياة الديمقراطية، وبالممارسة اكتشفوا أنهم ما زالوا يعيشون زمن القبائل والتناحر، وعلى طريقة أنا أو لا أحد! تخيلوا مدى الجهل الذي أصاب أحد شيوخ الدين الكبار عندما أجاب فيه عن سر تقدم الغرب وتخلف المسلمين، قال “إن عزاءنا، هو في كون غير المسلمين، يكدون ويتعبون ويشقون كالأنعام للوصول إلى كشوفهم العلمية، في حين نحن بأموالنا وبترولنا، الذي منحه الله لنا نأخذ إنتاج هذا العلم ونستهلكه على الجاهز، فالدول المتقدمة مستعدة دوما لتوصيل الطلبات إلى منازلنا، فحمداً لله الذي سخر لنا بني الروم لخدمتنا”!

 

ليس هناك من أمة أفرادها يرتضون أن يكونوا دائما في القاع، ترى بعضهم يحتقر نفسه إذا قدمت له خدمة نظيفة، تحتاج إلى بذل جهد غير عادي لتقنع الغالبية منهم أنهم ليسوا عبيداً بل أحرار!

 

أكثر أمة تمتهن الكذب، فالجار يكذب على جاره، والمسؤول يكذب على شعبه، والموظف يكذب على الناس، نعيش في بيئة كاذبة أو في كذبة كبيرة، تتعلق بالأوهام، الكبير يدوس على الصغير، والأقوى يتجبر على الضعيف.

 

نتميز بأننا شعوب تقدس الغيبيات، وتعشق عبادة الأوثان السياسية، لديهم نزعة الانقياد والقطيع، بعد تعرضهم لعملية “تدجين” تقوم على تغييب العقل وحق الفرد في حياة كريمة.

 

بعض مجموعات من القطعان، تصفق دون وعي، تتعلق بالتوافه من الأمور، هم سطحيون إلى درجة التسطيح والتقليد الأعمى! معقول أن يتحول عدد من الدول العربية إلى كيانات إجرامية، تمارس قتل شعبها، وكأنها مافيا أو عصابة لا دولة!

 

سيبقى الهبل العربي ينعم بالراحة، طالما بقيت هذه البيئة آمنة فهو من النوع الذي لا يعمر إلا بالوسط الذي ينخر بالأمية والجهل والخرافات والدجل والكذب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button