تونسي يبحث عن رزقه بصيد الأفاعي… رحلة لا تقل خطورة عن البطالة

النشرة الدولية –

يحمل التونسي بشير البجاوي مشبكا معدنيا بيد طويلة صنعه بنفسه منذ سنوات، ولا شيء من مظهره يوحي بأنه بصدد مغامرة تحفها مخاطر، خاصة أن هدفه صيد أفاع، لا يفكر الجميع في الاقتراب منها، لكنها رزقه الذي يسعى إليه.

البجاوي (44 عاما)، أثناء رحلته المثيرة نحو واد مهجور جنوبي العاصمة تونس، اكتفى بارتداء حذاء رياضي وقبعة لحماية رأسه من حرارة الشمس، ومعه حقائب لجني الأفاعي مصدر رزقه، وربما بهذا الزرق من الأفاعي وفق أحاديث البجاوي “سيغنيني عناء الرّحلة واحتياجا ماديا يغطي يوما أو اثنين على الأكثر”.

وتوجد في تونس أنواع مختلفة من الأفاعي، على غرار “الأفعى ذات القرنين” وأفعى الرمال، وبواء الرمال، وبوفطيرة أو الكوبرا.

يقول البجاوي إنه بدأ بصيد النحل البري، قبل أن تقل أعداده بالبلاد، ثم انتقل للعمل كهاو وسط لدغات سامة، حتى تمرس صيد الأفاعي على أيدي أشقاء والده وجده منذ قرابة ثلاثة عقود.

وتحول شغفه إلى عمل مستقل بعد أن وجد طريقه إلى معهد باستور للدراسات والأبحاث الطبية (حكومي) قبل 18 عاما، حيث يربي الأفاعي التي يصطادها من الجبال والأحراش ويبيع سمّها لمخابر المعهد المتخصص في إنتاج اللقاحات والأمصال. وصار المعهد وفق بشير البجاوي، وجهة لغنائمه من الأفاعي، قبل أن يتعامل منذ 7 أعوام، مع مخبرين اثنين خارج تونس الأول بفرنسا والثاني بإسبانيا، خاصة وأنه أسس شركة خاصة لتربية الأفاعي والحيوانات السّامة.

يشير البجاوي بفخر إلى أنه الصيّاد الوحيد بتونس الذي يحمل رخصة صيد وطنية معترفا بها من ثلاث وزارات هي الصّحة والفلاحة والبيئة. ويقول إنه يُسلم سنويا حصيلةَ 60 أفعى للمعهد حسب ما تنص عليه الرخصة الممنوحة له، وتجاوز هذا الرقم سيضعه ضمن المخالفين.

ويشير إلى أن تسليم أفعى أو ثعبان للمعهد ينال مقابله 50 دينارا (أقل من 20 دولارا). ومع الوصول إلى الوادي المهجور، كان الترقب يخيم على بشير البجاوي، صاحب الخطوات القصيرة والعينين المصوبتين تجاه النباتات الصفراء والحجارة المتناثرة في المكان.

وبأدواته البسيطة، وخبرة الرجل الذي تتحدث سُمرة جلده عن مغامراته، كانت محاولاته لاقتناص فريسته قائمة، فيما يزداد المكان سكونا ووحشة.

هذا السكون قطعه البجاوي بصيحة خفيفة، مع اقتناصه أفعى، يقول إنها أُفعوانية (مائية) لا يتجاوز طولها 40 سنتيمترا. ويضيف “عمرها عام على الأكثر ويصل طولها أحيانا إلى 100 سنتيمترا وهي من الأنواع المنتشرة بتونس”.

وبينما يتحدث البجاوي، يسحب بالعصا تلك الأفعى ذات الظهر البني مع تميزها برأس مثلث يشبه كثيرا أفعى الكوبرا.

وبخطوات سلسة ودون خوف، يترك البجاوي الأفعى تلتوي على يده وأصابعه، وأحيانا يقربها إلى وجهه دون أن يبدي أي تعابير رهبة.

ويجيب عن تلك الدهشة من عدم الخوف بالقول “الأفاعي باتت جزءا من حياتي، وسعادتي تكمن في اللّعب معها وملامستها حتى صار ذلك من يومياتي المعتادة”. ويضيف أن هذا النوع وغيره مهدد بالانقراض رغم وجوده بكثرة في مختلف أنحاء تونس، حيث يعيش قرب برك المياه والأودية ويتعرض غالبا للقتل بسبب خوف من يراه من أن يكون من الأفعي السامة.

ويقول الصياد التونسي بشير البجاوي إن من أبرز أهدافه مستقبلا الحصول على الدعم من المسؤولين ليتمكن من إقامة معارض للتعريف بأنواع الأفاعي في تونس وتمكين الناس من التمييز بين من تحمل سمّا أو لا. ويضيف أنه لم يجد آذانا صاغية لتحقيق ما اعتبره “حلما ممكنا”.

ويتابع أن الأمر الأكثر صعوبة في عمله أيضا هو غياب وسيلة نقل تمكنه من إنجاز مهامه والاستجابة لاتصالات المواطنين الذين يبحثون عمن يخلصهم من أفاع وثعابين بمنازلهم وحدائقهم.

ويقول إنه لا يستطيع استعمال المواصلات العامة بسبب خوف النّاس منه، وأنه يكتفي أحيانا بتوجيه المتصلين به بالإجراءات المطلوبة. ويؤكد أنه في بعض الأحيان يتلقى اتصالات من الحماية المدنية (حكومية) للتدخل لدى مواطنين، دون أن تسعى تلك الجهات ذاتها لتحقيق حلمه.

صياد الأفاعي يبحث عن سيارة خاصة للتنقل ومساعدة الناس الذين يتصلون به لتخليصهم من السوام التي تدخل منازلهم صياد الأفاعي يبحث عن سيارة خاصة للتنقل ومساعدة الناس الذين يتصلون به لتخليصهم من السوام التي تدخل منازلهم

ويكشف أن حاجته إلى سدّ غياب الدعم يدفعه أحيانا إلى التواصل مع المواطنين والتّنقل إلى منازلهم على نفقته بوسيلة نقل خاصة، للقبض على الأفاعي في منازلهم وحدائقهم.

ويتلقى البجاوي غالبا عن كل مهمة في تلك المنازل والحدائق 100 دينار تونسية (34 دولارا).

في منزل البجاوي بمنطقة نعسان الرّيفية من محافظة بن عروس (جنوب العاصمة)، الأفاعي لها سكن خاص في صناديق للتربية بالداخل. وعن هذا تقول سلمى زوجة البجاوي، إنها قبل الزواج كانت على علم بأن شريك حياتها صيّاد حيوانات.

وتضيف سلمى (في أواخر الثلاثينات من العمر) أن اختياره صيد الأفاعي لم يمثل فرقا لديها، فهذه مهنته التي يحبها ويجيدها. وتشير إلى أنها تقبلت الأمر سريعا وتعلمت التعامل مع هذه الحيوانات.

وتضيف أنها وبشير وابنهما يحيى (12 عاما) يتاقسمون غرفة المعيشة وسط المنزل مع العشرات من الأفاعي. وعن العيش وسط الأفاعي، تختم حديثها قائلة “لا تمثل تهديدا عكس ما يتصوره البعض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى