أخبار مرفأ بيروت بين التهجير والتفجير.. الأطفال أبطال المشهد..* نيفين أبولافي
النشرة الدولية –
لم يكن مشهدا هوليوودياً، بل كان حدثاً بوزن قنبلة نووية فجّر قلوب البشر من مشرق الأرض حتى مغربها، تطايرت معه أحلام الاطفال والأمهات بليل هانئ وصباح مشرق مثلما تطايرت شظايا زجاج الأبواب والنوافذ وانهارت معه المباني اثر حادثة انفجار مرفأ بيروت والتي خلّفت وراءها حزنا ووجعا لا يُنسى بعد أن مات من مات وجُرح من جُرح، ناهيك عن الذعر الذي سكن وجدان الجميع.
على ذات المشهد والصورة سارت كل الفضائيات الإخبارية وان اختلفت المعالجة وتعليل السبب والدوافع والمفارقات التي أدت الى وقوع الكارثة، كل تبعا لسياسته تجاه الأطياف السياسية والحكومة في لبنان، إلا أن اللافت للنظر هو ذلك الدور الكبير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي كرافد حي للفضائيات في نقل الأحداث لحظة بلحظة من الدقائق الأولى لاشتعال النيران في المرفأ، وصولا إلى حجم تأثير هذه الكارثة على الشارع اللبناني وحجم الخسائر باختلاف أنواعها، فكانت الشاهد والموثّق لكل التفاصيل التي أدمت قلوب المشاهدين والتي لولاها لكان جزء من الحقيقة في الصورة غائباً عن الجميع.
«اعطونا الطفولة.. اعطونا السلام» التي غنتها لبنان عام 1984 ترددت كلماتها في عيون أطفال بيروت بعد ان شهدوا ما لم يكن في الحسبان بأمّ أعينهم، حيث تطايرت النوافذ في وجوههم، ومنهم من وجد احد والديه جاثما فوق جسده اثر قوة الانفجار، بينما حملت بعض المربيات عددا منهم لتحميهم من الاذى، أما الأكثر تأثيرا فالمواليد الذين صرخوا صرختهم الاولى تحت ركام المباني فيما تلطخ آخرون بدماء المصابين لتحملهم الأيادي الرحيمة الى مكان آمن، وقد ساهمت عدسات الكاميرات المثبتة في المنشآت والمنازل والهواتف المحمولة في تغذية نشرات الاخبار بالجديد حول تداعيات الكارثة وتوثيق حجم الدمار، وقد بثت معظم الفضائيات فيديو المربية التي حملت طفلة بعد ان تطاير الزجاج على غرفتها اثر قوة الانفجار لتحميها من الإصابة وآخر لطفلين آخرين مع مربية أخرى.
قناة «سكاي نيوز» التي تميزت بتغطيتها للحدث استطاعت ان تلتقي الممرضة التي ظهرت في عدة صور متداولة وهي تحمل ثلاثة مواليد لتنقذهم من آثار الانفجار بعد أن طال المستشفى التي تعمل بها لتروي حكايتها معهم، فيما تناقلت عدة فضائيات إخبارية صورة الطفل نبيل الذي ولدته امه لحظة الانفجار وهي تحت الركام، وقد تلطخ ووالده بالدماء، حيث عرضت الشاشات صورته مع والده وهو يحتضنه وأجرت قناة العربي لقاء مع والديه.
ونقلت قنوات «العربية الحدث» و«الجزيرة» و«فرانس 24» التطورات ببث حي ومباشر من عدة مواقع في لبنان، بينما تناولت «بي بي سي عربية» عدة جوانب ذات الصلة بالانفجار، خصوصا أن القناة شهدت حدثا حيا أثناء مقابلة احد الضيوف على شاشتها لحظة وقوع الانفجار وإصابة مذيعة القناه مريم التومي في بيروت ووقوعها أرضا، فيما لا يزال برنامج «بي بي سي تريندنغ» يتناول هذا الموضوع.
وما بين سطور ما يسجله التاريخ لأحداث عدة، وفي زماننا هذا نجد الاطفال هم الضحية الاولى في السنوات الاخيرة لكل مشاهد الحروب والكوارث والبحث عن السلام إما غرقا من قوارب الموت أو الرصاص الغادر أو الجوع والتهجير أو التفجير، وفي حصاد نهاية كل عام صور مؤثرة لهم لا تنسى بدءا من محمد الدرة مرورا بالطفل ايلان وغيرهما حتى ضحايا انفجار مرفأ بيروت والتي أكاد أجزم بأن اكثرها تأثيرا ذلك الأب الذي يحمل وليده وهما ملطخان بالدماء.
المفارقة في الأحداث كانت في تلك التي حدثت على مدار 72 ساعة من زمن الوطن العربي والمرتبطة بالحرائق، حيث بدأت بانفجار وحريق مرفأ بيروت الحدث الأهم ليلحقه حريق في احد الأسواق الشعبية في الإمارات مرورا بحريق آخر في محطة قطار الحرمين الى حريق آخر في احد الأحراش في لبنان، ووسط كل هذه النيران التي تخمدها معدات الاطفاء تبقى نار الفقد والخوف مستعرة في جوف كل مصاب.